قواعد متغيرة وحدود مشتعلة.. قراءة في تحركات القوات الأمريكية بين سوريا والعراق

قواعد متغيرة وحدود مشتعلة.. قراءة في تحركات القوات الأمريكية بين سوريا والعراق قوات امريكية في منطقة ما بين الحدود العراقية السورية
2025-05-04 11:38

شفق نيوز/ في خضم تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة رسم تموضعها العسكري عبر خطوات محسوبة تعكس تعقيد المشهد الإقليمي. ففي خطوة لافتة، بدأت واشنطن خلال الأسابيع الأخيرة بنقل وحدات من قواتها المنتشرة في شمال وشرق سوريا إلى قواعد أكثر أمانًا داخل العراق، في تطور يُنظر إليه بوصفه إعادة تموضع تكتيكية وليست انسحاباً كاملاً.

في التاسع عشر من أبريل/نيسان 2025، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، شون بارنيل، أن الجيش الأميركي يخطط لدمج قواته في سوريا وتقليصها إلى أقل من ألف جندي. بارنيل أوضح أن هذه العملية "مدروسة ومشروطة" وتهدف إلى تقليص الحضور الأميركي في سوريا دون التراجع عن الأهداف الأمنية الأساسية، وعلى رأسها ملاحقة فلول تنظيم داعش.

مصادر مطلعة تحدثت لوكالة شفق نيوز، أن عمليات النقل شملت قواعد في ريف الحسكة ودير الزور، منها كونوكو، حقل العمر النفطي، والقرية الخضراء، حيث تم تفريغ معدات ثقيلة ونقل جنود إلى قاعدة الشدادي، تمهيداً لتحريكهم إلى قواعد داخل إقليم كوردستان العراق.

العراق في عين العاصفة

التحرك الأميركي أثار مخاوف متجددة من أن يتحول العراق إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين واشنطن وطهران. ومع تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة الموالية لإيران داخل العراق، ووجود أكثر من 67 فصيلاً مسلحًا نشطاً، وفقًا لتقديرات مجموعة الأزمات الدولية، يُخشى أن يتحول أي تصعيد إقليمي إلى مواجهات مباشرة على الأراضي العراقية.

وبحسب عضو الحزب الجمهوري، رئيس المجلس الاستشاري بجامعة ماريلاند، فرانك مسمار، في حديث مع وكالة شفق نيوز، إن "إعادة الانتشار تأتي في وقت تتفاوض فيه إسرائيل وتركيا على تشكيل محتمل لخط عدم اشتباك في سوريا لتفادي التصادم المباشر".

وحذر من أن العراق، المرتبط بعلاقات أمنية وسياسية معقدة بين طهران وواشنطن، قد ينجر إلى صراع أوسع، خصوصا مع تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة المتحالفة مع طهران.

ويحذر مسمار من أنه "إذا انهارت المحادثات النووية بين واشنطن وطهران، فلن يشهد العراق توترات فقط، بل قد يتحول إلى ساحة معركة فعلية"، من خلال تفعيل هذه الجماعات المسلحة لاستهداف الأصول والأفراد الأمريكيين في حالة حدوث مواجهة بين واشنطن وطهران.

مستقبل الوجود الأمريكي

الباحث في معهد الشرق الأوسط، سمير التقي، يرى في تصريحات لوكالة شفق نيوز أن تحركات القوات الأمريكية لا تشير إلى انسحاب فعلي، بل إلى إعادة انتشار مدروسة.

ويعتبر أنه رغم الوجود الضئيل لعدد القوات الأمريكية، فإن مجرد وجودها يشكل عامل ضغط كبير في الصراع الجاري في كل من سوريا والعراق على إعادة بناء الدولة في هذا المجال، خاصة مع عودة احتمالات صعود داعش وصعود القوى المتطرفة في سوريا، وأيضا ظهور قوى جديدة غير منضبطة في العراق.

كما يشدد على أن القوات الأمريكية لن تخرج بشكل نهائي حتى مع وجود اتفاق مع الحكومة العراقية بحدوث ذلك بحلول سبتمبر العام المقبل، وحتى لو كانت الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب تقول غير ذلك، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي تحدث أربع مرات في ولايته الأولى عن انسحاب القوات الأميركية من سوريا ولكن ذلك لم يحدث.

ويصف التقي هذا الوجود في سوريا بأنه "كالباب الدوار"، تدخل القوات وتخرج دون إعلان رسمي أو خفض فعلي للوجود، مشيراً إلى أن أي انسحاب كامل قد يفتح المجال أمام عودة داعش أو تصاعد نفوذ جماعات غير منضبطة في العراق وسوريا على حد سواء.

كما لمّح إلى أن التحركات الأميركية الأخيرة قد تكون ذات صلة بتحضيرات لردود عسكرية محتملة على إيران.

ويشرح: "هناك تحركات في اتجاهات متعددة، مثل مطار الضمير في سوريا أو باتجاه العراق. وقد تكون متناقضة ظاهريًا، لكنها مرتبطة بمغزى استراتيجي؛ مثل اتخاذ احتياطات ضد استهداف إرهابي محتمل، أو تعزيز مواقع مثل التنف باتجاه دير الزور أو قرية الصنمين."

بين بايدن وترامب

من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطوات تُنفّذ ضمن رؤية استراتيجية بعيدة المدى أم مجرد استجابة ظرفية. إدارة بايدن مثلاً، التي سعت لتحقيق توازن بين تقليص التورط العسكري واحتواء تهديدات الإرهاب، لم تُنهِ فعلياً التواجد الأميركي.

في المقابل، لا يستبعد مراقبون أن تتغير المعادلة مع وجود ترامب، فالرجل الذي وعد أكثر من مرة بسحب القوات من سوريا، لم ينفذ ذلك، وفي الوقت ذاته لم يتردد في استخدام القوة في اليمن مثلاً او تنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات رفيعة كالجنرال الإيراني قاسم سليماني.

ووفق تصريحات ترامب، فإن أي تباطؤ إيراني في الوصول إلى اتفاق نووي سيُواجَه برد عسكري محتمل. وتخشى دوائر الأمن الأميركية أن يؤدي ذلك إلى تفجير مواجهة واسعة، تبدأ من العراق ولا تُعرف حدودها.

توازن هش

يبقى السؤال المطروح: هل تحركات واشنطن جزء من انسحاب تدريجي من المنطقة أم إعادة تموضع لتعزيز الردع؟ في كلتا الحالتين، فإن ما يحدث في العراق وسوريا لا يمكن فصله عن لعبة الشطرنج الأكبر التي تلعبها واشنطن مع طهران، وموسكو، وتل أبيب، وأنقرة.

وفي ظل هذا التداخل والتعقيد، يبقى العراق الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للضغط والانفجار، بينما تحاول الولايات المتحدة تجنب أن تتحول ساحات وجودها العسكري إلى عبء استراتيجي مكلف.

شفق نيوز/ واشنطن- مصطفى هاشم

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon