من "إعدامي" إلى "بُنيان".. كاتبة عراقية استمدت قوتها من "موزة" لتطرح معاناة "النساء"

من "إعدامي" إلى "بُنيان".. كاتبة عراقية استمدت قوتها من "موزة" لتطرح معاناة "النساء"
2025-05-18 12:44

شفق نيوز/ حيث العراق، البيئة المتخمة بالتجاذبات السياسية والدينية والاجتماعية، تتقدّم شذر الراوي، الكاتبة والناشطة من محافظة الأنبار أقصى غرب البلاد، بخطى واثقة، مدفوعةً بقناعة راسخة بأن التغيير لا يبدأ من القمة، بل من الأرض، لتناور السلطة مع بعض التحفظ على تعريف "النسوية".

تقول الراوي، في حوار خاص مع وكالة شفق نيوز: "لا أدّعي تمثيل النساء، وأخاف من هذه الفكرة أحيانًا، كل امرأة في الأنبار تحمل قصتها الخاصة، ولا يجوز اختزالها في صوت واحد، حتى وإن بدا مرتفعًا".

كتابتها تنطلق من التجربة الحيّة، من القرى والمدن وزوايا المؤسسات، حيث النساء لسن ضحايا ولا بطلات خارقات، بل بشر حقيقيون يخضن صراعات مركّبة.

رغم كثافة الاستقطاب، تحرص الراوي على حماية صوتها من التسييس، مستندةً إلى بيئة عمل لا تفرض الولاءات.

ولا ترى الراوي في نفسها شاهدة على التغيير، بل كجزء منه، حيث تقول: "فكرة أنني أُشارك في التغيير وُلدت معي، لأن الوجود نفسه موقف، أما سقف الحرية؟ لم أره مرتفعًا يومًا حتى أقول إنه انخفض"، ترى في الذكاء الاجتماعي والوعي بالسياق أدوات لمواكبة الأثر، وليس كسر الجدران بعشوائية"، على حد تعبيرها.

حين يُطرح مصطلح "النسوية"، تُبدي الراوي تحفظها لا على المضمون، بل على الصياغة، قائلة: "لو كان الأمر بيدي، لاخترت للمفهوم اسمًا أقرب لثقافتنا، جوهره الدفاع عن كرامة المرأة، لكن الاستخدام المتشنج له شَتّت رسالته". 

روايتها عن التمكين تنطلق من أرضية إنسانية ودينية ومجتمعية، تنأى عن الشعارات وتفضّل الأثر المتراكم: من مشروع "أنبارية" إلى مكتبتها الأولى في راوة.

ترفض الراوي، اختزال النساء في مناطق النزاع بين "ضحية" أو "بطلة"، وتصر على سرد الواقع بتعقيده: "النزاع لا يمنح أحدًا دورًا ثابتًا، والمرأة ليست أيقونة رمزية، لذلك نُركّز على التمكين الحقيقي، القانوني والاقتصادي، كي تكون المرأة قادرة على المواجهة، لا على التمثيل فقط".

في زمن تكاثرت فيه المبادرات الدولية التي لا تفهم السياق المحلي، ترى الراوي أن الدعم الحقيقي هو ذلك الذي يأتي من الداخل. 

تقول: “لم أتلقَّ دعمًا خارجيًا قط، لكني أعتبر نفسي محظوظة بدعم رئيس مجلس المحافظة، الذي تبنّى كل مشاريعي الخاصة بالنساء والأطفال، والدعم هنا يتحوّل إلى قرارات ومساحات، لا مجرّد بيانات تضامن".

تتحدث الراوي عن الثقافة لا كترف نخبة، بل كأداة بناء، لكنها تعترف بالقول، ان "الثقافة في الأنبار ما تزال محصورة، والسبب يعود لطريقة تدريس الأدب والبلاغة، حتى الكتّاب أنفسهم بحاجة لمراجعة أسلوبهم، لأنهم إما يجعلون الناس تحب الثقافة أو تنفر منها". 

وعن كتابها "الثالث إعدامي"، تقول: "آذاني نفسيًا لدرجة أنني تأخرت ست سنوات قبل أن أجرؤ على إصداره، الكتابة عن سقوط راوة لم تكن مجازًا، بل جرحًا حقيقيًا في مرحلة مراهقة مقسّمة بين الألم والمرارة والقهقهة"، أما عن "ساعي الوريد" و"عرش الحرير"، فتؤكد أن كل كتاب هو مرحلة في تطورها الشخصي، لا خطة مدروسة: "أنا لا أكتب بتوازن دائم، بل بصدق دائم".

أما تجربتها مع "دار الشذر للنشر والتوزيع" فتجسيد لرؤية تنموية للثقافة، أسستها لتكسر احتكار النشر، وتمنح أبناء الأنبار "خاصة النساء" فرصة للظهور من الداخل لا الهامش، وفق قولها.

وتضيف: "دار الشذر ليست دار نشر فقط، بل مشروع يُعيد تعريف علاقة الكاتبة ببيئتها، ويمنحها أدوات الإنتاج لا الاستجداء".

في عمق خطابها، تُشير الراوي إلى ثلاث نساء شكلن وعيها: موزة بنت ناصر، نازك الملائكة، وزنوبيا، موضحة: "من موزة تعلمت القيادة الناعمة، ومن نازك الكلمة القوية، ومن زنوبيا فكرة أن المرأة قادرة على حكم دولة لا مجرد مشروع".

ورغم تحفظها على الحديث عن المشاريع المقبلة، تكشف الراوي عن نية تحويل "بنيان" إلى مشروع وطني رسمي، إلى جانب مبادرات جديدة لفريق "أنبارية"، مؤكدةً: "نحن لا نعمل لنكتب، بل نكتب لنعمل، ونجعل الثقافة صالحة للحياة لا للعرض".

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon