من رماد الحرب.. قصتان موصليتان ترويان وجهاً آخر للمدينة

من رماد الحرب.. قصتان موصليتان ترويان وجهاً آخر للمدينة
2025-07-23 16:05

شفق نيوز- الموصل  

في مدينة نهضت من تحت ركام ثلاث سنوات من الحرب، لتستعيد روحها وألقها، تُكتب اليوم قصص نجاح استثنائية، لا تنتمي فقط إلى حاضر الموصل، بل إلى روحها التاريخية كمدينة حضرية ورافد ثقافي كبير.

وبينما كانت الموصل تُعرف في الماضي بأسواقها وأبوابها ومآذنها، فإنها اليوم تعرف أيضًا بأبنائها الذين اختاروا أن يجعلوا من العلم والثقافة سبيلًا للبقاء والانتصار.

أحمد الراشدي.. رجل يسكنه كتاب

وفي زاوية هادئة من مدينة الموصل، يعيش أحمد الراشدي، رجل تجاوز السبعين من عمره، لم يتزوج ولم يُنشئ عائلة، لكنه أنجب آلاف الأفكار بين دفتي أكثر من عشرة آلاف كتاب يحتفظ بها في مكتبته الخاصة في شارع النجفي بالموصل القديمة.

بدأ الراشدي رحلته مع الكتب عام 1973 حين كان طالبًا في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد، وهناك، انفتحت أمامه آفاق الفكر والفلسفة والدين، حتى تحوّل إلى قارئ موسوعي يلتهم الكتب صفحةً صفحة، ويسجّل ملاحظاته على الهامش كما لو كانت حوارًا شخصيًا بينه وبين المؤلف.

ويقول الراشدي "بعد انتقالي إلى الموصل، وجدت في شارع النجفي امتدادًا لشارع المتنبي البغدادي، فصرت ازوره أسبوعيًا، في طقس ثقافي ثابت لا يتغير، رغم كل ما مرت به المدينة من دمار وحرائق".

 ويضيف الراشدي لوكالة شفق نيوز: "أنا لست متزوجًا، ولكن الكتب هم أولادي وأطفالي، بل هم كل حياتي".

إنه رجل يعيش داخل مكتبة، لا تستهويه صخب وسائل الإعلام، لكنه يمثّل اليوم ذاكرة ثقافية حية، وصوتًا خافتًا لكنه عميق، في زمن تسوده المعلومة السريعة والمعرفة المعلّبة.

حازم.. حين تبدأ الحياة من مقهى

في أحد زوايا "ملتقى الكتاب"، مقهى صغير في الموصل القديمة، كان الشاب حازم يحمل الصحون والكؤوس، لكنه كان في داخله يحمِل حلمًا أكبر بكثير.

يقول حازم لوكالة شفق نيوز، إنه "كنت أراقب رواد المقهى، معظمهم من الطلاب والمثقفين، فبدأت فكرة الدراسة تنمو في داخلي، وقررت أن أغير واقعي".

كان والده قد أُصيب أثناء عمليات تحرير الموصل، والضغوط المعيشية تحاصره، لكنه لم يستسلم، التحق بالمرحلة المتوسطة (الثالث الخارجي) ونجح بتفوق، ثم أكمل الدراسة الإعدادية وحقق معدلًا بلغ 78%.

"المكان والبيئة يساهمان في تغيير مسار حياتك، لكن الطموح هو الوقود الحقيقي"، بهذه الكلمات يختصر حازم حكايته، التي لم تبدأ من فصل دراسي، بل من مقهى، وانتهت بباب مفتوح نحو المستقبل.

الموصل.. مدينة تُعيد تعريف ذاتها

الموصل، التي لطالما عُرفت بأنها مدينة التجارة والمآذن والعلوم، أعادت اليوم تعريف نفسها كمدينة تصنع الأمل وسط الركام، وتحفر طريقها نحو المستقبل من خلال أبنائها.

فبين رفوف كتب أحمد، وكؤوس حازم في المقهى، تنبض المدينة مجددًا بروحها، وتروي للعالم أن النهوض ليس فقط مشروع إعمار، بل فعل ثقافي وإنساني طويل النفس.

 

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon