"الطنطل والنملة والكلبة".. درابين بغداد الضيقة تبوح بأسرارها (صور)
شفق نيوز/ تحمل درابين وازقة بغداد القديمة تسميات غريبة وصادمة، لكنها في الأصل مشتقة من تاريخها وتراثها ومن أصناف العمل الذي يمارسه سكانها، او ترتبط بحوادث تطغى على غيرها، ومن ذلك (فضوة عرب) الواقعة عند نهاية شارع غازي سابقا "الكفاح" حاليا، ويتفرع من هذه المحلة - وفق متتبعين - عدد من الشوارع التي تتصل بهذه المحلة وتبلغ نحو 20 شارعاً.
الشكل الهندسي للمحلات القديمة
تعد المحلات والازقة القديمة جزءا من منظومة واسعة من شبكات الطرق وفق المهندس المعماري المهتم بالتراث العراقي، محمد قاسم، وتحتوي على 3 اجزاء رئيسية، أولها المناطق العامة التي تضم المباني والمؤسسات، ويكون مركزها المسجد الذي يرتبط بالمباني الادارية والخدمية، ثم السوق الكبير وهو أول شارع عام ضمن المحلات القديمة وتتفرع منه عدة شوارع تقود إلى اسواق فرعية ودور سكنية.
تلي المناطق العامة ما يعرف بالمناطق شبه العامة، وتكون هذه المناطق - وفق ما يقول قاسم لوكالة شفق نيوز - ضمن المحلة الواحدة، ويكون عرض شوارعها أقل منه في المناطق العامة، أما الشارع شبه الخاص فيكون ضمن مجموعة بيوت ضمن المحلة الواحدة ولا يتجاوز عرضه من 2 الى 3 امتار، وتجمع هذه الشوارع عدداً من الأزقة والدرابين الضيقة بشكل هندسي بنيت على طرازه محلات بغداد القديمة.
محلات ارتبطت أسماؤها بسكانها
محلة "عگد الهنود"، واحدة من المحلات البغدادية التي انبثقت تسميتها من ساكنيها الهنود القادمين مع الجيش الليفي والذين لم يكن بإمكانهم العودة بسهولة الى موطنهم الاصلي، والتحقت بهم بعد سنوات بعض النساء القادمات من الهند من الأقارب عن طريق البواخر التجارية، وتزوجن هؤلاء النسوة من عراقيين فأصبحت المحلة خاصة بهم، ويميز هذه المحلة عن سواها روائح الفلفل والبخور التي تدهم القادمين لها من محلات اخرى.
وفضلا عن محلة الهنود ثمة دربونة البرابرة، وكان أغلب سكانها من القوقازيين والاذريين الذين يمتازون بجمال يختلف عن أبناء العراق، ولم تعرف اصولهم في البدء، وكان يطلق عليهم تسمية (البربر) نسبة الى جيش هولاكو البربري الذي غزا بغداد، وكانوا يتحدثون اللغة التركية، ومن ثم تعلموا اللغة العربية، واغلب المواطنين كانوا يتحاشون دخول أزقتهم لشراستهم.
أما دربونة "المعدان" فقد انبثقت تسميتها من سكانها المزارعين من أصحاب الجاموس وباعة الحليب والقيمر، ولكثرة أبقارهم ومواشيهم أصبح بعضهم يعمل قصابا في سوق الصدرية الذي ما يزال قائما ويحمل الاسم نفسه حتى اليوم.
الطنطل والجري والنملة عگود ذائعة بدرابين بغداد
تأخذ بعض المحلات تسميتها من احد "العكود" اي الشارع، فمحلة الطنطل اخذت اسمها من عكد يعرف باسم (الطنطل)، وبحسب المؤرخ محمد صالح صاحب كتاب "اخر ما تبقى من بغداد"، فغن "عگد" الطنطل يسكنه خليط من الفقراء، وينام سكانه عند غروب الشمس حيث لا يوجد مصباح ضوئي، وكان بعض السكارى حينما يعودون يصدرون اصواتاً لإخافة القادمين، فيظن الناس ان هناك "طنطلاً" في الزقاق، ونسجت حول هذا العگد حکایات لا تنتهي عن عالم الارواح والجن والطنطل وحتى ان بعض "الچرغچیة" كانوا يخافون من دخول عگد الطنطل.
وانبثقت تسمية "عگد الجُرّي" الذي يقع قرب حمام الحميدي، وعرفت المحلة بهذا الاسم بسبب وجود بائع سمك جُرّي اسمه خليل السماچ، كان يدور بصواني سمك الجُرّي والدهن الحر في المحلة ويلاقي اقبالاً منقطع النظير.
وعن عگد العبيد، يقول المؤرخ محمد صالح في حديث لوكالة شفق نيوز، إن في هذه المحلة يغلب أصحاب البشرة السمراء على سكانها، وهم بالاصل من منطقة الزبير بمحافظة البصرة، وقدموا الى بغداد لخدمة مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني، وكانوا يمارسون الرقص والدق على الدفوف في المناسبات، وفيهم من ابتعد عن ذلك وانخرط في خدمة الذوات فأصبح غنياً وساعد اهل محلته، ولم يبق من هؤلاء سوى القليل، وفق صالح، إذ تفرقوا وسكنوا مناطق مختلفة في الفضل والميدان.
فيما يمتاز عكد الكوازيين الذين امتهنوا الصيد لاحقاً بأنهم كانوا يصنعون الكوز والحب والتنگ والدنابك من الطين الحري، فيقبل الناس على شراء مصنوعاتهم و أطلقوا هذا الاسم على هذه المحلة، اما النساء فكن يقمن بصنع التنور الطيني لعمل الخبز في البيوت.
وتعد دربونة "درب الجلبة" من الدرابين البغدادية القديمة المشهورة، ووفق محمد السعيدي الباحث في التراث البغدادي وصاحب متحف أرض الرافدين، فإن تربية الكلاب في المنازل لم تكن من عادة البغداديين، كون تربية الكلاب مرتبطة بسكان الريف، إلا أن هذه التسمية اطلقت لوجود امرأة بريطانية كانت تربي كلبة عند مطلع العهد الملكي.
دربونة النملة
تقع دربونة النملة في بداية شارع الرشيد وتنتهي بالشارع الذي كان يسمى بشارع المستنصر، شارع النهر حاليا، وكانت هذه المحلة حتى فترة الثمانينيات قائمة ويمارس فيها المواطنون انشطة تجارية مختلفة، ووفق المهتم بالتراث البغدادي حميد عباس الذي يسكن في شارع الرشيد مطلّع الخمسينات من القرن الماضي، فإن هذه المنطقة كانت عبارة عن دربونة ضيقة ولهذا سميت بالنملة، ثم تحولت هذه الدربونة فيما بعد الى محال تجارية ومخازن للاحذية والحقائب النسائية، بحسب ما يقول عباس لوكالة شفق نيوز.