غضب في السليمانية... "عقوبة جماعية" تشعل الشارع الكوردستاني قبيل العيد

شفق نيوز/ مع اقتراب عيد الأضحى، تتصاعد حالة من الغضب الشعبي في محافظة السليمانية نتيجة قرار وزارة المالية الاتحادية القاضي بإيقاف صرف رواتب موظفي إقليم كوردستان عن شهر أيار الماضي.
القرار، الذي صدر دون تبريرات أو توضيحات رسمية من الوزارة، اعتُبر على نطاق واسع بأنه تجاوز للدستور العراقي وقرارات المحكمة الاتحادية، واستفزاز مباشر لمشاعر الموظفين والمواطنين في وقت حرج.
"خرق دستوري وإنساني"
ترى الموظفة نسرين عبدالله، أن قرار وزارة المالية الاتحادية لا يشكّل فقط خرقًا للدستور العراقي وقرارات المحكمة الاتحادية، بل يمثل أيضًا "صفعة إنسانية قاسية وعقوبة جماعية في توقيت مؤلم".
وتقول لوكالة شفق نيوز، إن "القرار جاء قبل العيد، في وقت ينتظر فيه المواطن راتبه ليشتري ملابس أطفاله أو يوفر مستلزمات العيد نحن نسأل وزيرة المالية: ماذا سيكون موقفها لو حُرم أطفالها من راتبهم قبل العيد؟ هل تقبل بذلك لنفسها؟".
وتضيف، أن المحكمة الاتحادية سبق أن ألزمت حكومة بغداد بصرف الرواتب، والدستور ينص بوضوح على المساواة في الحقوق بين أبناء العراق.
وتابعت: "لم نتلقَ أي توضيح من وزارة المالية حول سبب إيقاف الرواتب، رغم أن حكومة إقليم كوردستان التزمت بجميع الشروط المطلوبة منها، بما في ذلك قرارات المحكمة".
مخرجات اجتماعات أربيل.. واستغلال الرواتب سياسيًا
من جهته، رأى الناشط المدني ريبوار حسن ، أن الاجتماعات الأخيرة التي عُقدت في أربيل بين القوى السياسية تمثل "خطوة في الاتجاه الصحيح"، داعيًا إلى تنفيذ مخرجاتها بشكل عاجل، لا سيما تلك المتعلقة بالمصالح المباشرة للمواطنين، وعلى رأسها صرف الرواتب.
وأضاف، لوكالة شفق نيوز، إن "هناك جهات سياسية ما تزال تقاطع هذه الاجتماعات رغم أنها ترفع شعارات حماية الشعب وخدمة المواطن. عليها أن تراجع موقفها وتنضم إلى الصف الوطني، فالمرحلة تتطلب توحيد الجهود لا زيادة الانقسام".
ويؤكد حسن، أن الضغط يجب أن يُوجّه نحو بغداد للإفراج عن رواتب شهر أيار قبل العيد، بدلًا من تبادل الاتهامات واستخدام الرواتب كأداة للابتزاز السياسي.
دعوات رسمية للإسراع في صرف الرواتب
وفي تصريح خاص لوكالة شفق نيوز، دعا محافظ السليمانية هافال ابو بكر الحكومة الاتحادية إلى الإسراع في صرف رواتب الموظفين عن شهر أيار، إلى جانب صرف مخصصات تنمية الاقاليم لمحافظات كوردستان، محذرًا من استخدام هذا الملف الحساس كأداة في الحملات الانتخابية أو المناورات السياسية.
وقال ابو بكر، إن "معاقبة شعب بأكمله بسبب الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل أمر غير مقبول قانونيًا ولا أنسانيا"، مشددًا على أهمية توحيد الجهود والالتزام بقرارات المحكمة الاتحادية والدستور العراقي من كلا الطرفين.
تحذيرات من استمرار ربط الرواتب بالخلافات السياسية
وفي مؤتمر صحفي حضرته وكالة شفق نيوز، شدد مستشار رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني ، بيستون فايق، على أن الرواتب يجب أن تُفصل بالكامل عن الخلافات السياسية، داعيًا إلى تحييد الملف المالي عن الصراعات الجارية بين الإقليم والحكومة الاتحادية.
وقال فايق: "أي وضع سياسي لا يجب أن يصل إلى مستوى معاقبة الموظفين، والرواتب يجب أن تُصرف بعيدًا عن جميع أشكال التجاذبات. من الآن فصاعدًا، على كل الأطراف اتخاذ خطوات جدية لضمان انتظام الرواتب".
وأضاف: "الاستمرار في ربط الرواتب بالخلافات السياسية يخلق ضغطًا اجتماعيًا واقتصاديًا هائلًا على المواطنين، ولا بد من آلية دائمة ومستقرة تكفل حقوقهم، بعيدًا عن أي استغلال سياسي".
تحرّك قضائي من قبل الموظفين... وقرار المحكمة "معطل"
وفي تطوّر لافت، أكد المحامي محمد خليل، أن عددًا من الموظفين في الإقليم قاموا برفع دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية، مطالبين بإصدار أمر ولائي يلزم وزارة المالية الاتحادية بصرف الرواتب تنفيذًا لقرار المحكمة السابق بالعدد (224 وموحدتها 269/ اتحادية/2023) الصادر في 21 شباط 2024.
وأكد نواب في برلمان كوردستان انه "تم تسجيل الدعوى الجديدة تحت الرقم (104/ اتحادية / 2025) بعد استيفاء رسومها القانونية، ونتوقع من المحكمة أن تبت في طلب الأمر الولائي خلال الأيام القليلة المقبلة".
الأنظار نحو بغداد
وفي إطار التحرّك السياسي، أعلن رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، خلال مهرجان جماهيري في السليمانية بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب، عن تواصله مع رئيس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني لحل أزمة الرواتب، مؤكدًا أن القضية تُتابع على أعلى المستويات.
وقال طالباني في كلمته: "نحن نؤكد أن الشعب الكردي ليست لديه أي مشكلة مع الإخوة العرب. مشكلتنا سياسية، ونعمل على حلها عبر الحوار والتوازن، لكن لا يجوز أن تُفرض على الناس تبعات لا دخل لهم فيها".
ولا يطالب الشارع في السليمانية، وسائر مدن إقليم كوردستان، سوى بحقه في الراتب، وهو حق كفله الدستور وأكدته المحكمة الاتحادية، ويستغرب غيابه في ظل صمت رسمي من وزارة المالية.
ومع استمرار الغموض، يبقى المواطن وحده من يدفع ثمن التوترات السياسية، بين حكومة تحكم في بغداد وأخرى تفاوض في أربيل.