"من اليورانيوم إلى التصحر".. كيف صنعت الحروب الأجواء اللاهبة في العراق؟

شفق نيوز- بغداد
يشهد العراق منذ سنوات موجات حرارة غير مسبوقة تجاوزت في بعض المناطق عتبة الـ 50 درجة مئوية خلال أشهر الصيف، ما يثير مخاوف بيئية وصحية متزايدة.
ويرى متخصصون أن هذا الارتفاع الحاد في درجات الحرارة ناتج عن مزيج معقّد من العوامل الطبيعية والبشرية، أبرزها التغير المناخي، وشح الأمطار، والجفاف، والتصحر، بالإضافة إلى التأثير طويل الأمد للحروب والنشاطات العسكرية التي شهدها العراق على مدى العقود الماضية.
وكان العامل البشري، بحسب المتخصصين، له تأثير لا يقل خطورة، إذ أدت الحروب دوراً جوهرياً في تفاقم المشكلة، فقد شهد العراق، منذ تسعينيات القرن الماضي، سلسلة من الصراعات العسكرية التي كان لها أثر مباشر وغير مباشر على البيئة.
ففي العام 1991، وأثناء حرب الخليج، أضرمت القوات العراقية النار في آبار النفط الكويتية، ما أدى إلى انبعاث سحب سوداء كثيفة حجبت أشعة الشمس وغيّرت من خصائص المناخ المحلي في العراق، فيما تكررت السيناريوهات نفسها في العام 2003، ومع بداية الغزو الأمريكي، بحرق منشآت صناعية وآبار نفط ومخازن أسلحة، ما أطلق كميات ضخمة من الغازات السامة والساخنة إلى الجو.
وفي العام 2014، قامت التنظيمات الإرهابية بتفجير آبار النفط وتدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، خاصة في منطقة القيارة، وهو ما أدى إلى انبعاث الغازات الدفيئة، ساهمت برفع درجات الحرارة على المدى الطويل.
الحروب أبرز الأسباب
وفي هذا الصدد، قالت خبيرة الإشعاع والتلوث، إقبال لطيف، لوكالة شفق نيوز، إن "استخدام اليورانيوم المنضب في القذائف والصواريخ الحربية أدى إلى تغيرات مناخية حادة"، مبينة أنه "عند انفجار هذه القنابل، تتولد حرارة هائلة قد تصل إلى 10,000 درجة مئوية، ما يؤدي إلى تكوّن سحب كثيفة تحجب أشعة الشمس، ومع امتزاجها بأكاسيد الكربون والكبريت، ترتفع هذه الغازات إلى طبقات الجو العليا مسببة احتباساً حرارياً طويل الأمد".
وأشارت، إلى أن "البصمة الكربونية للقوات الأمريكية في العراق، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تُقدّر بـ5.8% من إجمالي الانبعاثات العالمية، فيما تُقدّر الانبعاثات الكربونية للجيش الأمريكي بنحو 60 مليون طن، ما يؤدي إلى ارتفاع حرارة الهواء والغلاف الجوي وتآكل طبقة الأوزون".
وتابعت لطيف، حديثها بالقول إن "منذ عام 1991، بدأت درجات الحرارة ترتفع بصورة غير معهودة، وبدأ المواطنون في محافظات البصرة وذي قار والسماوة باستخدام أجهزة التبريد لأول مرة، بعدما كانت أجواؤهم معتدلة نسبياً قبل ذلك".
وقد كشف وكيل وزارة البيئة جاسم الفلاحي، مطلع العام الجاري، عن ارتفاع درجات الحرارة في العراق ما بين 4 إلى 5 درجات مئوية فوق المعدلات الطبيعية خلال الخمسين سنة الماضية، في حين أن المعدل العالمي للارتفاع خلال المدة ذاتها أقل بكثير.
اليورانيوم المنضب.. سلاح مدمّر
بدوره، قال حيدر رشاد الربيعي، رئيس مؤسسة "حقب للإغاثة والتنمية المستدامة"، إن "الحروب كانت من الأسباب الرئيسية في تراجع الغطاء النباتي، خاصة في المحافظات الجنوبية".
وفي حديث لوكالة شفق نيوز، أضاف أن "البصرة كانت تضم أكثر من 10 ملايين نخلة قبل الحرب العراقية الإيرانية، واليوم لا يتبقى منها سوى أقل من مليون نخلة فقط"، مشيراً إلى أن "الألغام والمقذوفات المنتشرة في الأراضي الزراعية أجبرت الفلاحين على هجر أراضيهم، ما فاقم ظاهرة التصحر وأسهم في ارتفاع درجات الحرارة بشكل واضح".
كما لفت إلى أن "الانفجارات العسكرية والحرائق النفطية تطلق كميات كبيرة من الغازات الكربونية والغازات الدفيئة، والتي تؤدي إلى تغيرات مناخية دائمة"، مضيفاً أن "الانفجارات وإشعال الآبار تفرز ملوثات تسبب الاحتباس الحراري، وهو أحد أبرز أسباب ارتفاع درجات الحرارة".
وفي مطلع العام الجاري، حذر معهد "ستوكهولم" البيئي السويدي من أن العراق يواجه تحديات مائية بسبب أزمات التغيير المناخي والأحداث الإقليمية الناجمة عن النزاعات الطويلة، ما يهدد أمنه المائي بشكل خطير.
رأي علمي متوازن
إلى ذلك، أوضح الباحث الأكاديمي في الشأن البيئي، شكري الحسن، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "العوامل المتسببة بارتفاع درجات الحرارة متعددة، ولا يمكن إرجاعها للحروب فقط".
وقال إن هناك متغيرات مناخية مهمة تؤدي دورًا، مثل الضغط الجوي، اتجاه الرياح، طبيعة الأرض، موسمية حركة الأرض، الجفاف، وتناقص الغطاء الأخضر".
لكنه أقرّ بأن الحروب ساهمت في تدمير مساحات خضراء شاسعة وأطلقت كميات هائلة من الملوثات، من بينها إشعاعات اليورانيوم والغازات السامة، وكلها تؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
ارتفاع درجات الحرارة الحاد في العراق لم يكن مجرد ظاهرة مناخية، بل تسبب بأزمات صحية متزايدة، أبرزها تفشي أمراض مثل الكوليرا، وأمراض جلدية، وضربات الشمس.
وقد اضطرت السلطات إلى تعطيل الدوام الرسمي مراراً في مؤسسات الدولة، حين بلغت درجات الحرارة الخمسين مئوية أو أكثر، ما يعكس حجم التأثير السلبي على الحياة اليومية والاقتصاد.
ويعد العراق من أكثر دول المنطقة تأثراً بالتغيرات المناخية، إذ يواجه ارتفاعاً متزايداً في مستويات الجفاف، ما أدى إلى اتساع رقعة التصحر وتراجع المساحات الخضراء بشكل ملحوظ.