طريق شائك.. هل تنجح بغداد في لجم السلاح المنفلت عبر بوابة "أور"؟
شفق نيوز/ يوجد في العراق من 13 – 15 مليون قطعة سلاح من جميع الأنواع، يجري تداولها في أيدي المدنيين دون سيطرة حقيقية من الدولة عليها، وفي خطوة جديدة من الحكومة لحصر السلاح بيد الدولة، فتحت وزارة الداخلية مكاتب تسجيل الأسلحة في جميع المحافظات لمعرفة كميتها ومصادرها ومالكيها وفيمَ تُستخدم.
ومنذ عام 2003، يمثّل السلاح المنفلت تحدياً كبيراً أمام الحكومات العراقية المتعاقبة، التي تسعى إلى نزع السلاح من المواطنين، وحصره بيد الدولة عبر خطط تشمل جوانب إعلامية وقانونية وإدارية.
ويتسبب انتشار الأسلحة غير المصرح بها بمئات الوفيات كل عام، حيث إن عمليات إطلاق النار تستمر في حفلات الزفاف أو الجنازات أو حتى في مباريات كرة القدم، ويُنظر إلى هذه الممارسات على أنها تقليدية، لكن غالباً ما تكون عواقبها وخيمة، وفي نهاية عام 2023، أطلقت الحكومة العراقية حملة لاستعادة هذه الأسلحة غير المصرح بها.
وأعلنت وزارة الداخلية، أول أمس السبت، وتماشياً مع البرنامج الحكومي الذي طرحه رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، وبهدف تعزيز السلم المجتمعي "إقرار السياسة الوطنية لتنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة"، الذي انبثق عنه اللجنة الدائمة لتنظيم الأسلحة في وزارة الداخلية.
كما أطلقت الوزارة، الاستمارة الالكترونية لتسجيل أسلحة المواطنين من خلال الموقع الإلكتروني لبوابة "أور" في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وستكون على ثلاث مراحل وإنشاء مكاتب تسجيل الأسلحة البالغ عددها 697 مكتباً للتسجيل في مراكز الشرطة المحلية في عموم محافظات ومدن وقرى وقصبات العراق عدا إقليم كوردستان.
لا سيطرة على الأسلحة
وفي هذا السياق، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، ياسر اسكندر وتوت، أن "لا سيطرة على السلاح في العراق، ولن تتم السيطرة عليه"، رغم أهمية خطوة وزارة الداخلية بتسجيل الأسلحة، الذي رأى أنها تأتي لـ"معرفة أعداد الأسلحة المنتشرة في البلاد، وكشف عائديتها في حال حصول أي حوادث جنائية".
وقالت وزارة الداخلية، أمس الأحد، إنّ أعداداً كبيرة من المواطنين بدأت تسجيل الأسلحة الخاصة، بعد إطلاق الاستمارة الإلكترونية عبر بوابة "أور"، لافتة إلى أن هذا "الإقبال الكبير" تعبيراً عن "شعور عالٍ بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية في منحى داعم لعمل الأجهزة الأمنية".
وذكرت الوزارة، أنّ عدداً كبيراً من المواطنين "سجلوا أسلحتهم في مختلف محافظات البلاد، عبر الاستمارة الإلكترونية التي أطلقتها"، موضحة أنّ "محافظة ميسان كانت المحافظة الأعلى في إقبال المواطنين على تسجيل أسلحتهم، ثم محافظة النجف، وبغداد الرصافة وباقي محافظات البلاد، بوتيرة متصاعدة للتسجيل الإلكتروني للأسلحة".
إجراءات غير مشجعة
من جهته، رأى مدير مركز الاعتماد للدراسات الأمنية والاستراتيجية، اللواء الركن المتقاعد الدكتور عماد علو، أن وضع استمارة إلكترونية في بوابة "أور" التابعة لرئاسة الوزراء هي خطوة على طريق طويل لحصر السلاح بيد الدولة.
وتهدف الاستمارة إلى معرفة عدد الأسلحة في البلاد، والتي تشير التقديرات إلى وجود 13 - 15 مليون قطعة سلاح خارج سيطرة الدولة، كما تهدف الاستمارة أيضاً إلى حصر كمية الأسلحة المتواجدة لدى المواطنين بقطعة سلاح واحدة فقط لكل منزل، وفق علو.
لكن الخطوات التي سوف تعقب دخول المواطنين لهذه الاستمارة وتسجيل المعلومات المطلوبة منهم في الاستمارة، تستدعي تدخل مركز الشرطة القريب من سكن المواطن، بحسب علو، الذي تحدث لوكالة شفق نيوز.
وهذا التدخل سيشمل مراجعات المواطن لمركز الشرطة، ومن ثم تحال الاستمارة إلى مركز شرطة آخر مختص بجمع الاستمارات وإلى شعبة حيازة السلاح الناري في وزارة الداخلية، وهذه الشعبة ستنظر بطلبات تسجيل السلاح ومنح إجازة الحياز وليس الحمل للمواطن، وهذه العملية تستغرق فترة طويلة، وفق قوله.
وبين علو، أن خطوة مراجعة المواطن لمراكز الشرطة ستشكل حاجزاً لبعض المواطنين، إذ ما يزال هناك نوع من التردد بالذهاب إلى مراكز الشرطة أو مجيء الشرطة إلى المنزل، لذلك ستكون هذه الخطوة عائقاً أمام حماسة المواطنين لتسجيل ما بحوزتهم من أسلحة، وسيحد هذا الإجراء من فاعلية هذه الخطوة التي ارتأتها وزارة الداخلية منذ العام الماضي.
واعتبر أن إجراءات عملية حصر السلاح بيد الدولة تتضمن ضرورة التعامل مع وسائل الاتصال إلكترونياً، في وقت إن الكثير من الأسلحة هي موجودة في المناطق الريفية وعادة ما تستخدم في النزاعات العشائرية، لذلك هي تشكل الخطر الأكبر على الأمن والسلم الأهلي، لكن يصعب على مالكيها الدخول على المواقع ووسائل التواصل الإلكترونية لغرض التسجيل في الاستمارة.
إذن لا بد، وفق علو، من التفكير بحل هذه الإشكالية بأساليب أخرى تشجع المواطن على الدخول إلى موقع بوابة أور والتسجيل في الاستمارة وتقليل التعقيدات التي تتعلق بمركز الشرطة.
وأشار إلى أن مجلس الوزراء وافق أيضاً على منح مليار دينار عراقي لكل محافظة لغرض شراء الأسلحة المتوسطة والثقيلة من المواطنين، وهو ما يؤكد جدية حكومة محمد شياع السوداني باتخاذ خطوات لحصر السلاح بيد الدولة تطبيقاً للمنهاج الحكومي.
وسبق أن أعلنت وزارة الداخلية، في أيار/مايو الماضي، عن خطة تشمل جوانب إعلامية وقانونية وإدارية، لحصر السلاح بيد الدولة، منها إجراء عمليات تفتيش ومصادرة للأسلحة الخفيفة غير المسجّلة، وتقديم مالك السلاح المتوسط والثقيل للمساءلة القانونية.
وكان وزير الداخلية، عبدالأمير الشمري، ترأس العام الماضي، اجتماع اللجنة الوطنية الدائمة لتنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة، بحضور مديرة البرنامج العالمي للأسلحة النارية في مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات سيمونيتا غراسي، وفيه جرى الاتفاق على إجراءات نظامية وقانونية مشددة لتنفيذ حصر السلاح بيد الدولة وترخيص الأسلحة بشكل قانوني وردع استخدام غير المرخصة منها.
نزع السلاح
وتلجأ بعض الحكومات بعد أن ترهقها النزاعات والحروب أو الحروب الأهلية إلى اتخاذ قرارات نزع السلاح من المدن لإنقاذ الناس وإزالة آثار الحروب والدمار، بحسب الخبير القانوني، علي التميمي.
وقال التميمي، لوكالة شفق نيوز: "يرافق كل ذلك عادة من الحكومات قرارات صارمة وقوانين وعقوبات لمن يخالف هذه الإجراءات، وقد يرافقها حملات وإجراءات لسحب الأسلحة".
لكن المشكلة في العراق، وفق التميمي، قانونية أيضاً، إذ إن قانون الأسلحة العراقي 51 لسنة 2017 أجاز بيع الأسلحة في المحلات، ولم يتشدد في عقوبة الحيازة، لهذا يحتاج القانون إلى التعديل، مقترحاً أن تقوم الدولة بإعلان شراء الأسلحة من المواطنين مقابل المال، لتكون بوابة لسحب الأسلحة.