هاكان فيدان.. أربعة تحديات تواجه "مهندس" السياسة التركية الجديدة تجاه العراق
شفق نيوز/ ذكر "معهد دول الخليج العربي في واشنطن"، أن وزير الخارجية التركي الجديد هاكان فيدان سيقوم بإعادة صياغة لعلاقات تركيا مع العراق، بينما من المرجح أن تعطي انقرة الاولوية للمصالح الاقتصادية.
وألمح التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، الى ان "انقرة قد تضغط على الاتحاد الوطني الكوردستاني من أجل النأي بنفسه عن حزب العمال الكوردستاني، في حين أن فيدان سيحاول الموازنة بين علاقات تركيا القوية مع العرب السنة والقوى الشيعية وتشجيع التواصل بين الكورد وبين السنة.
وذكّر تقرير المعهد الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، بأن "فيدان تولى وزارة الخارجية قادما من جهاز المخابرات الذي عمل فيه 13 سنة، بينما حل مكانه ابراهيم كالين المتحدث الرئاسي السابق الذي عمل سابقا كمستشار للسياسة الخارجية والامن للرئيس رجب طيب اردوغان وعمل بشكل وثيق مع فيدان في الماضي".
واعتبر تقرير المعهد، ان التعاون بين فيدان وكالين قد يعزز من التقارب العملياتي بين جهاز المخابرات الوطني ووزارة الخارجية، مضيفا ان "فيدان يعتبر احد مهندسي تحول تركيا الى النشاط الجيوسياسي، الذي دمج الأنظمة الاستخبارية والامنية والسياسة الخارجية وقاد التدخل التركي في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وناغورنو كاراباخ في العقد الماضي".
وبعدما لفت التقرير الى ان "فيدان كان تركيزه الأكاديمي الرئيسي في دراسات الدكتوراه على دور الاستخبارات في السياسة الخارجية، فإنه قد يصبح قادرا على تعزيز الركيزة الاستخباراتية للدبلوماسية التركية"، مشيرا الى انه "في ظل التزايد الاخير للعمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكوردستاني وفي العراق، بالاضافة الى اتصالات فيدان مع الجهات السياسية الكوردية ودوره الرئيسي في التعامل مع ملف العراق، فان منصبه الجديد قد يقود الى تحول نموذجي في سياسة تركيا العراقية".
نقطة اشتعال
وذكر التقرير ان علاقات تركيا مع العراق شهدت تقلبا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق العام 2003، ففي البداية، انتهجت انقرة سياسة تستفيد من التنافس بين بغداد واربيل، لكنها منذ استفتاء ايلول/سبتمبر 2017، عملت تركيا مع كل من بغداد واربيل بطريقة تكميلية بدلا من اللعب ضد بعضهما البعض.
وتابع التقرير ان أنقرة وبغداد تتمتعان بعلاقة استراتيجية مهمة، لكن القضايا العالقة ابقتهما على خلاف، وان اكثر القضايا صعوبة، تمثلت في العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكوردستاني وعشرات المواقع العسكرية في العراق التي طالما أثارت استياء بغداد.
واضاف التقرير انه منذ العام 2016، مع تنامي قدراتها الاستخباراتية البشرية والتكنولوجية، وسعت المخابرات التركية أنشطتها العسكرية ضد حزب العمال الكوردستاني في شمال العراق، وخاصة في سنجار والسليمانية ومخمور.
وتابع ان بغداد طلبت مرارا انسحاب انقرة من قاعدتها العسكرية في بعشيقة بالقرب من الموصل، وهاجمت الجماعات المسلحة المدعومة من ايران المواقع العسكرية التركية في شمال العراق.
وذكر التقرير ان انقرة التي تؤيد الوضع القائم حاليا بين اربيل وبغداد وتعارض الاستقلال الكوردي، تدعم التوازن بين الحزبين الرئيسيين في اقليم كوردستان، الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، لكنها تتمتع بعلاقات قوية مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني بسبب علاقاتهما السياسية والتجارية الوثيقة ووجهة نظرهما المتشابهة فيما يتعلق بمواجهة أنشطة حزب العمال الكوردستاني. وفي المقابل، قال التقرير ان علاقات تركيا شهدت توترات خطيرة مع الاتحاد الوطني الكوردستاني بسبب علاقات الحزب المزعومة مع حزب العمال الكوردستاني.
واشار التقرير الى انه على الرغم من انه من المتوقع ان يحافظ فيدان، وهو كوردي ولديه ارتباطات قوية مع اللاعبين السياسيين الكورد في العراق، على علاقات وثيقة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، فإنه من المرجح ايضا ان يستمر ضغط تركيا على الاتحاد الوطني الكوردستاني.
وتابع التقرير انه بعد وقت قصير من الهجوم على مطار السليمانية حيث تعرض قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الى محاولة اغتيال، ورد ان فيدان استضاف قوباد طالباني، نائب رئيس الوزراء في حكومة اقليم كوردستان وعضو الاتحاد الوطني الكوردستاني، في انقرة حيث تحدثت تقارير اعلامية عن ان فيدان اعرب عن استياء تركيا من "علاقات الاتحاد الوطني الكوردستاني مع قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكوردستاني".
واضاف التقرير انه في حال اتخذ الاتحاد الوطني الكوردستاني خطوات للنأي بنفسه عن قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكوردستاني، فقد يكون من الاسهل على انقرة الانخراط علنا في الدبلوماسية مع الاتحاد الوطني الكوردستاني. وأشار الى ان انقرة تطالب الاتحاد الوطني الكوردستاني (وكذلك بغداد) بمعالجة قضية حزب العمال الكوردستاني بنفس التصميم الذي اظهره الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
واعتبر التقرير ان فيدان "بصفته وزيرا للخارجية، فمن المرجح ان يرتدي قبعاته الاستخباراتية والدبلوماسية، ودمج السياسة الامنية في مبادرات تركيا الدبلوماسية، حيث يعمل على مواصلة ممارسة الضغط على حزب العمال الكوردستاني".
لن يتم اهمال السنة
وبعدما قال التقرير ان تركيا تثمن علاقاتها مع السكان السنة في العراق، وهي نابعة من روابط تاريخية وأيديولوجية، ذكر ان ذلك دفعها الى العمل على اعادة دمج السنة في السياسة العراقية بعد الاطاحة بصدام حسين، على الرغم من نفوذ انقرة المحدود في العراق في السنوات الاولى بعد غزو العام 2003، خصوصا مع الاطراف الشيعية الرئيسية.
لكن التقرير رأى انه في ظل الديناميكيات السياسية العراقية الحالية، فإن علاقات تركيا مع الحكومة التي يقودها الشيعة برئاسة رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، تعتبر شيئا صحيا.
وذكر التقرير بان تركيا عملت على التركيز على الجمع بين الاطراف السياسية السنية في العراق بعد الانتخابات العام 2021، والتي تلاها صراع طويل لتشكيل حكومة، حيث ان فيدان نظم اجتماعات عديدة بين أردوغان والسياسيين السنة المنافسين مثل محمد الحلبوسي وخميس الخنجر في عامي 2021 و 2022، مضيفا أن وجود فيدان في صورة مشتركة مع القادة السنة العراقيين بعد اجتماع شباط/فبراير 2022، كان بمثابة اشارة الى هذا التشاور الوثيق حتى برغم انه اثار استفزازا قصير الاجل وقويا لبغداد.
كما تابع التقرير ان انقرة تدرك ان حكومة عراقية تتألف من احزاب موالية لايران يمكن ان تجبر السنة على الانحياز بشكل اوثق الى طهران، وهو احتمال واقعي بالنظر الى براغماتية الحلبوسي والخنجر وعلاقاتهما الوثيقة مع الجماعات الموالية لايران. ولفت الى انه من اجل هذا السبب، فانه من شبه المؤكد ان فيدان سيواصل دبلوماسيته الخلفية بهدف دمج السنة في السياسة العراقية.
وقال التقرير انه برغم ان انقرة لا تقبل التصور القائل بانها تدعم السياسيين السنة، الا ان ذلك كان هو الحال في التطبيق العملي، حيث انه من المرجح ان تستمر انقرة بهذا الجهد وتشجع استمرار التواصل بين الكورد الذين يغلب عليهم السنة، وبين العرب السنة.
مراجعة الملف التركماني
وذكر التقرير ان تركيا اتبعت دوما سياسة لحماية حقوق التركمان العراقيين، تتركز من خلال دعم الجبهة التركمانية العراقية، الا انه من غير المرجح ان تكون هذه الاستراتيجية قد طالت جميع السكان التركمان، الذين تقول تركيا ان عددهم 2 مليون نسمة. وتابع التقرير ان حوالي نصف التركمان في العراق هم من الشيعة والنصف الاخر من السنة.
وتابع التقرير ان الزعيم السابق للجبهة التركمانية العراقية ارشد الصالحي وخليفته حسن توران، يخوضان منذ اذار/مارس 2021، صراعا على الزعامة، ما يؤشر الى هشاشة السياسة والمجتمع التركماني، ويشكل تحديا رئيسيا امام استدامة النفوذ التركي.
وذكر التقرير انه في ظل القتال ضد داعش، ظهر الانقسام الشيعي السني بين التركمان بشكل اكثر وضوحا، اذ في حين اصبح التركمان الشيعة اقرب الى الجماعات الموالية لايران، فان هناك تصور بان تركيا تعطي الاولوية للتركمان السنة.
واوضح ان ظهور فيدان في تشرين الاول/اكتوبر 2022 مع الجبهة التركمانية العراقية في اربيل، تمت قراءته على انه تعبير واضح عن الدعم لتوران الذي يعتقد البعض انه متحالف مع جماعة الاخوان المسلمين، وهو تصور يؤثر سلبا على علاقات تركيا مع التركمان الشيعة.
وتابع التقرير انه ليس واضحا ما اذا كانت سياسة انقرة تجاه التركمان ستتبدل مع قيادة فيدان لوزارة الخارجية، الا انه في حال لم تغير تركيا التصور القائل بان انخراطها في السياسة التركمانية يتركز على الجبهة التركمانية العراقية والسنة، فان الازمة في السياسة التركمانية ستزداد تدهورا.
اولوية العلاقات الاقتصادية
وقال التقرير الامريكي ان الاولويات المعلنة منذ فترة طويلة لسياسة تركيا تجاه العراق، كانت حول الامن وسلامة اراضي العراق والعلاقات الاقتصادية. وتابع ان حجم التجارة بين البلدين تجاوز 20 مليار دولار في العام 2022، حيث يعتبر العراق وتركيا شريكين تجاريين رئيسيين، وتنامت التجارة بينهما في السنوات الاخيرة، ولهذا فإن انقرة تسعى الى فصل العلاقات الاقتصادية عن القضايا السياسية والامنية المتوترة في علاقاتها مع العراق.
ولفت التقرير الى ان مشروع "طريق التنمية" (القناة الجافة) من مدينة البصرة الى الحدود التركية، سيمثل مجالا مهما للغاية للتعاون التركي - العراقي".
وفي الوقت نفسه، اشار التقرير الى ان تركيا تسعى للتفاوض مع بغداد حول التعويضات بعدما امرت محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس تركيا بدفع تعويضات للعراق فيما يتعلق بقضية صادرات النفط الخام من اقليم كوردستان، بينما اوقفت انقرة صادرات العراق الشمالية البالغة 450 الف برميل يوميا عبر خط الانابيب العراقي التركي في 25 مارس/اذار.
وختم التقرير بالقول ان فيدان، بعد توليه منصب وزير الخارجية، قال ان هدفه القيام ب"تطوير اضافي" على "رؤية السياسة الخارجية الوطنية" لتركيا".
وتابع التقرير انه ليس مرجحا حدوث تغييرات كبيرة في الديناميكيات الاساسية للعلاقات التركية -العراقية خلال فترة فيدان، الا ان وزير الخارجية الجديد قد يتمكن من احداث نقلة نوعية فيما يتعلق بالمنهج عبر اضفاء الطابع المؤسسي على سياسة خارجية ذات توجه امني ضمن الاطار الدبلوماسي.
ومع ذلك، قال التقرير الامريكي انه بالنظر الى الازمة الاقتصادية المتفاقمة في تركيا، فانه من المرجح ان تمنح انقرة الاولوية لاقتصادها قبل كل شيء لضمان الا تؤدي اي تغييرات في سياستها، الى تقويض العلاقات الاقتصادية مع العراق.