شهداء دون أكفان وقبور
صبحي ساله يي/ مأساة وفواجع وكوارث الكورد بشكل عام، والكورد الفيليين المضطهدين بشكل خاص، جراح ملتهبة في الجسد الكوردي. جراح لا تندمل بتعريفها من قبل هذا بالإبادة الجماعية (الجينوسايد)، أو استذكارها سنوياً من قبل ذاك، أو بعقد ندوات ومؤتمرات، أو بإحياء نشاطات معينة في أيام معدودات. جراح لها أبعاد وطنية، وبحاجة الى الرؤية الواقعية الرصينة المستندة على العقل والمنطق، توحد المواقف تجاهها وتجعلها واجباً إنسانياً وقومياً ووطنياً وقانونياً.
النظام البعثي العروبي العنصري المليء بالحقد والكراهية، صبّ جام غضبه على المكون الكوردي الفيلي، وقام بمصادرة وثائقهم الثبوتية وأموالهم المنقولة وغير المنقولة، وغيّب الآلاف من شبابهم في أحواض التيزاب والصحارى المترامية الأطراف، كما قام بتهجير الكثيرين منهم الى إيران.
وبعد سقوط صدام في العام 2003، وبعد أن جاءت حكومات لاتلتزم بواجباتها، ولابقرارات محكمة الجنايات العليا فيما يخص تحديد مصير الشهداء والمفقودين من الكورد الفيليين وتعويض ذوي الضحايا وجميع المتضررين. مازال الحقد الشوفيني تجاه الكورد كما هو، بل زاد في الكثير من الأحيان. والكورد الفيلية نالوا القسط الأكبر من تلك الأحقاد ومازالوا يذوقون مرارات السياسات العدوانية، ويسمعون الأصوات النكرة والأنغام الغثيثة والخطابات السياسية التي تغذي الحقد الدفين ضدهم وتفوح منها النذالة والحقارة ورائحة الفكر البعثي الصدامي المقبور, وما زال الفيليون يتعرضون في الواقع المتداعي الى ذات الممارسات التي إعتادوا عليها من قبل أجهزة الجهلة حتى النخاع والأمية في كل شئ.
قبل الإستفتاء الذي جرى في أيلول 2017 في كوردستان، وبعده، سمعنا الكثير من التهديدات، الموجهة نحو الكورد، من قبل الحاقدين الذين لايختلفون كثيراً عن (الرفاق البعثيين)، أشارت معضمها بوضوح تام الى التكاثر الأميبي للفكر الشوفيني الإفتراسي الإستعلائي، والركون الى القنوط والتهاوي في مستنقع ال ( أمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة ). مستنقع يتخبط فيه مثيري المشكلات والأغبياء الذين يفقدون القدرة على الربط بين الوقائع والمواقف والتوجهات التي تعودوا عليها في عهد البعث القذر، والتي هددت وتهدد السلم الأهلي وتشيع العنصرية والكراهية والنعرات والخلافات بين المواطنين وتصنفهم الى درجات حسب إنتماءاتهم القومية والمذهبية والطائفية.
أخر ما جادت به قريحة أحدهم، في عهد حيدر العبادي، والذي كان يقف قبل ذلك خلف مختار العصر ويقدم المشورة له، ونسى التضحيات والتاريخ المشرف للكورد الفيليين، وأكثر من عشرين ألف شهيد كوردي فيلي، تمادى وتطاول وحلق في فضاء الطائفية والارتزاق والتملق والهذيان وأفرغ في تصريحاته جزءاً مما عنده من دناءة التفكير والتحليل، حيث قال : أن مصير الكورد في بغداد بعد الاستفتاء على إستقلال كوردستان هو التهجير. وطبعاً هذا التهديد بالتهجير والإقصاء والتسليب لم يكن وليد لحظته، كما هو حال التهديات الكثيرة التي سمعناها في الإعلام ولاحظناها في مواقع التواصل الاجتماعي، والمنتفخة بالتعالي والتكبر والغرور العربي والاستهزاء والتشكيك والاستصغار للشعب الكوردي، أساء للعراقيين عموماً وأثار الخلافات وغذى الأحقاد بين الكورد والشيعة، وفي الوقت ذاته زاد من تمسك الكورد الفيليين بكورديتهم الأصيلة.