"معهد السلام" يوصي واشنطن بزيادة الاهتمام بالعراق: التحديات التي يواجهها انعكاس لمصالح أمريكا
شفق نيوز/ ذكر "معهد السلام الامريكي" ان العراق يظهر رغبة في فتح فصل جديد من العلاقات مع الولايات المتحدة والشراكة الاستراتيجية معها، بما يتجاوز موضوع الأمن، ليطال قضايا أوسع بينها التحديات الاقتصادية والإقليمية والمناخية.
والتقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ أشار إلى التقلبات في العلاقات بين بغداد وواشنطن منذ العام 2003، والى ان زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جاءت في ظل العديد من المناسبات التاريخية والتطورات الخطيرة في الشرق الاوسط مع الذكرى ال21 للاطاحة بنظام صدام حسين، قال ان زيارة السوداني التي ضمت أكبر وفد عراقي يأتي الى واشنطن، تظهر ارادة العراق لبدء فصل جديد في الشراكة الاستراتيجية التي تتخطى الأمن.
ولفت التقرير إلى أن التوقعات حول زيارة السوداني حتى قبل وصوله الى واشنطن، كانت متراجعة بالنظر إلى تأثير حرب غزة وهجمات الفصائل العراقية على القوات الامريكية في العراق وسوريا والاردن، والردود الامريكية عليها، وانه برغم ذلك، فقد جاء السوداني الى واشنطن مع أعضاء مجلس الوزراء وكبار المستشارين ونواب من البرلمان ورجال اعمال ومحللي وسائل الإعلام، ثم زار تكساس وميشيغان للقاء الشركات الامريكية والمغتربين العراقيين، وحثهم على الانخراط في بناء العراق وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة.
واعتبر التقرير أن رمزية هذه الزيارة، من حيث التوقيت إلى خط سير الرحلة الى حجم الوفد الكبير، تعكس رغبة العراق في التركيز بشكل أكبر على الحقول الاقتصادية والتعليمية والشعبية، بينما أكد المسؤولون الأمريكيون على التزامهم بعلاقة شاملة مع بغداد.
وتناول التقرير الضغوط التي يتعرض لها السوداني داخليا وايرانيا من اجل انهاء وجود القوات الامريكية، بينما يحاول هو ألا يشتت انتباهه عن أجندته السياسية والاقتصادية. كما لفت الى نشاط اللجنة العسكرية العليا القائمة منذ اب/اغسطس 2023، والبحث عن تقييم وجود القوات الأمريكية، في إطار ما وصفه بأنه جزء من جهود أكثر اتساعا للعلاقات ثنائية طبيعية بشكل أكبر.
وبحسب التقرير، فإنه حتى في حال تطور العلاقات الثنائية بين الطرفين الى مرحلة طبيعية اكثر لا تركز بالدرجة الاولى على الميدان الامني، الا ان الفصائل المسلحة سيظل بامكانها شن هجمات على المصالح الامريكية في العراق، ومن المحتمل أن تعمل هذه الجماعات من أجل الحد من وجود هيئات وجهات مثل بعثة الأمم المتحدة، وذلك كوسيلة لممارسة ضغوط اسهل على الولايات المتحدة والأطراف الفاعلة الدولية الأخرى وتقليص الوجود الخارجي الذي يقوض مصالحها.
وبالاضافة الى ذلك، اشار التقرير الى ان الاقتصاد العراقي والقطاع المالي تحولا إلى مجالين رئيسيين للتوتر بين الولايات المتحدة والعراق، خصوصا بسبب الجهود التي قامت بها ايران من اجل التحايل على العقوبات الامريكية من خلال العراق، مضيفا ان العراقيين يطلقون على بلادهم اسم الرئة الاقتصادية لإيران، في حين تضغط وزارة الخزانة الامريكية على البنك المركزي العراقي من اجل توسيع منصة الكترونية عبر النظام المصرفي للمساعدة في منع تهريب الدولار الامريكي الى ايران او وجهات اخرى، في حين استغل السوداني هذا الضغط للقيام بإصلاحات في القطاع المصرفي، ووقعت بلاده أكثر من 12 مذكرة تفاهم مع شركات أمريكية مثل "جنرال إلكتريك" و"كي بي ار هانيويل" وغيرها.
والى جانب ذلك، قال التقرير ان العراق استجاب للضغوط الامريكية واستعان بشركات دولية لدعم احتجاز واستخدام الغاز المحترق، بينما ستتوقف حاجة بغداد الى الواردات من الخارج، بحلول نهاية هذا العام، في حين يبدي العراق اهتماما بالاستخدام السلمي للطاقة النووية.
من الإبادة الى الديمقراطية
ذكر التقرير ان شهر ابريل/نيسان يصادف ايضا الذكرى ال36 لعمليات الانفال التي قام بها صدام حسين عندما ارتكب ابادة جماعية ضد الكورد في العام 1988، بالاضافة اقتراب الذكرى السنوية ال10 لسيطرة داعش على ثلث الاراضي العراقية وارتكاب إبادة جماعية ضد الايزيديين والمكونات العراقية الأخرى.
وتابع التقرير أنه بعد مرور أكثر من عقدين ونصف من الزمن، فان جرائم الابادة الجماعية أثارت انذارا عالميا واظهرت ان عقلية القتل الجماعي لا تزال قائمة.
وفي هذا السياق، قال التقرير إن الوفد الذي ترأسه السوداني الى واشنطن، كان يضم ممثلين عن حكومة اقليم كوردستان ومستشاره لشؤون الايزيديين، ما يمثل مؤشرات ايجابية على محاولته الحكم بشكل شامل، مذكرا بان السوداني أكد خلال لقاءاته على سعيه من اجل تسوية الخلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان بما في ذلك الخلافات حول سلطات كل منهما بشأن عائدات النفط والغاز.
كما ذكر التقرير بقول السوداني في واشنطن ان هذه الخلافات والعوائق في العلاقة مؤسسية وقانونية وليست سياسية، متعهدا بالاستمرار لإيجاد وسائل لتحقيق التقدم.
وتابع التقرير ان زعماء الأقليات السنية والكوردية والعرقية والدينية الاخرى يشعرون بان السوداني صادق، حتى مع استمرار الأطراف السياسية الفاعلة الأخرى في عرقلة أي تقدم استراتيجي أكثر اهمية فيما يتعلق بالقوانين الاتحادية والنفط والغاز.
الى ذلك، قال التقرير إن زيارة السوداني جاءت ايضا في ظل اضطرابات اقليمية امتدت الى ما هو أبعد من الحرب في غزة الى العراق ولبنان وسوريا والأردن واليمن والبحر الأحمر، خصوصا عندما أطلقت إيران صواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل، فوق سماء العراق، ما سلط الضوء على نقاط الضعف التي تهدد أمن العراق وسيادته والتي لا تزال البلاد بحاجة الى احراز تقدم كبير حولها. كما ذكر التقرير أن الجماعات المسلحة هاجمت في 21 أبريل/نيسان، القوات الأمريكية في سوريا، بعد يوم واحد من عودة السوداني من واشنطن.
ورأى التقرير أن السوداني يحاول تعزيز الدولة العراقية وسيادتها، والسعي وراء المصالح المشتركة كأرضية مشتركة في السياسة الخارجية، ويقر بضرورة وجود توازن على العراق ان يقوم به بين ايران كجارة، وبين الولايات المتحدة كشريك استراتيجي.
لماذا يجب على واشنطن أن تهتم بالعراق؟
ذكر التقرير أن التحديات التي يواجهها العراق هي انعكاس لعدد من المصالح الامنية القومية الرئيسية للولايات المتحدة، بما في ذلك الجهود الهادفة الى تعزيز الديمقراطية، واستغلال العلاقة بين المناخ والطاقة، والمنافسة الاقليمية والعالمية، والتطرف، مذكرا بان الولايات المتحدة استثمرت في إقامة نظام ديمقراطي في العراق، في حين يطالب شركاؤها العراقيون بعدم التخلي عنها، مضيفا أنه رغم تراجع الديمقراطية على المستوى المؤسسي، فإن الشعب العراقي، وخصوصا الشباب الذين هم بمثابة "طاقة متجددة" في البلاد، لا يزالون يؤمنون بالتطور.
ورأى التقرير ان العراقيين لا يزالون بحاجة الى التكنولوجيا والخبرة من الولايات المتحدة فيما يتعلق بمكافحة آثار التغيير المناخي، مضيفا أنه في ظل شح المياه، فان الحكومة العراقية تحتاج الى استراتيجية وإجراءات شاملة تتلاءم مع حقائق التغير المناخي والبيئي، وهو تكيف شديد الاهمية لاستقرار البلد وتنميته اقتصاديا.
كما ذكر التقرير بدور الصين الاقتصادي المتزايد في العراق، وبتصريح للرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته الى السعودية في العام 2022، بأنه "لن نبتعد ونترك فراغا تملاه الصين او روسيا او ايران. وسنسعى للبناء على هذه اللحظة بقيادة اميركية نشطة ومبدئية".
وبعدما لفت التقرير الى تضاؤل خطر داعش بشكل كبير في العراق، لأسباب من بينها الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق، اشار الى ان
ان اعادة ودمج نحو 20 ألف عراقي في مخيم الهول إلى مجتمعاتهم، يعتبر أمرا ضروريا لأسباب انسانية وكذلك لمصالح الامن القومي الامريكي والعراقي.
وأكد التقرير على أهمية العراق لاستقرار الطاقة العالمية حيث يمتلك خامس أكبر احتياطي نفطي وهو أحد أكبر ثلاثة منتجين للنفط في منظمة أوبك، بينما يطمح الى ان يكون لاعبا في قطاع الغاز ايضا، بالاضافة الى ان واشنطن تقدر الدور المحوري الذي يلعبه العراق في الاستقرار الإقليمي.
تحرك نحو الامام
وخلص التقرير الى القول ان "نظرة موضوعية لزيارة السوداني ونتائجها تظهر التقدم في عدد من المجالات"، من بينها التأكيد على الاهتمام الثنائي بتعزيز العلاقات مع إنزلاق المنطقة نحو توسيع الصراع، وتأكيد الحاجة العراقية والاهتمام بالشركات الامريكية والتكنولوجيا والتعليم، الى جانب الإرادة العراقية من اجل تجاوز مصاعب الماضي مع تحقيق التوازن بين العديد من المصالح والأطراف الفاعلة المتنافسة.
ولفت التقرير إلى أن الدعم من جانب "الإطار التنسيقي" لزيارة السوداني قد يوفر فرصة أكبر للتقدم مقارنة بالمرات السابقة، مضيفا أن "الكرة الآن في ملعب العراق لتهيئة الظروف التي من شأنها أن تجعل الشركات الامريكية جذابة للعمل والاستثمار في العراق بأمان".
وفي المقابل، قال التقرير إن على الولايات المتحدة الاستمرار في إظهار تفهمها لحقيقة أن التغيير في العراق يستغرق وقتا وأن الدعم الامريكي يبقى بالغ الأهمية.
وختم التقرير الأمريكي بالقول إن العراق، على غرار ألمانيا واليابان وفيتنام، بامكانه ان يتحرك الى ما هو ابعد من تاريخ الحرب، نحو مستقبل من الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة بما يخدم البلدين في مصالحهما الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والتكنولوجية والشعبية.
ترجمة: وكالة شفق نيوز