"من المنزل إلى السفارة".. قائمة "أهل البيت السياسي" تُعيد الجدل المزمن في العراق

"من المنزل إلى السفارة".. قائمة "أهل البيت السياسي" تُعيد الجدل المزمن في العراق
2025-07-31T10:52:53+00:00

شفق نيوز- بغداد

منذ عام 2003، لم تكن قوائم تعيين السفراء في العراق تمرّ بهدوء، بل كانت في كل دورة سياسية تثير موجات من الجدل والاعتراض، سواء داخل البرلمان أو في أوساط الرأي العام.

ويُجمع مراقبون على أن هذه القوائم نادراً ما مثّلت معياراً مهنياً خالصاً، بل غالباً ما جاءت نتيجة صفقات محاصصة بين الأحزاب والكتل السياسية.

وفي ظل نظام سياسي يقوم على التوازن الطائفي والعرقي والحزبي، تحوّلت المناصب الدبلوماسية، بما فيها موقع السفير، إلى جزء من نظام "تقاسم النفوذ" الذي يدير مؤسسات الدولة. 

وبموجب هذا التفاهم غير المعلن، تحصل كل كتلة أو حزب على "نصيب" من البعثات الدبلوماسية، وتقوم بترشيح شخصيات مقرّبة منها، سواء كانت من داخل الحزب أو من الدائرة العائلية والموالين.

وفي دورات سابقة، أثارت قوائم السفراء الكثير من الاستفهامات، خصوصاً مع تسرب أسماء لا تحمل أي مؤهل دبلوماسي، أو لأشخاص لم يسبق لهم العمل في الحقل السياسي أو الدولي، وبعضهم كان يُكافأ بمنصب سفير نتيجة "الخدمة الحزبية"، أو كترضية في إطار توزيع المناصب.

وتكرّرت ملاحظات ديوان الرقابة المالية ووزارة الخارجية نفسها على العديد من التعيينات، بسبب ضعف الخبرة أو عدم تطابق المؤهلات، لكنّ هذه الملاحظات غالباً ما كانت تُهمّش أمام سطوة القرار السياسي.

وعلى ما يبدو استمراراً بهذا النهج، جاءت قائمة جديدة اطلعت وكالة شفق نيوز، ولم تؤكدها الحكومة العراقية بعد، تضم أسماء العشرات لمنصب سفير أو بمسؤولية بعثة خارجية أو ملحقية دبلوماسية، حيث تبيّن أن عدداً ملحوظاً من الأسماء الواردة في القائمة هم أبناء أو أقرباء مباشرين لشخصيات سياسية نافذة في الدولة، بعضهم تجاوز الثلاثين من العمر بقليل، دون أي خلفية دبلوماسية تُذكر أو سجلّ مهني يؤهله لهذا المنصب السيادي.

"اتفاقات تحت الطاولة "

ويأتي تمرير هذه القائمة مع اقتراب الدورة البرلمانية الحالية من نهايتها، حيث يصف عضو لجنة العلاقات الخارجية، عامر الفايز، ما يجري بأنه "اتفاق سياسي مسبق".

ويضيف في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "القوائم أُعدّت مسبقاً لتراعي توازنات طائفية وحزبية"، لا حاجة فيها إلى المؤهلات بقدر الحاجة إلى الولاءات.

ما يكشفه الفايز ينسجم مع تحذيرات من تمرير القوائم بشكل مباغت داخل الجلسات البرلمانية، دون إدراجها مسبقاً في جدول الأعمال.

النائب رائد المالكي، على سبيل المثال، أبدى رفضه القاطع لهذا الأسلوب، محذّراً من تكرار سيناريو العام الماضي، حين تم التصويت على قائمة تضم 112 سفيراً دفعة واحدة، "وكأنما العراق لا يعاني من أي أزمة كفاءة أو أزمة تمثيل"، على حد وصفه.

الوضع داخل البرلمان لا يقلّ عن ذلك كما يراه عضو لجنة العلاقات الخارجية، مختار الموسوي، الذي يؤكد لشفق نيوز، أن اللجنة "بلا صلاحيات تنفيذية أو رقابية فعلية"، موضحاً أن القوائم تصل جاهزة من الحكومة، وأن القوى السياسية، وخاصة في الإطار التنسيقي، تمتلك حق "الفيتو" الذي يُعطّل أي اعتراض نيابي.

"نحن مجرد متلقّين"، يضيف الموسوي، "تُقرأ الأسماء في الجلسة، ولا نمتلك القدرة على استبعاد من لا يستحق، أو مساءلة من يقف خلف التعيينات".

"أهل البيت السياسي"

هذه القوائم أثارت جدلاً واسعاً في الأروقة الاجتماعية والسياسية العراقية، بخاصة مع الحديث عن أسماء مرشحين مرتبطين بعلاقات عائلية مباشرة مع شخصيات سياسية بارزة حصلوا على ترشيح رسمي فقط لأنهم "من أهل البيت السياسي".

النائب عمران الكركوشي يعترف بأن هذه الظاهرة باتت علنية، ويقول: "الحصص باتت تُوزّع بين الكتل، ومن ثم تُرسل إلى البرلمان لتُمرر شكلياً. لدينا مرشحون لا يملكون مؤهلات كافية، بل لا يملكون حتى سيرة مهنية تبرر ترشيحهم".

بينما الأكاديمي والباحث السياسي أحمد يوسف، يذهب أبعد من ذلك، ويرى أن "ما يجري يمثل كارثة حقيقية على صورة العراق الخارجية. السفير يجب أن يكون مرآة الدولة، لكن حين يُختار بمنطق الولاء لا الخبرة، فكيف سيفهم العالم ما نريد؟".

ويحذّر يوسف من أن هذا النهج سيؤدي إلى "عزل العراق دبلوماسياً، وتقويض شبكة علاقاته الدولية، خاصة في وقت هو بأمس الحاجة فيه إلى حلفاء حقيقيين".

التفاف قانوني مألوف

الخبير القانوني عباس هادي يضيف بُعداً آخر للمشكلة، موضحاً أن التعيينات غالباً ما تتم بـ"الوكالة"، أي أن المرشح يبدأ بمهام السفير دون مصادقة برلمانية رسمية، ويقول: "هذا الأسلوب يُستخدم لتفادي المعركة النيابية، ويمنح الأطراف المتنفذة حرية تمرير مرشحيها دون الحاجة لتوافق علني".

ويُحذر هادي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، من أن هذا الالتفاف لا ينتهك فقط التقاليد الدستورية، بل يقوّض مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في المادة 16 من الدستور العراقي. والتي تنص على: تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك.

وهذا ما يجمع عليه نواب ومحللون أن هذه الممارسات تُنذر بضعف كبير في أداء البعثات الدبلوماسية العراقية، وبتآكل دور العراق الدولي في ملفات حساسة، تبدأ من العلاقات الإقليمية ولا تنتهي عند حماية المصالح الاقتصادية والسياسية للمواطنين في الخارج.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon