حكاية محمد حسن برزو.. حين اختلطت دفاتر الشورجة بخرائط الثورة الكوردية

شفق نيوز/ من أزقة حي الصدرية إلى جبال بنجوين، خطّ الراحل محمد حسن برزو مسيرة حافلة امتدت نصف قرن، جسّد خلالها تلاحم الكورد الفيليين مع قضايا شعبهم الكوردي، وترك بصمة خاصة في الذاكرة القومية والوطنية.
وُلد برزو في 1 تموز/يوليو 1923 بشارع الملك غازي (الكفاح حالياً) في جانب الرصافة من بغداد، لأسرة كوردية فيلية قدمت من إيلام طلباً للرزق والاستقرار. تلقّى مبادئ القراءة والكتابة في الكتاتيب، ثم انتقل بين المدرسة الإيرانية والمدارس الحكومية حتى أنهى المرحلة المتوسطة. مبكراً، صقل ابن خالته المثقف محمد خسرو ميوله القومية؛ فامتلأت غرفته بالمؤلفات التاريخية والأدبية بالعربية والفارسية.
تزامن شبابه مع صعود الأحزاب اليسارية والقومية الكوردية. انضمّ عام 1945 إلى حزب «هيوا» (الأمل)، وأقام صِلات متينة بالدكتور جعفر محمد كريم. بعد تضييق الأمن على الناشطين، فرّ مع رفيقه إلى إيران قبل أن يعود سراً إلى بغداد لمواصلة التنظيم بين الكورد الفيليين، مستفيداً من عمله محاسباً في محال الشورجة لاستقطاب التجار والكسبة إلى صف القضية الكوردية.
كان برزو بين المؤسسين الذين اجتمعوا سرّاً في 16 آب/أغسطس 1946 بمحلة أبو سيفين ببغداد لإطلاق الحزب الديمقراطي الكوردستاني، مستلهماً تجربة جمهورية مهاباد. ويؤكد زملاؤه أنه ساهم في استئجار دارين متلاصقتين لتأمين انعقاد المؤتمر بعيداً عن أعين الأمن.
كما نشط في تأسيس المسجد الفيلي الكبير في باب الشيخ، وإدارة نادي الفيلية الرياضي (1959)، ما عرّضه لاعتداءات مناصرين للحزب الشيوعي. وعام 1952 كلّفته القيادة، مع الشاب جلال طالباني، بإعادة هيكلة التنظيمات الحزبية بين شباب الفيليين.
وبعد اندلاع ثورة أيلول 1961، آوى سكرتير الحزب إبراهيم أحمد في منزله بمدينة الحرية لأشهر، قبل تهريبه إلى كوردستان. توالت ملاحقات الأمن؛ فاختفى برزو في منازل الأصدقاء حتى غادر إلى الجبال عام 1963 ليلتحق بالثورة. عُيّن لاحقاً مسؤولاً إدارياً في بنجوين، حيث ما زال الأهالي يذكرون جهوده لتأمين الخدمات.
انتقل مراراً بين بغداد، بنجوين، وهمدان وطهران، مستثمراً فترات الهدنة ليعيد بناء الشبكات الحزبية. وبعد 1968، حمل امتياز جريدة «النور» اليومية الناطقة باسم المكتب السياسي، وواصل التنسيق التنظيمي بين الفيليين في بغداد والجنوب.
أواخر الستينيات، لبّى دعوة السياسي محمد توفيق وردي للعمل مع المعارضة الإيرانية التي كان يقودها الجنرال تيمور بختيار بدعم عراقي. كتب مقالات نارية في إذاعة وصحيفة «الطريق» باللغات الفارسية والكوردية والعربية والآذرية، محرضاً على إسقاط حكم الشاه ومُعرِّياً سياسات السافاك تجاه الأقليات والقوميين.
أثار نشاطه غضب جهاز السافاك الذي وجد في «الكوردي الفيلي» صوتاً مُحرِّضاً، كما ضاق به بعض قادة البعث بسبب مواقفه المناهضة لقرارات تسفير الفيليين عام 1969. حذّره رفاقه من مخطط لاغتياله، لكنّه رفض مغادرة بغداد. في ليلة 22 تموز/يوليو 1973، تعرّض لإطلاق نار أمام مطلع شارع الوثبة، على بعد أمتار من منزله الأول. تُرك جسده في الشارع زمناً قبل أن يُنقل إلى ذويه؛ ولم يكن في جيبه سوى 600 فلس.
ادانت الحركات الكوردية «الجريمة السياسية» التي طالت «رجل مبادئ نظيف اليد»، بقي برزو رمزاً للتضحية بين الفيليين: محاسباً بسيطاً يُنفق من وقته ورزقه على الحركة، ومناضلاً صلباً رفض الامتيازات الحزبية وانحاز إلى طلاب المدارس والعمال والتجار دفاعاً عن هويةٍ لطالما تعرّضت للتهميش.
يجسّد الشهيد محمد حسن برزو سيرة جيلٍ فيليّ ناضل على جبهتين: تأكيد الوجود الكوردي في بغداد، ومواجهة الاستبداد داخل العراق وخارجه. رحل قبل أن يرى ثمرة نضاله، لكن فِكره ظلّ يغذي ذاكرة الحركة الوطنية الكوردية حتى اليوم.
سلام برزو- بتصرف شفق نيوز