التلوث ينهش العراق.. قوانين بلا أنياب وغرامات بلا جدوى

التلوث ينهش العراق.. قوانين بلا أنياب وغرامات بلا جدوى
2025-07-30T08:44:45+00:00

شفق نيوز- بغداد

يتسلّل الخطر إلى العراق وتحديداً العاصمة بغداد بصمت عبر الهواء والماء والتربة، ليشكّل تهديداً يومياً لحياة ملايين العراقيين، فرغم القوانين والتشريعات البيئية التي وضعت منذ سنوات، ما يزال التلوث في العراق يتفاقم بوتيرة مقلقة، وسط غرامات شكلية وإجراءات لا ترقى لحجم الكارثة.

ومن نهر دجلة الذي تحوّل إلى مصبّ للمخلفات الصناعية والطبية، إلى هواء بغداد المسموم بانبعاثات العوادم وحرق النفايات، تقف الدولة عاجزة أمام مشهد بيئي متدهور يهدد الصحة العامة والأمن الغذائي والتنوع البيولوجي.

ويساهم حرق النفايات بطرق غير صحية، إلى جانب عدم التزام المؤسسات والمواطنين بالضوابط والمحددات البيئية، في تفاقم حجم التلوث، الذي ينعكس بدوره على المحاصيل الزراعية والأمن الغذائي.

إجراءات حكومية عاجزة

ويقول مدير قسم التوعية في وزارة البيئة، صلاح الزيدي، لوكالة شفق نيوز، إن "أهم تحدٍّ تواجهه الوزارة هو عدم التزام العديد من الجهات الحكومية والقطاع الخاص بالمحددات البيئية الوطنية المعتمدة، إضافة إلى عرقلة جهود الفرق الرقابية خلال دخولها للأنشطة الملوثة من قبل بعض المؤسسات، ومنها وزارة النفط".

ويشير إلى "إدخال منظومات مراقبة حديثة للتلوث عن طريق مشاريع البرنامج الحكومي، فضلاً عن محطات فحص تلوث الهواء المحيط، ضمن المبلغ البالغ ملياري دينار، الذي خصصه مجلس الوزراء لمعالجة تلوث الهواء".

ويضيف الزيدي، أن "أثر التلوث على الصحة العامة لا يخفى، ولا يحتاج إلى دراسات حديثة، باستثناء بعض الآثار السلبية المتعلقة بتلوث الهواء على أمراض الرئة، إضافة إلى تأثيرات الأشعة غير المؤينة الصادرة من أبراج الهواتف النقالة على الأمراض السرطانية، والتي لا تزال قيد البحث لمعرفة معدلات القدرة المؤثرة بشكل فعلي".

تلوث المياه والهواء

وأظهرت الدراسات الأخيرة ارتفاعاً في معدلات التلوث في أنهار العراق، وخاصة نهر دجلة، بينما جاءت نسبة التلوث أقل في نهر الفرات، حسب بعض المختصين.

وكانت وزارة البيئة قد حمّلت القطاع الحكومي مسؤولية تلوث مياه نهري دجلة والفرات بسبب تصريف مياه الصرف الصحي، مطالبةً وزارة الموارد المائية وأمانة بغداد والدوائر البلدية في المحافظات بضرورة إنشاء مشاريع وبنى تحتية لمعالجة هذه المياه.

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير البيئي مرتضى الحسني، أن "90% من الأنهار في العراق ملوثة"، مضيفاً أن "جميع مخلفات المصانع والمصافي ومحطات توليد الكهرباء والمستشفيات تُلقى في نهر دجلة، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة تلوث المياه".

ويشير الحسني، خلال حديثه للوكالة، إلى أن "التلوث في العراق يشمل الماء والهواء بنسبة عالية"، موضحاً أن "التلوث الصناعي يمتد إلى الأرض والمياه وله تأثير كبير على مجمل النظام البيئي"، لافتاً إلى أن "التلوث يهدد التنوع البيولوجي والمحاصيل الزراعية، إلى جانب تأثيره المباشر على الصحة العامة".

مشاريع وحلول

ويحتل العراق المرتبة الـ13 بين الدول الأكثر تلوثاً في العالم، مع ارتفاع نسب التلوث، حيث تحاول أمانة بغداد من جانبها اتخاذ بعض الإجراءات للحد من تلوث الأنهار.

ويقول المتحدث باسم الأمانة، عدي الجنديل، للوكالة إن "هناك زيادة بوحدات معالجة مياه الصرف الصحي، حيث بات هناك سبع وحدات معالجة في منطقة النهروان، إضافة إلى وحدات التصفية لاستيعاب الكميات المتزايدة من المياه".

ويتحدث المسؤول المحلي، عن وجود وحدات تصفية سيتم توسيعها ضمن مشروع (أبو عيثة)، إضافة إلى مشاريع استراتيجية سيتم تنفيذها، منها مشروع قناة الشرطة، الذي يعد من المشاريع الكبيرة، حيث تبلغ طاقته الاستيعابية 400 ألف م³ في اليوم، وستتم إحالته إلى إحدى الشركات المتخصصة، لافتاً إلى أن "المشروع سيعمل على تصفية المياه بشكل كامل قبل طرحها في النهر، من خلال نصب وحدات تصفية متكاملة".

ويشير الجنديل، إلى "جدية أمانة بغداد في إنهاء ملف تصفية مياه الصرف الصحي"، مؤكداً أن "فرق الأمانة التفتيشية تواصل جولاتها على المطاعم ونصب قانصات لامتصاص الدهون منها".

قوانين دون فاعلية

ومنذ التغيير السياسي في العراق، صدرت تشريعات وقوانين عدة تُلزم بالمحددات البيئية والحد من التلوث، أبرزها قانون رقم 27 لسنة 2009، الذي يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة من خلال تنظيم الأنشطة المؤثرة عليها، و قانون الهواء النظيف رقم 1 لسنة 2010، الذي ركّز على تنظيم الانبعاثات من المصانع وألزم الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات الوقائية لتقليلها.

ويؤكد الخبير القانوني والناشط في المجال البيئي، عادل الياسري، للوكالة أن "مسؤولية حماية البيئة من المسؤوليات المشتركة بين السلطات التشريعية والتنفيذية"، داعياً مجلس النواب إلى "متابعة التطورات البيئية وإصدار قوانين تواكب هذه التغيرات وتضاهي التشريعات الإقليمية في هذا الشأن".

ويضيف أن "من واجب السلطة التنفيذية إلزام القطاعين العام والخاص بالمحددات البيئية ومراعاة ذلك عند إجراء التعاقدات".

وينوّه الياسري، إلى أن "السلطة التنفيذية لم تقم بدورها بالشكل المطلوب في نشر فرق التفتيش وتفعيل مراكز الشرطة البيئية لضبط المخالفات وإحالتها إلى القضاء المختص"، مشيراً إلى "عدم وجود قوانين جديدة وصارمة تحد من حجم التلوث المتزايد في العراق، وأن القوانين الحالية لا تستوعب خطورة الموقف، وتكتفي بعض موادها بعقوبات بسيطة مثل الغرامة أو الحبس البسيط، وهي لا تشكّل رادعاً كافياً أمام التكرار المستمر للمخالفات البيئية".

ويبقى ملف التلوث في العراق من الملفات ذات التداعيات الخطيرة، ما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة وجهود حقيقية تشمل تصفية المياه وتنقيتها قبل طرحها في الأنهار، وإدارة النفايات بشكل فعّال، واستخدام مصادر طاقة نظيفة، والاعتماد على الأسس العلمية للحد من التلوث.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon