طقس العيد يواجه قسوة الأيام في السليمانية.. مواطنون يتمسكون بجذورهم (صور)

شفق نيوز/ رغم ما يعيشه إقليم كوردستان من ضائقة اقتصادية حادة، تأخر في صرف الرواتب وارتفاع أسعار المواد الأساسية، إلا أن المواطنين أصروا على الاحتفال بعيد الأضحى المبارك بطقوسهم المتوارثة، مؤكدين تمسّكهم بقيمهم الدينية والاجتماعية، وتجديدهم لروح العطاء والكرم التي لطالما ميزت المجتمع الكوردي.
إفطار جماعي
في قلب مدينة السليمانية، وتحديداً في الجامع الكبير، أقيمت واحدة من أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي هذا العيد، حيث بادر الأسطى سليمان خانقا، أحد وجهاء المدينة، إلى تنظيم مائدة إفطار جماعية للمصلّين بعد انتهاء صلاة العيد مباشرة، المائدة تضمنت أطباقاً تقليدية غنية، أبرزها الرز و اللحم، والفاصوليا، والقيسي ، وهي من الأكلات التي تشتهر بها موائد العيد في السليمانية وعموم كوردستان.
وقال أحد المشاركين لوكالة شفق نيوز: "لم تكن المائدة فقط لإشباع الجوع، بل كانت رسالة محبة وتكافل، إذ جرى توزيع الطعام على المصلّين والعمّال والبائعين الجوالين القريبين من المسجد، في أجواء روحانية تعبّر عن معنى العيد الحقيقي."
ضيافة كوردية
ومن العادات التي لا تغيب عن أعياد كوردستان، تقليد "صحن الحلوى"، الذي لا يزال حاضراً بقوة في أحياء السليمانية والمناطق الريفية المجاورة، حيث يضع الأهالي صحن الحلوى المزيّن أمام باب المنزل، ويخرج أحد أفراد العائلة صباح العيد لتقديم الحلوى للمارّين والجيران والعائدين من المساجد.
واعتبر شُكر أحمد (أحد سكان قرداغ)، خلال حديثه للوكالة، هذا الطقس بأنه يعبر عن البهجة والمحبة، فبعد صلاة العيد، يتم وضع صحن الحلوى أمام الباب، وينتظر الجيران والأصدقاء لتبادل التهاني وتقدّيم الحلوى لهم، وهي لحظة صغيرة، لكن قيمتها عظيمة لـ"تعزيز الألفة الاجتماعية."
عيدية الأطفال
وعلى الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة في الإقليم، لم يغِب طقس "العيـدية" عن صباحات العيد، حيث يحرص الأهل على تقديم مبالغ رمزية من المال للأطفال، لإدخال الفرح على قلوبهم.
وذكر نچرفان أحمد، وهو ناشط اجتماعي ومهتم بشؤون الأسرة، لوكالة شفق نيوز: "في الماضي، كانت العيدية توزع على جميع الأطفال في الحي، من الجيران والأقارب، اليوم، نتيجة الأزمة المالية وتأخر صرف الرواتب، تقلّصت العيدية لدى بعض الأسر لتقتصر على الأبناء فقط، ولكنها رغم بساطتها، تُحدث فرقاً كبيراً في نفسية الطفل، وتخلق أجواء من الفرح والتواصل المجتمعي."
وأضاف: "الأطفال غالباً ما يستخدمون العيدية لشراء الحلوى، أو للذهاب إلى ألعاب العيد المنتشرة في الشوارع والساحات، مما ينعش روح الطفولة فيهم."
أضحية جماعية
وفي قرية مايندولي التابعة لقضاء شارهزور، كان للعيد طابع آخر، حيث أحيا الأهالي سنة الأضحية بطريقة جماعية مميزة.
ومراسل وكالة شفق نيوز، أفاد بأن سكان القرية شرعوا منذ ساعات الصباح الأولى بذبح نحو 100 رأس من المواشي، من الأغنام والعجول، رغم الظروف المعيشية الصعبة.
وتم توزيع اللحوم على الأسر الفقيرة في القرية والمناطق المجاورة، مما خلق حالة من التضامن الواسع، وجعل من عيد الأضحى مناسبة حقيقية لتجديد الروابط المجتمعية.
وقال أحد المشاركين، للوكالة: "رغم تأخّر صرف الرواتب وارتفاع أسعار الأعلاف، قررنا أن لا نكسر هذه السنة المباركة، فتكافلنا مع بعضنا البعض، وذبحنا الأضاحي بشكل جماعي، ووزعناها على المحتاجين، حتى لا يُحرم أحد من فرحة العيد."
طقوس تتحدى الصعاب
وعلى الرغم من الضغوط المعيشية وغياب الحلول الاقتصادية، ما تزال الأعياد في كوردستان تحمل أجواءً خاصة، تجسّد عمق الانتماء للهوية الدينية والاجتماعية، وتعزز من قيم التكافل بين الناس.
ويأمل المواطنون أن تحمل الأيام المقبلة انفراجاً في الأزمة الاقتصادية، يخفف عنهم عبء الحياة اليومية، ويمنحهم فرصة للاحتفال بالمناسبات القادمة بظروف أفضل وأجواء أكثر استقراراً.