النساء في السليمانية.. حكايات صمود وتحدٍ في ظل الصراع بين الحداثة والعادات والتقاليد

شفق نيوز/ في شوارع مدينة السليمانية، التي تُعرف بانفتاحها الثقافي
والاجتماعي مقارنةً بمدن إقليم كوردستان والعراق الأخرى، تتجلّى ملامح تحوّل حقيقي
في دور المرأة داخل الأسرة والمجتمع.
فبعد عقودٍ من الحصر في أدوار تقليدية محدودة، أصبحت المرأة اليوم حاضرة
بفاعلية في ميادين العمل والتعليم وصناعة القرار، إلا أن هذا التحوّل لم يخلُ من
تحديات وضغوط اجتماعية ونفسية، في ظل مجتمع ما يزال متجذراً في تقاليده، رغم انفتاحه
الظاهري.
من ربة منزل إلى شريكة قرار
تؤكد نسرين محمود صاحبة الـ 34 عاماً، وهي معلمة في إحدى مدارس السليمانية،
أن "تطور دور المرأة جاء نتيجة حتمية لتحولات اقتصادية واجتماعية فرضت
نفسها".
وتقول محمود، لوكالة شفق نيوز: "كانت أمهاتنا يرين في الطبخ والخياطة
حياة كاملة، لكننا اليوم نعيش واقعًا يتطلب المشاركة في الإنفاق واتخاذ القرار
داخل الأسرة".
وتضيف: "أشارك زوجي في القرارات المالية والتربوية، وهذا لم يكن
مألوفًا في السابق".
من جانبها، تشير زوزان عارف صاحبة الـ 22 عاماً، طالبة جامعية، إلى تغير
نظرة الجيل الجديد لدور المرأة: "لم يعد الزواج أو الأمومة هو الخيار الوحيد.
نطمح أن نكون إعلاميات، سياسيات، فنانات. لا أحد يملك حق تقييد أحلامنا".
وتتابع: "أواجه ضغوطًا من بعض الأقرباء لأنني لا أفكر في الزواج،
بينما لا يُسأل الشباب عن ذلك".
أدوار متعددة.. وأعباء متراكمة
رغم هذا التقدم، لا تزال المرأة تُحمّل أعباءً مضاعفة، تقول سارة طه، موظفة
وأم لطفلين: "أعود من عملي مرهقة، لأواجه مسؤوليات الطبخ، متابعة دروس
الأطفال، وتنظيف البيت، الجميع يطلب، ولا أحد يُقدّر".
وتضيف: "نُطالَب بأن نكون مثاليات في كل دور، دون أن نجد دعماً
حقيقياً يراعي هذا الجهد المضاعف".
إلى ذلك، يرى كاوة عبد القادر، تاجر في سوق السليمانية، أن لعمل المرأة
حدوداً: "أنا أؤيد عملها، لكن لا يصح أن تنشغل عن بيتها أو تتصرف كرجل في كل
شيء".
في المقابل، تعتبر أمينة حسن، ناشطة في مجال حقوق المرأة، أن "هذا
الخطاب محاولة للحد من تحرّر المرأة".
وتشير إلى أن "المرأة قادرة على التوفيق بين بيتها وعملها متى ما
توفرت حضانات، دوام مرن، وثقافة تشاركية داخل الأسرة".
الدين.. بين التأييد والتنظيم
ويقول الباحث الإسلامي محمد كريم، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إن
"الإسلام لا يمنع المرأة من العمل، بل يشجع على تعليمها ومشاركتها، شريطة أن
يكون ذلك ضمن أطر تحفظ كرامتها وأخلاقها. نحن نرفض فقط تهميش دورها الأسري".
في حين، يرى رزكار كريم، الباحث الاجتماعي، أن "المجتمع الكوردي يمر
بمرحلة انتقال"، مضيفاً: "لسنا أمام صراع بين الصواب والخطأ، بل بين
نمطين للحياة. المرأة تتحول من تابع إلى شريك، وهذا يتطلب وقتًا وتوعية
للجميع".
ويؤكد أن "الحوار داخل الأسرة ضروري لإعادة تعريف الأدوار بطريقة
صحية".
في غضون ذلك، تشير المحامية هاجر محمد إلى الفجوة بين النص القانوني
والممارسة الفعلية: "القوانين تكفل حقوق المرأة في العمل والتعليم، لكن في
الواقع تُجبر كثيرات على التنازل عنها تحت ضغط الأسرة أو الزوج".
وتضيف: "كثير من القضايا تُغلق بحجة (الستر)، وهناك تمييز ضمني في
المحاكم، خاصة عند مطالبة النساء بحقوقهن".
الريف.. مقاومة التغيير أبطأ
من الريف، تحكي شهلة مراد، خياطة من سيد صادق: "العمل خارج البيت غير
مشجع في قريتنا، حتى إن كان مشروعاً منزلياً، لكنني رغم ذلك أعمل وأكسب من
الخياطة، وهذا أعتبره تحرّراً".
ويؤكد الصحفي فاخر عز الدين أن السليمانية تتقدم نسبياً في قضايا المرأة،
خاصة في الإعلام والفن، مقارنة بأربيل ودهوك، حيث للعشائر تأثير أقوى، على حد
تعبيره.
ويضيف: "لكن لا تزال هناك تحديات: عنف أسري، تهميش في القرى، ورفض غير
معلن لفكرة الاستقلال المالي للمرأة".
ويبقى المشهد النسائي في السليمانية انعكاساً لتحوّل مجتمعي أوسع، تتداخل فيه الرغبة في التحديث مع إرث تقليدي متجذّر، ومع غياب سياسات واضحة لدعم المرأة، تتكفل النساء وحدهن بمعركة التوازن، بين الحفاظ على الأسرة، وتحقيق الذات، في رحلة لا تزال تخوضها المرأة الكوردية بصبر وإصرار.