البرلمان "الصامت".. من يقف وراء تعطيل التشريع والرقابة في العراق؟

شفق نيوز/ يؤكد أعضاء في مجلس النواب العراقي، وجود ضغوط تمارس من زعامات وقادة كتل على كتلها السياسية والبرلمانية لتعطيل جلسات المجلس وعدم المضي بتشريع القوانين، رغم المطالبات النيابية المتكررة بهذا الصدد، وهذا يعود لتجنب تمرير قوانين ربما تسبب حرجاً للحكومة ولبعض الأحزاب.
ويشهد البرلمان العراقي حالياً عطلة تشريعية لمدة شهرين، ومن المقرر أن تنتهي في 9 تموز/ يوليو المقبل، أي بعد 20 يومياً، ومن المتوقع بحسب الأمين العام لحزب البواسل الوطني، النائب محمد قتيبة البياتي، أن "يمضي البرلمان في عطلته حتى موعد انتهائها رغم المطالبات باستئناف عمل المجلس".
وأشار البياتي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "البرلمان سوف يعود بعقد جلساته بعد عطلته التشريعية لتمرير قوانين جدلية قبل الانتخابات، والتي لن يتم تمريرها إلا بعد اتفاق سياسي واضح من قبل قادة الكتل السياسية".
تعطيل للقوانين
ورأى أن "من وجهة نظري الشخصية، أن قانون الحشد لن يمرر بسبب الاختلاف الشيعي الداخلي على مضامين القانون المتعلقة بالرئاسة والتقاعد وما شاكل ذلك، وكذلك تغيير قانون الانتخابات حيث إن الوقت بات متأخراً لتغييره".
ولا يقتصر التعطيل للقوانين الجدلية، إذ أكد النائب، أن "هناك قوانين غير جدلية تخص كل شرائح المواطنين لكنها أيضاً معطلة لحد الآن"، مشيراً إلى أن "قانون الموازنة العامة الاتحادية لابد أن يصوت عليه البرلمان لكن للأسف مجلس النواب لم يستلم الموازنة من الحكومة لغاية اليوم".
هذا وكان عضو اللجنة المالية النيابية، معين الكاظمي، رجح في حديث لوكالة شفق نيوز في 11 حزيران/يونيو الجاري، أن يصل مشروع قانون الموازنة العامة للدولة العراقية للعام 2025 إلى مجلس النواب مطلع الشهر المقبل بعد إقراره في مجلس الوزراء.
فيما كشف عضو اللجنة المالية، جمال كوجر، لوكالة شفق نيوز في 3 حزيران/يونيو الجاري، أن هناك مخاوف من استغلال الموازنة في الدعاية الانتخابية، وبحسب رأيه، فإنه يستبعد أن تقوم الحكومة بإرسال جداول الموازنة إلى البرلمان.
ضغوط سياسية
وإلى جانب التأخر بإرسال جداول الموازنة رغم مرور أكثر من نصف العام، عزا النائب المستقل، هيثم الفهد، عدم التئام مجلس النواب إلى "وجود ضغوط تمارس من زعامات وقادة كتل لتعطيل الجلسات".
وأكد الفهد، خلال حديثه للوكالة، أن "العديد من النواب طالبوا في الأيام الماضية بقطع العطلة التشريعية واستئناف جلسات البرلمان للتصويت على القوانين المهمة، منها قانون الحشد ومفوضية الانتخابات وبعض القوانين الأخرى، لكن بعض القوانين ربما تسبب حرجاً للحكومة ولبعض الأحزاب، لذلك يلاحظ هناك نأي بالطرح".
وشدد النائب في حديثه بالقول: "نحن مصرون بشكل جاد على تشريع بعض القوانين المهمة وعلى رأسها قانون الحشد والتقاعد وغيرها خلال الفترة المتبقية من عمر البرلمان، لكن هناك ضغوط تمارس من زعامات وقادة كتل على كتلها السياسية والبرلمانية لتعطيل الجلسات وعدم المضي بالتشريع، لغايات مختلفة".
منها بحسب الفهد: "مقاطعة نواب من إقليم كوردستان بسبب عدم صرف رواتب الإقليم، والبعض لا يرغب بالحضور للبرلمان حتى لا يتم تعديل قانون الانتخابات، والقسم الثالث لا يريد التسبب بإحراج لرئيس الوزراء وتشريع قانون الحشد لما عليه من ضغوطات سياسية".
"مؤسسة صامتة"
لكن هذه الأجواء داخل مجلس النواب وتعطيل الجلسات ليست آنية، حيث أرجعها المحلل السياسي، مجاشع التميمي، إلى أن "البرلمان العراقي تحوّل في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه بـ(المؤسسة الصامتة)، بسبب تراجع دوره التشريعي والرقابي، وهو ما أثار انتقادات شعبية وسياسية واسعة".
وأضاف التميمي، لوكالة شفق نيوز، أن "من أبرز أسباب هذا الجمود استمرار مشروع التوافقية والمحاصصة الذي انبثق منه ائتلاف إدارة الدولة، والذي أدى إلى تقاسم المناصب والقرارات على أسس حزبية، ما أعاق عمل البرلمان وشلّ قدرته على إقرار قوانين استراتيجية تمسّ حياة المواطن".
في المقابل، نبه التميمي، إلى أن "زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر كان من أبرز الداعين على مغادرة نهج المحاصصة والذهاب نحو مشروع الأغلبية الوطنية، بهدف تفعيل دور البرلمان وتمكينه من تشريع القوانين ومحاسبة الفاسدين بعيداً عن الصفقات السياسية. إلا أن فشل هذا المشروع وتغليب منطق التوافق أعاد البرلمان إلى مربع الجمود".
وتابع: "كما ساهمت الانقسامات، وغياب الإرادة السياسية الجادة، في جعل البرلمان أداة شكلية لا فاعلية لها، مما أفقد المواطن ثقته بهذه المؤسسة وأضعف الديمقراطية التمثيلية في البلاد".
ومع اقتراب انتهاء الدورة البرلمانية العراقية (الخامسة)، كشفت إحصائية أجرتها وكالة شفق نيوز، في 2 نيسان/ أبريل الماضي، أن البرلمان عقد 51% فقط من الجلسات المفترضة وفق النظام الداخلي، الأمر الذي انعكس سلباً على الدورين التشريعي والرقابي للمجلس، بحسب نواب ومراقبين.
ومنذ بداية الدورة النيابية في كانون الثاني/يناير 2022، عقد مجلس النواب العراقي 132 جلسة فقط، (لغاية عطلته التشريعية الراهنة) في حين ينص النظام الداخلي على عقد 256 جلسة سنوياً، كما حدد النظام الداخلي عقد 8 جلسات شهرياً، وفصلاً تشريعياً يمتد 4 أشهر، بواقع 32 جلسة في كل فصل.
وبحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، من المقرر أن تُجرى الانتخابات البرلمانية العراقية في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، بعد تأجيل سابق لأسباب تتعلق باستكمال التشريعات والتحضيرات الفنية.