تصوير "مسرّب" يعرقل حملة خدمية ويشعل أزمة سياسية بين البصرة وبغداد

تصوير "مسرّب" يعرقل حملة خدمية ويشعل أزمة سياسية بين البصرة وبغداد
2025-05-20 17:35

شفق نيوز/ أشعل مقطع فيديو صُوّر "خِفية" بموبايل مصور يعمل في قناة محلية بمحافظة البصرة، ضجة إعلامية واسعة تجاوزت الحدود المحلية، ودفعت أعلى سلطة تنفيذية في العراق إلى التدخل المباشر وإصدار أمر يقضي بوقف حملة إزالة التجاوزات التي طالت مساكن عشوائية، إلا أن الحكومة المحلية للمحافظة رفضت هذا التوجيه وأكدت مواصلتها للحملة التي بدأت منذ أكثر من خمس سنوات.

المصور حيدر مفتن، الذي كان يرافق لجنة إزالة التجاوزات في مهماتها الدورية، كشف عن مشاهد مؤلمة لنساء ورجال مسنين وهم يصرخون ويقاومون هدم مساكنهم المتجاوزة في ناحية خور الزبير غربي المحافظة، دفعته لتوثيق اللحظات بهاتفه المحمول بشكل "سري".

تعاطف إنساني

يقول مفتن لوكالة شفق نيوز، إن "القناة التلفزيونية التي كنت أعمل بها مهتمة بملف إزالة التجاوزات، ودائماً ما كنا نرافق اللجنة المعنية بهذا الملف، وفي آخر نشاط للجنة عمدتُ إلى تصوير المتجاوزين بعد أن أثارتني حالات إنسانية لنساء ورجال كبار في السن وهم يصرخون بلا مأوى ويحاولون إيقاف عملية هدم منازلهم".

ويضيف "لم أتمالك نفسي حين رأيت كبار السن يصرخون وهم يرون أنهم باتوا بلا مأوى، فقررت التصوير سراً ونشرت الفيديو لاحقاً على حسابي الشخصي، دون علم القناة التلفزيونية التي أعمل فيها أو لجنة إزالة التجاوزات".

الفيديو انتشر بسرعة كبيرة على مواقع التواصل، لكنه تسبب بفصل مفتن من عمله، إلى جانب تلقيه تهديدات بينها تهديد من شقيق النائب الإداري لمحافظ البصرة، بحسب ما أفاد.

غير أن الأراضي المتجاوز عليها تبين أنها عائدة لموظفين حكوميين وبعقود رسمية، حيث أوضح أصحاب الأراضي في مقاطعة "55 النجم الجنوبي"، بناحية خور الزبير، أنها تعود لموظفي الشركة العامة للحديد والصلب التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، وأن المنطقة ما تزال تفتقر للبنى التحتية الأساسية منذ أكثر من ثلاثة عقود بسبب هيمنة المتجاوزين على هذه الأراضي.

ويبين المتقاعد أبو أحمد، أحد أصحاب الأراضي، في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "الأراضي وُزّعت لنا في العام 1992 بموجب قرارات رسمية، وجميعنا نمتلك طابو ملك صرف منذ ذلك الحين، لكنها لم تشهد أي تطوير أو خدمات منذ ذلك الحين، مما حال دون الاستفادة منها أو استخدامها للسكن".

ويشير إلى أن "الجهات المعنية في الحكومة المحلية أحالت مؤخراً مشروعاً لتأهيل الأراضي وتهيئتها لتصبح صالحة للسكن، إلا أن تنفيذ المشروع اصطدم بوجود تجاوزات واسعة على هذه الأراضي".

ويوضح أبو أحمد، أن "أغلب المتجاوزين تم تبليغهم بضرورة الإخلاء منذ العام 2020، إلا أنهم ما زالوا يشغلون الأراضي، بدون أي رادع"، مشيراً إلى أن "التجاوزات تتضمن أكثر من 20 مزرعة متنوعة، تتركز غالبيتها على زراعة الطماطم، بالإضافة إلى وجود جواخير لتربية الأغنام والمواشي".

ويطالب أبو أحمد الجهات المعنية بإزالة هذه التجاوزات بشكل عاجل، حفاظاً على حقوق أصحاب الأراضي الشرعيين، ولضمان تنفيذ المشروع الخدمي الذيطالانتظاره.

رئيس الوزراء يوجّه بوقف الإزالة

وفي تطور سريع، وجّه رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، بتاريخ 19 أيار/ مايو الجاري، بوقف جميع عمليات إزالة الدور السكنية المتجاوزة، إلى حين تأمين بدائل سكنية للمتضررين.

الوثيقة الرسمية الصادرة من مكتب السوداني والتي اطلعت عليها وكالة شفق نيوز، شددت على: "ضرورة التعامل مع ملف إزالة التجاوزات بحس عالٍ من المسؤولية الاجتماعية، ومراعاة الظروف الإنسانية للأسر المعدمة".

محافظ البصرة يرفض

وفي موقف فاجأ الرأي العام، رد محافظ البصرة، أسعد العيداني، على توجيه السوداني، مؤكداً أن "العراق دولة اتحادية، وتوجيهات الحكومة الاتحادية غير ملزمة للمحافظات".

وأشار العيداني في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، إلى أن "التوجيه الأخير يخالف المادة 154 من قانون إزالة التجاوزات، وأعتبره سابقة خطيرة تشجع على الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة".

وأضاف المحافظ، أن "الإزالة تتم بموجب قرارات قضائية نهائية، ولا تراجع عنها، مهما كانت الضغوط"، مشدداً على عدم التراجع عن تنفيذ القانون "لصالح أي مجاملات".

القرار أثار ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية أيضاً، فقد أعلن جاسم الحميدي، عضو تحالف "تصميم" بزعامة المحافظ أسعد العيداني، انسحابه من التحالف الذي خاض من خلاله الانتخابات المحلية الأخيرة، احتجاجاً على ما وصفه بـ"الظلم والتهميش في آليات إزالة التجاوزات".

ويوضح الحميدي في بيان ورد لوكالة شفق نيوز "نرفض إزالة منازل الناس دون توفير بديل لهم. هناك مناشدات وصلت من الأهالي، وأوجه رسالة إلى مجلس المحافظة بضرورة تأمين بديل سكني قبل الشروع بأي عملية إزالة، وعدم ترك الأهالي يواجهون مصيراً مجهولاً بلا مأوى".

خطوة لحلحلة الأزمة

وفي بادرة لمعالجة الأزمة المتصاعدة، أعلن عضو مجلس محافظة البصرة، حسن شداد، عن تخصيص قطعة أرض في منطقة الشعيبة لإسكان المتجاوزين من قضاء الزبير، الذين تعارضت مساكنهم مع مشاريع إعمارية وخدمية في المنطقة.

ويؤكد شداد أن هذه الخطوة تأتي "ضمن جهود الحكومة المحلية لإيجاد حلول واقعية تضمن حقوق السكان الذين تتعارض مواقع مساكنهم الحالية مع المشاريع الخدمية المخطط لها، دون عرقلة خطط الإعمار".

ويلفت إلى أن "قضاء الزبير يشهد حملة إعمار في جميع شوارعه ومناطقه مع تواجد الكثير من المتجاوزين ضمن الرقعة الجغرافية لهذه المشاريع"، موضحاً أن "خطوة تخصيص أرض لهم تأتي في إطار حرص الحكومة المحلية على إيجاد حلول واقعية لسكان المناطقالعشوائية".

وتحولت قضية إزالة التجاوزات في البصرة من ملف إداري محلي إلى أزمة تخللتها اعتبارات إنسانية، واحتجاجات سياسية، وتضارب بين الصلاحيات الاتحادية والمحلية.

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon