"رائحة الجبل في يده".. كاك جبار يصنع مسبحات نادرة بالسليمانية (صور)

"رائحة الجبل في يده".. كاك جبار يصنع مسبحات نادرة بالسليمانية (صور)
2025-07-04 12:23

شفق نيوز - السليمانية

قرب الجامع الكبير في قلب مدينة السليمانية، يجلس كاك جبار علي كريم منذ أكثر من عشرين عامًا على الأرض، يفرش أمامه قطعة من القماش الملون، ويصفّ عليها عشرات المسبحات التي صنعها بأنامله، واحدة تلو الأخرى، كأنها سطور من قصة طويلة من الصبر والحرفة والتراث.

يقول كاك جبار لوكالة شفق نيوز، وهو يمرر حبات مسبحة بين أصابعه بهدوء: "ما أفعله ليس مهنة فقط، إنها قطعة من روحي، أنا لا أبيع مسبحات، أنا أبيع وقتي وعيني وذاكرتي."

ويتابع وهو يشير إلى مسبحة بنية اللون تفوح منها رائحة خشب مميز: "هذه من القزوان، وهو نوع من الخشب الجبلي النادر نأخذه من الجبال حول السليمانية لا يصلح لصناعة المسبحة إلا إذا جففناه سنة كاملة، بعد ذلك نبدأ بقصه وتنعيمه، ثم نحفر كل خرزة يدويًا واحدة واحدة، ونصقلها بحجر ناعم، وبعدها نمرر فيها الخيط، هذا العمل يحتاج عين صافية، ويد هادئة، ونفس طويلة."

كاك جبار لا يستخدم أي آلة كهربائية، كل شيء يصنعه بأدوات يدوية تقليدية، بعضها ورثها من والده، وبعضها صنعها بنفسه. 

ويضيف وهو ينظر إلى مسبحة كهرب: "هذه، مسبحة الكهرب، جميلة وفاخرة، لكنها ليست من صناعتنا، الكهرب نستورده من بولندا أو ألمانيا، ويصل سعر بعض أنواعه إلى أكثر من مليون دينار، لكن أنا لا أصنع إلا القزوان، لأن فيها رائحة الجبل، ورائحة يدي، من يريد أن يعمل في هذه الحرفة، يجب أن يكون صبورًا جدًا، الخرزات صغيرة، وتحفرها وتخرمها وتلمّعها وأنت لا تملك مجالًا للخطأ، لو انكسرت واحدة بعد كل هذا التعب، تشعر أن شيئًا منك انكسر معها."

ويتابع قائلاً: "هذه الحرفة تحتاج أيضًا إلى عين تعرف الخشب الجيد من الرديء، وتعرف متى تتوقف وأنت تشتغل، لأن التعب يفسد الدقة، وتحتاج قلبًا يحب ما يصنعه، بدون حب لا تخرج المسبحة جميلة، حتى لو كانت من الكهرب."

وخلال المواسم الدينية، خصوصًا في شهر رمضان وموسم الحج، يزداد الزبائن، يقول كاك جبار: "في تلك الأيام، الناس يكثرون الذكر، ويبحثون عن مسبحة تساعدهم على الراحة، مسبحة القزوان ليست فقط جميلة، بل فيها دفء اليد ورائحة تطمئن القلب، هناك من يعود لي بعد سنة يقول إن رائحة الخشب لم تفارقه."

وعن تغير الزمن ودخول البضائع الرخيصة للسوق، يقول: "المسابح الصينية غزت الأسواق، كلها بلاستيك، لكن من يقدّر قيمة المسبحة الحقيقية، يأتي إليّ، هو لا يريد مجرد خرز وخيط، بل يريد شيئًا فيه معنى."

كاك جبار لا يملك دكانًا ولا طاولة، يفترش الأرض، ويجلس صامتًا، لكن خلف كل مسبحة أمامه، قصة تعب، ونَفَس طويل، وأصابع حكيمة، تصنع من خشب الجبل تسابيح ذكر لا تملها اليد.

ويختم حديثه بابتسامة خفيفة: "المسبحة لا تُصنع فقط لتُباع، تصنع لتُرافق إنسانًا في صلاته وراحته وحزنه، لهذا أصنعها كأنها آخر ما أصنعه في عمري."

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon