قانون الحشد يضع علاقة بغداد وواشنطن على المحك

شفق نيوز- بغداد
تتصاعد التحذيرات الأمريكية من مشروع قانون هيئة
الحشد الشعبي الذي ما يزال قيد المناقشة حالياً في مجلس النواب العراقي، على اعتباره
وفق النظرة الأمريكية، يقوض سلطة الدولة ويضفي الشرعية القانونية على الفصائل
المسلحة المقربة من الحرس الثوري الإيراني في العراق، بحسب مراقبين، كما يمثل نوعاً
من المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وعقبة أمام تنفيذ مشروع الشرق الأوسط
الجديد.
لكن، الرؤية الأمريكية لما يجري، تتجسد بتوحيد
القوات العراقية تحت راية الجيش العراقي، وتأتمر بأمرة قادة تم انتخابهم من قبل
الشعب، على عكس ما تتجه له الأمور، وفقا لمسؤول أمريكي، أن الحشد سيكون تحت أمرة
"دولة أخرى".
ففي أحدث تحذير أمريكي للحكومة العراقية بشأن مخاوف
واشنطن من مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي، ما أبلغه وزير خارجية الولايات المتحدة،
ماركو روبيو، في اتصال هاتفي مع رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الأربعاء،
من أن "تشريع هذا النوع من القوانين سيؤدي إلى ترسيخ النفوذ الإيراني والجماعات
المسلحة الإرهابية التي تقوض سيادة العراق"، وفقاً لما ذكرته المتحدثة باسم الخارجية
الأمريكية، تامي بروس.
كما شدد وزير الخارجية الأمريكي، في بيان، على ضرورة
محاسبة المتورطين بالهجمات الأخيرة التي استهدفت البنية التحتية للطاقة في إقليم كوردستان
بما في ذلك التي تديرها شركات أمريكية، مؤكداً على أهمية قيام الحكومة العراقية بمحاسبة
المتورطين ومنع وقوع هجمات مستقبلية.
نفي لنفوذ إيران
وبهذا السياق، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية،
علي نعمة البنداوي، إن "الحشد الشعبي مؤسسة أمنية عراقية تتقاضى رواتب من الحكومة
وتأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة العراقية، وحالها كباقي الأجهزة الأمنية
في وزارتي الداخلية والدفاع وجهازي مكافحة الإرهاب والأمن الوطني".
ويضيف البنداوي لوكالة شفق نيوز، أن "الحشد
الشعبي تأسس استناداً إلى فتوى المرجعية الدينية، ما يجعله قوة عقائدية، وقانونه مهم
لتنظيم هيكلته والوضع المعيشي لأفراده، لكن تتذرع أمريكا بوجود نفوذ إيراني فيه وكذلك
في محاولة تشريع قانونه، وهذا غير صحيح".
ويؤكد، أن "القانون نوقش داخل لجنة الأمن والدفاع
وجميع الفقرات المتضمنة بالقانون كانت مقترحة من رئيس هيئة الحشد الشعبي وأرسلت من
قبل الحكومة، وتمت مناقشتها بشكل مستفيض داخل لجنة الأمن والدفاع، لذلك التدخل الأمريكي
وغيره في صياغة قوانين مجلس النواب مرفوضة وغير مسموح بها".
ويشير إلى أن "انسحاب بعض القوى السياسية من
جلسة قراءة القانون، الأربعاء الماضي، كانت خطوة غير صحيحة، رغم أن الأغلبية للإطار
التنسيقي وتحالف (إدارة الدولة) لذلك يمكن تمرير القوانين التي يريدها، لكن الإطار
يؤمن بالشراكة سواء في اتخاذ القرارات أو في إدارة الدولة".
ويشدد البنداوي، أن "مجلس النواب والجهات الأخرى
عازمة على المضي في تشريع قانون الحشد الشعبي لأنه مهم ويخدم شريحة كبيرة من الشعب
العراقي التي قاتلت واعطت الشهداء، وأن هذا القانون يهدف إلى تنظيم أوضاعهم ومنح الحقوق
للشهداء والجرحى".
وكان رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، كشف في
لقاء متلفز، الأسبوع الماضي، وصول رسائل أمريكية إلى جميع القيادات السياسية في العراق،
تؤكد أن واشنطن تدعم دمج قوات الحشد الشعبي ضمن المنظومة الأمنية، وليس مجرد إعادة
هيكلتها.
وأوضح أن "المسألة لا تتعلق بحل الحشد، بل
بتنظيم عمله وتوحيد السلاح تحت سلطة الدولة"، مبيناً أن "الحكومة أرسلت قانون
هيكلة الحشد إلى البرلمان دون تحديد واضح للمناصب والصلاحيات، ما يصعّب منح الحقوق
دون وجود إطار مؤسسي دقيق".
وعلى إثر هذه التصريحات، تعرض المشهداني لهجوم من
عدد من أعضاء مجلس النواب، وبينما وصفوا تصريحاته بـ"المريبة" أعلنوا جمع
تواقيع لاقالته من منصبه، كما أبلغ عن ذلك في حينها النائب المستقل علاء الحيدري لوكالة
شفق نيوز.
هذا وكان مجلس النواب العراقي، أنهى الأربعاء الماضي،
16 تموز/ يوليو الجاري، القراءة الثانية لمشروع قانون هيئة الحشد الشعبي، خلال جلسته
الاعتيادية التي عُقدت برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس محسن المندلاوي، وبحضور
172 نائباً.
وأوضح المندلاوي في بيان، ورد إلى وكالة شفق نيوز،
أن "القانون الجديد سيحل بديلاً عن القانون النافذ لعام 2016، ويهدف إلى تنظيم
هيكلية الهيئة وتحديد واجباتها وصلاحياتها، واستحداث تشكيلات جديدة لتطوير المؤسسة،
إضافة إلى منح رئيس الهيئة الصلاحيات اللازمة لتحقيق أهداف هذا التشريع".
فيما أشار مراسل شفق نيوز، في حينها، إلى أن عدداً
من نواب الكتل الكوردية والسنية انسحبوا من الجلسة احتجاجاً على إدراج قانون الحشد
الشعبي.
ما تريده واشنطن
ويقول كبير الباحثين في المجلس الأطلسي، ونائب
مساعد وزير الامن الداخلي الأمريكي الأسبق لسياسات مكافحة الأرهاب، توماس واريك،
لوكالة شفق نيوز، إن "العراق يبدو أنه يُرسّخ هيكل جيش لا يوالي الحكومة العراقية
بالكامل، لذا، يبقى السؤال المطروح دائمًا: هل سيستمعون إلى أسياد آخرين إلى جانب السلطات
الشرعية للحكومة العراقية؟".
ويضيف واريك، الذي كان مسؤولا بوزارة الخارجية الأميركية
سابقا، أن "هناك بعض العبارات المحددة التي أعرفها، والتي كانت تُثير بعض القلق
فيما يتعلق بما إذا كان مشروع القانون ينص حاليًا على أن الحشد الشعبي هو الضامن للنظام
السياسي، وهذا أمر مُثير للمشاكل، لأن بعض الميليشيات يبدو أنها تُفضّل نفوذًا إيرانيًا
أكبر من لوبي التغيير في الجيش العادي".
ويؤكد أن
"بعض الأحكام معقولة تمامًا، لكن هناك أحكامًا أخرى
تُثير قلقًا بالغًا، وما تُفضّل الولايات المتحدة رؤيته هو، بدلًا من أن تكون قوات
الحشد الشعبي وحدات منفصلة لا يتم اختيار قادتها بالكامل من قبل الجيش العراقي، هو
أن يستقبل الجيش النظامي أفراد من الحشد الشعبي، الذين يرغبون في الخدمة فيه".
ويبين أن "الولايات المتحدة ليس لديها مواعيد
نهائية بشأن حالة العراق، لذلك أنا لا أفكر في المواعيد النهائية، لكنها تريد أن ترى
العراق يصبح دولة مثل معظم دول العالم، حيث يوجد جيش وطني موحد يستجيب للقادة الدستوريين
المنتخبين من قبل الشعب، والمشكلة هي أن قوات الحشد الشعبي في الماضي كان لديها قادة
موالون لدولة أخرى أكثر من ولاءهم للقادة العراقيين المنتخبين".
هزة لعلاقة بغداد وواشنطن
وللوقوف على أسباب هذه النظرة الأمريكية للحشد الشعبي،
يشرح رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري، أن
"الولايات المتحدة تعتقد أن الحشد الشعبي مؤسسة سياسية تمتلك مشروعاً سياسياً
واقتصادياً، وليس تشكيلاً أمنياً يرضخ لسلطة الدولة العراقية".
ويضيف الياسري لوكالة شفق نيوز، أن "هذه النظرة
الأمريكية تتجلى بشكل واضح في عهد ترامب الذي استهدف في ولايته الأولى نائب رئيس هيئة
الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، الذي يعد أحد مؤسسي الحشد وأبرز قياداته، والذي كان
برفقة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، قرب مطار بغداد الدولي في 3 كانون الثاني/
يناير 2020".
وهذا الاستهداف، بحسب الياسري، "يوضح رؤية
إدارة ترامب لمؤسسة الحشد الشعبي التي تعتقد أنها تقوض دور وسلطة النظام الذي أنتجته
أمريكا في العراق، وأي محاولة لإضفاء تشريعات تعزز سلطة الحشد الشعبي هي نوع من صناعة
الغطاء القانوني للميليشيات التي يديرها الحرس الثوري في الداخل العراقي، وفق التصور
الأمريكي".
ويمضي الياسري في تحليله، "لذلك أي عملية تعزز
استقلالية وتقوية دور الحشد الشعبي في مرحلة ترامب تحديداً تعتبر تحدياً لأمريكا في
ظل وضع حرج قد يستغل لمهاجمة العراق، خصوصاً بعد اتهام الفصائل بالاستهدافات الأخيرة
في دهوك وأربيل التي طالت مواقع النفوذ الاقتصادي الأمريكي في منطقة إقليم كوردستان".
أما الحكومة العراقية فهي تحاول، وفق الياسري،
"إنهاء الدورة البرلمانية بتشريع قانون ينظّم حضور الحشد الشعبي واستقلاليته،
في إطار ما تعتبره احتواءً أمنياً، لكن هذه الخطوة قد تعارض نهج إدارة ترامب التي لديها
تحفظ مسبق على حكومة السوداني، ما قد يؤدي إلى اهتزاز العلاقة الاستراتيجية بين البلدين".
وبناءً على ذلك، يشدد الياسري، أن "على الساسة
العراقيين الانتباه بأن تعزيز التشريعات التي تمنح الغطاء الشرعي والقانوني للفصائل
العراقية سوف يعزز مفهوم القطيعة مع واشنطن، وبالتالي المواجهة مع الولايات المتحدة".
انتهاك للسيادة
لكن في المقابل، يعتبر المحلل السياسي، صباح العكيلي،
أن "التدخل الأمريكي في صياغة القوانين هي انتهاك سافر للعراق، لذلك على الحكومة
العراقية التصدي لهذه المواقف التي تخل بالسيادة والاستقلال، وعدم القبول بفرض الولايات
المتحدة أجنداتها على البلاد وعلاقاتها مع دول الجوار".
ويرى العكيلي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن
"أمريكا وإسرائيل لديهما مشروع لشرق أوسط جديد، يعبرون عنه بـ(إسرائيل الكبيرة)،
وهذا ما يلاحظ بالتوغل داخل سوريا في السويداء وكذلك في لبنان وغيرها، لذلك يسعيان
إلى إبعاد كل المعرقلات أمام تنفيذ هذا المخطط بسلب عناصر القوة من الجميع في المنطقة،
بما فيها العراق".
وبحسب هذا المشروع، فإن العراق حالياً، وفق العكيلي،
"في وسط العاصفة، لذلك من الخطأ الفادح حل أو تحييد الحشد الشعبي الذي يمثل عنصر
قوة العراق واثبت قدراته على مكافحة الإرهاب، إذ أن العراق بلا الحشد الشعبي سيكون
مصيره كمصير سوريا والدول التي بصدد تفكيكها وتقسيمها وتحويلها إلى دويلات صغيرة".
وخلص العكيلي في نهاية حديثه، إلى التشديد على أهمية
تشريع قانون الحشد الشعبي معتبراً أن "من يتخلى عن التصويت على هذا القانون يُعد
متماشياً مع الأجندات الأمريكية والإسرائيلية ويساعد على تطبيق مشروع الشرق الأوسط
الجديد".