يعملون في عيدهم.. 1 أيار "يوم بلا فرحة" لعمال العراق
شفق نيوز/ يوافق الأول من أيار/مايو، اليوم العالمي للعمال، وهي مناسبة يحتفل بها عمال العالم أجمع، ويطالبون من خلالها بحقوقهم، ويكون عطلة رسمية في أغلب الدول، ورغم أن الحكومة العراقية أعلنت عن عطلة رسمية في عموم مدن البلاد بهذه المناسبة، لكن العامل في العراق يستمر بعمله دون منحه إجازة أو فسحة، في وقت يعاني فيه من مشكلات كثيرة وعدم وجود ما يضمن حقوقه الكاملة.
وتعد شريحة العمال في العراق، من أكثر الشرائح التي تتعرض للظلم، فغالباً ما يتعرض لإنهاء خدمة مفاجئ، لا سيما وأن القطاع الخاص ما يزال لغاية الآن دون ضوابط ومحددات على عكس الدول الأخرى التي ألزمت القطاع الخاص بقوانين محددة، منها الحد الأدنى من الأجور والضمان الاجتماعي والأهم عقد عمل بين الطرفين.
وفي إحصائية رسمية صادرة عن اتحاد نقابات العمال في العراق، فإن عدد العمال المسجلين رسمياً ضمن قاعدة بيانات الضمان الاجتماعي لا يتجاوز 650 ألف عامل، في وقت تعاني الطبقة العاملة من الحرمان وعدم ضمان الحصول على الحقوق وغياب فرص العمل.
يذكر أن هناك 8 اتحادات ونقابات للعمال في العراق، لكن رغم هذا لم يتغير وضع العامل العراقي، بل يجري لغط كبير حول قانون التقاعد والضمان الاجتماعي، الذي ما زال قيد التشريع، حول تضمينه استقطاعاً من العامل طيلة فترة عمله بهدف منحه التقاعد، وهو ما ترفضه بعض الجهات العمالية أو تعد المبالغ كبيرة، فهي تتراوح بين 35 - 50 دولاراً.
حقوقٌ مُسلوبة
وفي هذا السياق، أشار الخبير الاقتصادي، ضياء المحسن، إلى أن "عيد العمال العالمي واحد من المناسبات التي تهم شريحة واسعة في العراق، لكن هذه الشريحة ليست منظمة بصورة جيدة، حتى مع وجود ما يسمى اتحاد نقابات العمال، لأننا نلاحظ أن حقوق هذه الشريحة مُسلوبة بسبب ضعف القوانين والتشريعات".
وأضاف المحسن، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "القطاع الخاص الذي تعمل فيه شريحة العمال لا يزال مهمشاً من حيث إتاحة الفرصة أمامه للدخول كشريك أساسي ومهم في عملية التنمية والذي يترك أثره الإيجابي أو السلبي على العمال".
وأكد أن "إتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص ليكون شريكاً أساسياً في عملية التنمية سيكون له عدة مميزات، قد يكون أهمها هو تقليل نسبة البطالة، إضافة إلى ذلك عندما تدور عجلة التنمية بقيادة القطاع الخاص سنجد تأثيره على رواتبهم بما ينعكس إيجاباً على مجمل الحياة الاقتصادية للبلاد، وسنجد حركة واسعة في الشارع بما يعني عودة الروح إلى الاقتصاد الوطني".
وشدد المحسن، على أهمية أن "تقوم الوزارات القطاعية بمتابعة تنفيذ قانون تقاعد العمال، لأن الكثير من العاملين في المعامل وأفران الصمون والمخابز وكثير من الحرف والأعمال لا يتم تسجيلهم من قبل أصحاب العمل الذين يتفقون مع لجان التفتيش بتسجيل أقل عدد ممكن من العمال، وهو ما يؤدي إلى غبن الباقين، كما أن الدولة تكون في هذه الحالة خاسرة لانخفاض العوائد الضريبية التي يتم استيفاؤها من أصحاب المعامل".
وكان رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أعلن في 3 كانون الأول 2023، دخول قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال في القطاع الخاص حيز التنفيذ، بعد أن صوت مجلس النواب عليه في أيار 2023، في خطوة وصفتها الحكومة بأنها أساسية ضمن الإصلاحات الاقتصادية التي وعدت بها، وضمان حقوق العاملين في هذا القطاع.
تنظيم عمل العمال
من جهته، أكد عضو لجنة العمل النيابية، حسين عرب، أن "قانون التقاعد والضمان الاجتماعي في القطاع المنظم وغير المنظم اكتملت التعليمات الخاصة به وأُرسل إلى مجلس شورى الدولة لغرض التدقيق والمصادقة عليها، وبانتظار عودته من المجلس لاطلاقه خلال أيام".
وأوضح عرب خلال حديثه للوكالة، أن "في قانون التقاعد والضمان الاجتماعي ذهبت الحكومة ومجلس النواب إلى أقصى دعم للعمال باعتبار أن هذا القانون ساهم بخزينة الدولة بنسبة تقاعدية جيدة تكاد تظاهي أو أكثر من قانون التقاعد الحكومي".
وتابع عرب: "بعد إصدار قانون التقاعد والضمان الاجتماعي سيتم وضع خط اتصال ساخن لاستقبال أي مخالفة يُقدم بها العامل أو الموظف سواء من عدم تسجيله في القانون من قبل صاحب العمل، أو ما يتعلق بساعات العمل أو ابتزاز العامل أو عدم اعطائه حقوقه وغيرها".
ولفت عرب إلى أن "هناك قوانين أخرى للعمال، منها قانون التنظيم النقابي الذي سوف يُشرّع قريباً بعد أن تمت قراءته قراءة أولى، وهو مهم في تنضيج عمل النقابات العمالية وجعلها قانونية وإدارية".
تشريعات منقوصة
بدوره، نوه نائب رئيس اتحاد نقابات العمال في العراق، رحيم الغانمي، إلى أن "العامل العراقي يحتاج إلى تشريعات قانونية التي لا تزال غير مكتملة، حيث إن قانون العمال (52) الساري حالياً فيه ايجابيات، لكنه بعيد عن متطلبات العمال العراقيين".
وبين الغانمي خلال حديثه للوكالة، أن "الحد الأدنى للأجور غير جيد وينبغي أن يكون على سبيل المثال 750 ألف دينار، وكذلك لا توجد حماية للعامل العراقي، وكذلك الضمان الاجتماعي ليس بمستوى أقرانه، فكل القوانين السارية المفعول بعيدة عن متطلبات العامل، وفي الوقت نفسه هناك حاجة لتطوير من كفاءة وثقافة العامل العراقي".
وشدد الغانمي على ضرورة "تطوير المصانع العراقية كافة، وبذل أقصى الجهود لتحريك عجلة الإنتاج المحلي والصناعة الوطنية، في ظل وجود عاطلين عن العمل تتراوح أعدادهم ما بين 12 إلى 13 مليون عاطل في العراق".
وأشار إلى أن "ما فاقم البطالة المحلية توافد العمالة الأجنبية ومزاحمتهم في مصادر عيش العمال العراقيين"، منوّهاً إلى أن "الاستعانة بالخبراء الأجانب لتطوير المهن لا ضير من ذلك، لكن الاتيان بأيدي عاملة تفتقر للخبرة بل مجرد مزاحمة اليد العاملة العراقية، فهذا يؤثر على مستوى المعيشي للعامل العراقي".
فوضى العمالة
ومنذ سنوات عديدة، برزت ظاهرة العمالة الوافدة في العراق، وشملت القطاعات كافة، ولاسيما أن أغلب العمالة كانت من بنغلادش، فيما أصبحت مؤخراً من سوريا ولبنان، في ظل الأزمات الاقتصادية التي طالت البلدين، وتركزت هذه العمالة في المطاعم والفنادق.
وكان رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، ستار دنبوس أشار في حديث سابق لوكالة شفق نيوز، إلى "وجود فوضى في ملف العمالة الأجنبية التي تقدر بأكثر من مليون عامل، وهؤلاء دخلوا إلى البلاد بشكل عشوائي دون شروط وقيود ومراقبة من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ما أثر سلباً على نسبة العاطلين عن العمل في العراق".
بدوره، أوضح الخبير القانوني، علي التميمي، قانونية وجود العمال الأجانب في العراق بالقول إنه "لم يشرع قانون خاص بالعمالة الأجنبية في العراق، والقانون المطبق هو قانون العمل 37 لسنة 2015 وقانون إقامة الأجانب 118 لسنة 1978".
واشترطت هذه القوانين "حصول العامل على إجازة العمل كشرط للتواجد وجواز سفر وسمة دخول وشروط أمنية أخرى، وعادة ما يُغرّم المخالف بمبلغ لا يزيد عن 500 دولار ثم يرحل وحسب قرار محكمة التحقيق"، وفق التميمي.
وبيّن التميمي في حديث سابق للوكالة، أن "وجود هؤلاء العمال الذين يُقدّر عددهم بمليون عامل دون خطط يشبه كثرة السيارات المستوردة، له أثر على الاقتصاد والأمن الجنائي والبطالة وخروج الأموال".
وشدد على ضرورة "تشريع قانون خاص بذلك يفصّل كل جوانبهم ووجودهم وترحيلهم، والمعلومات تقول أن أعداداً كبيرة منهم يعملون بلا إقامة، ولا حل أمام القضاء سوى ترحيلهم إلى بلدانهم".
معامل مُعطّلة
وعن ملف المصانع والمعامل ودورها في تشغيل الأيدي العاملة والحد من البطالة، قال رئيس مستشاري اتحاد الصناعات، عقيل رؤوف أحمد، إن "في العراق بحدود 67 ألف مصنع مسجل، وتم إعادة - خلال السنتين الماضيتين مع التي كانت تعمل سابقاً - 30 ألف مصنع، لكن لا يزال هناك 37 ألف مصنع متوقف عن العمل".
وأوضح أحمد في حديث سابق لوكالة شفق نيوز، أن "رئيس الوزراء يعوّل على القطاع الخاص كثيراً في إنشاء مليون وحدة سكنية خلال الاجتماع معه مؤخراً، حيث ستكون للمنتجات العراقية الأفضلية في تجهيز هذه الوحدات".
وأضاف "تمت مطالبة السوداني بإعفاء المواد الأولية من الضرائب، للمساهمة بإعادة المصانع، وتخفيض الكهرباء والوقود، وحماية المنتج، وتمليك الأراضي للصناعيين، وإعفاء الضرائب المتراكمة، وتم تنفيذ جميع تلك الطلبات خلال يومين فقط".
وبين أحمد، أن "القرارات اتخذت، وفي انتظار تطبيقها، لكن رئيس الوزراء أكد عزمه على تنفيذها، وفي حال تمت إعادة تشغيل المصانع المتوقفة فسوف تنشط جميع المصانع الأخرى، حيث إن المصانع مكملة للأخرى، ما سيؤدي إلى تشغيل الأيدي العاملة والحد من البطالة".
القطاع الخاص
من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبدالزهرة الهنداوي، أن "العامل جزء من المنظومة الاقتصادية وأحد الحلقات الأساسية في عملية البناء التنموي، لذلك كان ضمن الخطط والاستراتيجيات بعيدة المدى تحسين ظروف العمل بشتى المجالات، ولاسيما في القطاع الخاص الذي يواجه مشكلات ما أدى إلى قلّة الإقبال عليه مقارنة بالقطاع العام".
وأضاف الهنداوي، خلال حديثه للوكالة، أن "التوجه كان بإصدار القوانين والتشريعات التي تضمن حقوق العاملين في القطاع الخاص أسوة بنظرائهم في القطاع الحكومي، حيث صدر قانون التقاعد والضمان الاجتماعي الذي بموجبه يحصل العاملون في القطاع الخاص وبمختلف مفاصله وتفاصيله على الراتب التقاعدي وباقي الامتيازات التي يتمتع بها الموظف الحكومي".
وفي سبيل تطوير القطاع الخاص ليكون أكثر فعالية وحضوراً ومساهمة في عملية تشكيل الناتج المحلي والبناء التنموي، "اطلقت وزارة التخطيط في سنوات سابقة استراتيجية تطوير القطاع الخاص لغاية عام 2030، وهذه الاستراتيجية على ثلاث مراحل (التهيؤ، والتمكين، والقيادة والريادة للقطاع الخاص)، إيماناً بأن التنمية لا يمكن أن تنطلق وتنهض بشكل سليم وصحيح ما لم يكن هناك قطاع خاص حقيقي وفاعل بشكل إيجابي في المشهد الاقتصادي"، بحسب الهنداوي.
وأوضح أن "هذه الاستراتيجية انبثق عنها لأول مرة في العراق تشكيل مجلس تطوير القطاع الخاص وهذا المجلس شُكّل بشكل مؤقت عام 2021 وتحول حالياً إلى مجلس دائمي، ولاعطاء هذا المجلس قوة أكبر وافق رئيس الوزراء على طلب وزارة التخطيط بأن يتولى رئاسته شخصياً".
وبين المتحدث باسم وزارة التخطيط، أن "هذا المجلس بهيئته العامة والإدارية سيكون هو الصوت والممثل الحقيقي للقطاع الخاص في عملية رسم السياسات الاقتصادية وعملية تنفيذ هذه السياسات التنموية في العراق".
أزمة البطالة
وكان الهنداوي قد كشف في حديث سابق للوكالة، إن "نسبة البطالة عام 2021 بلغت 16.5 بالمائة، وهي نسبة مرتفعة عن الأعوام السابقة، لأنها كانت فيها تداعيات جائحة كورونا، من توقف الأنشطة الاقتصادية والفعاليات التنموية"، مؤكداً أن "مسحاً شاملاً تعمل عليه الوزارة الآن لمعرفة النسب الجديدة".
ورجّح الهنداوي، انخفاض معدلات البطالة في العراق، بعد الإجراءات التي اتخذت خلال السنتين الماضيتين 2022 و2023، منها التعيينات الكثيرة واستئناف العمل بالكثير من المشاريع إلى جانب البدء بمشاريع جديدة، منها على سبيل المثال مشاريع فك الاختناقات المرورية في بغداد التي وفرّت الآلاف من فرص العمل للشباب، إلى جانب الحركة الاقتصادية.
قصة عيد العمال
بدأت قصة عيد العمال العالمي من أستراليا، حيث خرج العمال في تظاهرات يوم 21 نيسان سنة 1856 للمطالبة بتحديد 8 ساعات في اليوم للعمل، وتوالت بعدها التظاهرات في كل عام من ذلك اليوم من أجل تحقيق مطلبهم هذا.
وفي يوم 1 أيار من سنة 1886 أعلن أكثر من 340 ألف أمريكي ترك العمل والبدء بالإضراب، وتعرضت احتجاجات العمال إلى هجوم قوات الشرطة يوم 4 أيار في مدينة هايماركت، مما أدى إلى فقدان العديد من العمال لحياتهم.
وفي سنة 1889 عقد مؤتمر العمال العالمي، وحضر في هذا المؤتمر 400 مندوباً، وصدر قرار بتحديد 8 ساعات في اليوم للعمل.
ووافق المؤتمر على مقترح ممثل عمال مدينة بوردو الفرنسية لافيغنه بتحديد يوم 1 أيار كيوم عالمي للعمال، وبدأ الاحتفال بهذا اليوم منذ سنة 1890 وحتى الآن، كما أصبح جزءاً من ثقافة جميع بلدان العالم.