كركوك تواجه مرآتها.. النفط والهوية والتاريخ على ورقة الاقتراع

كركوك تواجه مرآتها.. النفط والهوية والتاريخ على ورقة الاقتراع مشهد من الجو لقلعة كركوك التاريخية
2025-05-11 11:46

شفق نيوز/ مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في أواخر 2025، تعيش كركوك لحظة سياسية مألوفة، المدينة التي لطالما وُصفت بأنها مرآة التعقيد العراقي، تعود إلى الواجهة مجددًا كمختبر صعب لتوازنات الهوية والسلطة والتمثيل، ففي محافظة تزدحم بثلاث قوميات رئيسية، الكورد، العرب، والتركمان، إلى جانب أقليات أخرى. لا يبدو أن شيئًا حُسم، رغم تعاقب الدورات الانتخابية والتسويات المؤقتة.

في الشوارع والأسواق، يتحدث الناس عن القوائم، بينما تتردد بين المكاتب الحزبية نغمة واحدة: لا اتفاق حتى الآن. الانتخابات في كركوك ليست مجرد سباق على المقاعد، بل على رواية المدينة. من يحكم؟ من يقرر؟ من يضع اسمه على بوابات الإدارة؟

منذ عام 2005، اعتُبرت كركوك إحدى "المناطق المتنازع عليها" وفق المادة 140 من الدستور العراقي، لحسم تبعيتها عبر سلسلة خطوات تبدأ بالتطبيع وتنتهي باستفتاء، إلا أن أياً من تلك المراحل لم يُستكمل. نتيجة لذلك، ظلت كركوك رهينة فراغ قانوني وإداري يُغذّي التوترات القومية ويضع المؤسسات في مهب تجاذبات بغداد وأربيل.

"قدس كوردستان"

بعد عام 2003، بدا أن كركوك ستلتحق تدريجيًا بإقليم كوردستان. الكورد، بوجودهم العسكري والإداري، فرضوا حضورهم حتى عام 2017، حين انسحبت قوات البيشمركة عقب استفتاء الاستقلال، في تحول درامي للمشهد السياسي ما زالت تداعياته تلقي بظلالها حتى الآن.

كركوك لطالما وُصفت في الخطاب الكوردي بـ"قدس كوردستان"، حافظ فيها الاتحاد الوطني على تمثيل قوي في الانتخابات التشريعية 2021 بحصوله على 5 مقاعد، بينما قاطع الحزب الديمقراطي الكوردستاني الانتخابات احتجاجًا على الأوضاع في المدينة. وفي انتخابات 2023 المحلية، فاز الاتحاد الوطني بـ5 مقاعد، وتمكن من تشكيل الحكومة المحلية بدعم عربي ومسيحي، وسط اعتراض الديمقراطي.

"لم يعد الصوت الكوردي موحدًا في كركوك"، يقول الباحث عبد الحميد خالد لوكالة شفق نيوز إن "الخلافات العميقة بين الحزبين الرئيسيين، وعدم إشراك القوى الإسلامية الكوردية، تجعل من كل استحقاق انتخابي ساحة لصراع داخلي لا لجبهة موحدة".

ويضيف أن "القوى الكوردية تميل إلى خوض الانتخابات بقوائم منفصلة، ثم محاولة التفاوض بعد النتائج، وهو ما يضعف حضورها في المناطق المتنازع عليها".

ويتابع: "تأخر تشكيل حكومة إقليم كوردستان هو انعكاس مباشر لهذه الانقسامات، التي تلقي بظلالها على مشهد كركوك والملفات المرتبطة بها".

بالإضافة إلى ذلك. فمنذ عشرة أشهر تقريبًا، يشغل القيادي في الاتحاد الوطني الكوردستاني، ريبوار طه، منصب محافظ كركوك، إثر تحالف سياسي سمح بتشكيل إدارة محلية. ورغم استقرار الوضع إداريًّا، فإن تعيينه لا يحظى بإجماع سياسي، خاصة من جانب الحزب الديمقراطي الكوردستاني وبعض القوى التركمانية.

"القبول السياسي بالمحافظ لا يعني نهاية الخلاف"، يقول المحلل محمد يونس. "بل ربما نقل الأزمة من الطاولة المفتوحة إلى الغرف المغلقة، بانتظار ما ستفرزه الانتخابات المقبلة".

العرب: مبادرات للوحدة تُقابل بتشتيت مستمر

في المعسكر العربي، تتعدد القوائم وتتنافس الشخصيات على النفوذ داخل مناطق الحويجة والدبس ومركز كركوك. انقسامهم السياسي حرمهم من التمثيل الموحد، ففي انتخابات 2021، حصلوا على 4 مقاعد توزعت على تحالفات مختلفة، ما دعا القيادي العربي البارز وصفي العاصي الى الدعوة لتشكيل قائمة عربية موحدة، مؤكدًا استعداده "للتنازل عن أي موقع شخصي مقابل وحدة العرب".

وتبقى القوى العربية موزعة بين تحالف "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي، و"عزم" بزعامة خميس الخنجر، إلى جانب شخصيات وقوائم مستقلة ذات طابع عشائري أو مناطقي.

وقال العاصي في حديثه لوكالة شفق نيوز: "لطالما دعوت إلى دخول العرب بقائمة واحدة. اليوم أعلن استعدادي للتخلي عن أي مكسب سياسي، فالأهم هو وحدة الصف وخدمة أهلنا في كركوك".

وأضاف: "لا أضع أي شروط، ولا أطالب بتسلسل متقدّم أو رئاسة القائمة، بل أؤمن بأن وحدة الموقف العربي ستُفضي إلى نتائج غير متوقعة، وقد نكون الكتلة الأبرز داخل المحافظة".

السياسي طلال العزاوي من جهته أكد أن "ثقل العرب يتمركز في قضاء الحويجة والدبس ومركز كركوك، وتتنازع تمثيلهم عدة قوى أبرزها حزب تقدم، وتحالف عزم، والتحالف العربي، والجبهة الغربية". وقال العزاوي: "العرب في مركز كركوك يعانون من التشتت بين هذه القوائم، لكن إذا توحدوا، فإنهم سيشكلون رقماً صعباً، وقد يحصدون من 5 إلى 6 مقاعد برلمانية".

التركمان: جبهة موحدة بالاسم، لا بالموقف

التركمان، في الشق الآخر، يواجهون انقسامات عميقة بين تيارات علمانية وقومية، وأخرى مرتبطة بأحزاب شيعية. ففي انتخابات 2021، حصلوا على مقعدين اثنين من أصل 12 مقعداً مخصصة لكركوك.

أُعلن عن تشكيل "جبهة تركمانية موحدة" بقيادة محمد سمعان آغا، لكنها لم تنجح في تجاوز الانقسامات بين مكونات تركمانية أخرى، منها تحالفات مرتبطة بمنظمة بدر.

ويقول الباحث عباس البياتي: "تعدد التوجهات داخل البيت التركماني قد يُقلص تمثيلهم في البرلمان المقبل، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا في أوساطهم السياسية".

ويشير بعض القادة التركمان إلى أن استبعادهم من صياغة الحكومة المحلية الأخيرة في كركوك زاد من شعورهم بالتهميش، وأن أي إعادة توزيع للسلطة دون مشاركتهم سيُقابل برفض علني، وربما احتجاجات سياسية.

تحالفات مؤجلة واستحقاق حاسم

في ظل غياب التحالفات العابرة للمكونات، تبدو انتخابات كركوك 2025 مرشحة لإعادة إنتاج الأزمة. وتُرجّح مصادر محلية أن لا تُعقد أي تفاهمات كبرى قبل إعلان النتائج، ما قد يعني استمرار الفراغ الإداري والسياسي، أو نشوء تحالفات قائمة على تقاطع المصالح لا على البرامج المشتركة.

الباحث محمد يونس يحذّر من أن "غياب التوافق قد يؤدي إلى أزمة تمثيل تمتد لما بعد الانتخابات، وربما تعرقل مشاريع الخدمات والاستقرار الأمني في المحافظة".

ويضيف: "التجربة الماضية أظهرت أن ما بعد الانتخابات لا يقل تعقيدًا عن لحظة الاقتراع نفسها، ما يجعل كركوك ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات السياسية".

في كركوك، كل شيء مؤجل، من حسم الهوية إلى رسم خارطة السلطة. ومع اقتراب موعد الانتخابات، يبقى السؤال قائمًا: هل سيكون هذا الاستحقاق فرصة لتقريب وجهات النظر، أم فصلًا جديدًا في سلسلة من الصراعات المؤجلة؟

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon