نجاحها مرهون بقلع جذور التحديات.. "مذكرات مدريد" تصطدم بنفوذ الفصائل
شفق نيوز/ قبل ساعات وقع العراق على سبع مذكرات تفاهم مشتركة مع اسبانيا، أمر يظهر الرغبة في تعزيز التعاون الدولي وتحقيق التنمية، لكن هذه المذكرات تصطدم بتحديات أمنية وسياسية قد تُضعف من جدوى تنفيذها بحسب مراقبين، وسط مطالبات باقتلاع جذور هذه التحديات لتحويل الاتفاقيات إلى إنجازات فعلية تُسهم في تحسين الاقتصاد العراقي ودعم التنمية فيه.
وفي طور إنجاز هذا التقرير، حلقت طائرة السوداني والوفد المرافق له، من مدريد إلى بغداد، بعد إنهاء زيارة وصفت بالناجحة، بدأت مساء الأربعاء الماضي.
في سياق التقرير، قال المتحدث باسم وزارة النقل العراقية، ميثم الصافي، ان "زيارة رئيس الوزراء إلى إسبانيا هامة وتشمل العديد من القضايا، وبقدر تعلق الأمر بوزارة النقل، فإن هناك مشاريع استراتيجية مهمة في العراق تتطلب حضور وزير النقل رزاق السعداوي في إسبانيا وهو رئيس اللجنة العراقية الإسبانية من الجانب العراقي".
وأضاف الصافي لوكالة شفق نيوز، أن "هناك الكثير من المشتركات مع الجانب الإسباني، وخلال الأيام الماضية تم عقد الدورة الثالثة عشر في بغداد الخاصة باللجنة العراقية الإسبانية، وتم فيها توقيع العديد من المذكرات، وأن لوزارة النقل دور في عملية إدارة الملفات الخاصة باللجنة العراقية الإسبانية".
وعن أبرز تلك الملفات، لفت الصافي، إلى توقيع عقد من قبل الشركة العامة لسكك الحديد العراقية لإنشاء خط سكك الحديد بصرة - شلامجة بطول 36 كم، لنقل أكثر من 5 ملايين مسافر وزائر بين العراق وإيران، كما تم توقيع مذكرة تفاهم للبدء بدراسة وتصميم سكك قطار مهران - كوت – كربلاء، فضلاً عن قطار كربلاء - نجف المعلق ومشروع التنمية".
وأكد أن "العديد من الشركات الإسبانية تقدمت لتنفيذ أو المشاركة في هذه المشاريع وغيرها، حيث إن إسبانيا مختصة ومتطورة في قطاع السكك الحديدية وإنشاء القطارات الحديثة، ولديها العديد من المشاريع الناجحة في المنطقة ودول الجوار"، منوّهاً الصافي إلى أن "انفتاح العراق لا يقتصر على إسبانيا فقط بل مع الجانب الأوروبي عموماً بما يخدم مصلحة العراق".
بوابة إلى العالم
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي، ضياء المحسن، أن "إسبانيا واحدة من دول الاتحاد الأوروبي، وهي لديها قاعدة صناعية متميزة خاصة في قطاع النقل (البحري أو السككي)، ولديها شركات كبيرة في هذا المجال ومن الممكن أن يستفيد العراق منها إذا ما أحسن استخدام هذه العلاقات والاتفاقيات".
وأشار المحسن خلال حديثه للوكالة، إلى أن "الجانب الإسباني قد يكون بعيداً عن الكومشنات والأتوات التي تفرض هنا وهناك، وعلى الحكومة العراقية الالتفات إلى هذا الأمر، خاصة وأن العراق عانى من ضياع الكثير من المشاريع بسبب ضغوطات البعض على الشركات التي تحاول الاستثمار فيه".
وأضاف أن "العراق يمكنه الاستفادة من الشركات الإسبانية بتسويق الإنتاج العراقي من خلال المشاركة مع الشركات الإسبانية، لأن هذه الشركات لديها أسواقاً في دول العالم، لذلك على الحكومة العراقية استثمار هذه العوامل لصالحها".
ولفت المحسن، إلى أن "طريق التنمية يحتاج إلى استثمارات مالية كبيرة قد لا يستطيع العراق الإيفاء بالجزء الأكبر منها، وأن توقيع اتفاقيات مع إسبانيا بهذا الخصوص تمثل دفعة كبيرة للمشروع للعمل عليه وتطويره مستقبلاً".
تحديات داخلية
في المقابل، رأى الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عيد، أن "توقيع رئيس الحكومة العراقية على سبع مذكرات تفاهم في مدريد يُظهر الرغبة في تعزيز التعاون الدولي وتحقيق التنمية، لكنه يواجه تحديات كبيرة في ظل الأوضاع الداخلية".
وبين عيد، لوكالة شفق نيوز، أن "عدم الاستقرار الأمني والسياسي في العراق يُعتبر من أبرز العوامل التي قد تُضعف جدوى تنفيذ المذكرات مع إسبانيا، حيث تُعاني البلاد من استمرار وجود السلاح خارج إطار الدولة، وضعف السيطرة الحكومية في بعض المناطق".
وذكر أن "التوترات الإقليمية وغياب استراتيجيات واضحة لدعم الاستثمارات تُضيف عائقًا آخر أمام ترجمة هذه الاتفاقيات إلى مشاريع فعلية تُسهم في تحسين الاقتصاد العراقي، كما أن البيئة الاستثمارية الحالية تتسم بتحديات مثل الفساد الإداري، مما يُقلل من فرص جذب الشركات الأجنبية لتنفيذ مشاريعها بفعالية".
نفوذ الفصائل
وأكد عيد، أن "جعل هذه الاتفاقيات ذات جدوى، يحتاج العراق إلى تحقيق تقدم ملموس في تعزيز الأمن، واستقرار الأوضاع السياسية، وحصر السلاح بيد الدولة، وتنفيذ إصلاحات حقيقية في بيئة الأعمال".
وأوضح أن "وجود الميليشيات لا يؤثر على الأمن فقط، بل تمتد سيطرتها إلى قطاعات الاقتصاد، حيث تمارس نفوذاً على العقود والاستثمارات، مما يؤدي إلى عرقلة المشاريع وتضييق نطاق الاستثمار الأجنبي، كما أن الشركات الأجنبية قد تتردد في تنفيذ مشاريع طويلة الأمد، نظراً لارتفاع مستوى المخاطر المرتبطة بالأوضاع الأمنية، بالإضافة إلى ضعف قدرة الدولة على فرض القانون ومكافحة الفساد".
وخلص عيد، إلى القول: "علاوة على ذلك، يؤدي النفوذ الكبير للميليشيات إلى خلق بيئة تنافس غير عادلة تؤثر على تطبيق القوانين والالتزامات الدولية المرتبطة بمذكرات التفاهم، وبالتالي، فإن معالجة جذور هذه التحديات الأمنية والسياسية تُعد شرطاً أساسياً لتحويل مثل هذه الاتفاقيات إلى إنجازات فعلية تُسهم في تحسين الاقتصاد العراقي ودعم التنمية، عدا ذلك فإن هذه المذكرات مجرد وعود غير قابلة للتحقيق".
المذكرات السبع
وكان رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ونظيره الإسباني بيدرو سانشيز، ترأسا وفدي العراق وإسبانيا، في المباحثات التي جرت أمس الخميس، في مدريد، بحضور وزراء؛ الخارجية، والداخلية، والنقل، والتجارة.
ورعى الجانبان توقيع أربع مذكرات تفاهم مشتركة، هي الآتي:
1-مذكرة تفاهم للتعاون في المجال القانوني وتبادل الخبرات، بين وزارة العدل العراقية، ووزارة الرئاسة والعدل والعلاقات مع المجالس التشريعية في مملكة إسبانيا.
2-مذكرة تعاون بين لجنة مبادرة الضمانات السيادية، وحكومة مملكة إسبانيا.
3-مذكرة تفاهم بين اتحاد غرف التجارة العراقية، وغرفة التجارة الإسبانية.
4-مذكرة تفاهم بين اتحاد الصناعات العراقي، والاتحاد الإسباني لتنظيم أعمال الشركات/CEOE.
كما اشتملت المباحثات على توقيع مذكرات تفاهم أخرى، هي:
1-مذكرة تفاهم بين هيئة النزاهة العراقية والنائب العام للدولة في مملكة إسبانيا، جرى توقيعها في مقرّ الادعاء العام الإسباني.
2-مذكرة تعاون بين محافظة واسط وشركة ايماتيا الإسبانية للإنشاءات، جرى توقيعها في مقر غرفة التجارة الإسبانية.
3-مذكرة تفاهم للتعاون الأمني بين وزارتي الداخلية العراقية والإسبانية، سيتم توقيعها في مقر وزارة الداخلية الإسبانية.
الاستثمار الأجنبي
فيما أكد السوداني خلال مشاركته بالمنتدى الاقتصادي العراقي الإسباني الذي أقامته غرفة التجارة الإسبانية في مدريد، بحضور نخبة من رجال الأعمال من كلا البلدين، امتلاك البلاد أجواء آمنة وجاذبة للاستثمار، مشيراً إلى أن الاستثمارات الأجنبية في العراق بلغت نحو 62 مليار دولار.
وقال السوداني، في كلمة له بالمنتدى: "حكومتنا جاءت قبل عامين لتقدم رؤية جديدة للنهوض بالاقتصاد العراقي، ينتج بلدنا 4 ملايين برميل من النفط يومياً، وهو البلد الثالث في الإنتاج ضمن (أوبك بلس)، ونمتلك خزيناً كبيراً من النفط والغاز، ينتظر الاستثمار الأمثل".
وأضاف: "مضينا في مشروع طريق التنمية، الذي يمثل الممر الأقل كلفة بين الشرق والغرب، وهو يؤسس لمدن اقتصادية في العراق، وجرى تخصيص بحدود 100 مليار دولار على مدى 3 سنوات، لتنفيذ مشاريع للبنى التحتية، وهي أرضية مناسبة لمشاركة الشركات الإسبانية".
وتابع السوداني: "اتفقنا على مشروع للسكة الحديد بين البصرة وإيران مع شركة إسبانية بحدود 250 مليون دولار، الى جانب الائتلاف الذي يفاوض بشأن قطار (كربلاء– النجف) وفيه شركات إسبانية".