ضرائب ترامب تضيق الخناق..  هل العراق أمام خيار "الأسواق البديلة"؟

ضرائب ترامب تضيق الخناق..  هل العراق أمام خيار "الأسواق البديلة"؟
2025-07-10 16:34

شفق نيوز– بغداد/ البصرة

يقلل خبراء في الشأن الاقتصادي من تأثير فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعرفة جمركية بنسبة 30% على الصادرات العراقية إلى الولايات المتحدة، وذلك لتدني حجم هذه الصادرات، معتبرين هذا القرار غير منطقي لميل الميزان التجاري لصالح واشنطن في الأساس.

لكن رغم ذلك، يقترح المتخصصون تقليل حجم الاستيراد من الولايات المتحدة وتحويل البضائع إلى بدائل من دول مثل تركيا، إيران، الصين، وفي الوقت نفسه زيادة الاعتماد على الصناعة المحلية، مثل بعض الأدوية والمعدات البسيطة.

وبهذا السياق يقول المتحدث باسم غرفة تجارة بغداد، رشيد السعيدي، إن "حجم التعامل مع أمريكا هو بحدود ملياري دولار للنفط الذي هو غير مشمول بالرسوم، لكن تبقى هناك التجارة الأخرى التي تحاول الحكومة تجاوزها باتخاذ عدة إجراءات".

وينوه السعيدي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الميزان التجاري الأمريكي العراقي لا يمثل الحقيقة، لأن هناك الكثير من المواد والسلع التي تأتي إلى العراق منشأها أمريكي لكن عن طريق دول أخرى، وبالتالي هي غير مدرجة ضمن ميزان التجاري العراقي الأمريكي".

ويشير إلى أن "منح وكالات حصرية للتجار العراقيين بدلاً من الاعتماد على وكلاء في دول أخرى، من شأنه أن يُسهم في زيادة التبادل التجاري المباشر بين العراق والولايات المتحدة، ويعزز من ظهور البيانات الحقيقية لحجم التعامل الثنائي في الإحصاءات الرسمية".

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعلن يوم أمس، عن فرضه رسوماً جمركية على العراق والجزائر وليبيا نسبتها 30%.

وأصدر ترامب، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز"، مجموعة من الرسائل المتعلقة بفرض تعريفات جمركية على ست دول، من بينها الجزائر وبروناي والعراق وليبيا ومولدوفا والفلبين.

وتدعو الرسائل إلى فرض تعريفات جمركية بنسبة 30% على الجزائر، و25% على بروناي، و30% على العراق، و30% على ليبيا، و25% على مولدوفا، و25% على الفلبين.

أسواق بديلة

من جهته، يشير رئيس اتحاد رجال الأعمال في البصرة، صبيح الهاشمي، إلى أن "استيراد البضائع من الولايات المتحدة قليل لا يتجاوز نسبة 5 بالمئة مقارنة بالاستيرادات من إيران وتركيا والصين وغيرها من الدول".

ورغم ذلك، يتوقع الهاشمي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، "حصول تأثيرات سلبية على أسعار السوق، ما يتطلب من الجهات المعنية متابعة السوق وعدم السماح برفع الأسعار أكثر من المقرر".

كما يدعو الهاشمي إلى اللجوء للأسواق البديلة، "إذ لا ضرورة من استيراد المواد من أمريكا حصراً، لذلك يمكن تعويض الاستيرادات من الأسواق الصينية أو التركية أو الإيرانية أو غيرها من الدول". 

صناعة محلية

وبهذا الصدد، يوضح الخبير الاقتصادي، مصطفى الفرج، أن "الارتفاع المباشر في أسعار الاستيراد بنحو 30%، يؤدي إلى ارتفاع تكلفة السيارات والأدوية والمعدات الطبية الأمريكية، وبالتالي لها تأثير سلبي على ميزانية المستوردين الحكومية والخاصة، مما قد يرفع ضغوط التضخم (خاصة في قطاع الرعاية الصحية والنقل)".

وعن البدائل الممكنة، يقترح الفرج خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، "تقليل حجم الاستيراد من الولايات المتحدة وتحويل البضائع إلى بدائل من دول مثل تركيا، إيران، الصين (التي تغطّي حالياً نحو 20 % من الواردات العامة للعراق)".

ويضيف، "كذلك زيادة الاعتماد على الصناعة المحلية، مثل بعض الأدوية والمعدات البسيطة، وتعزيز الشراكات مع دول الخليج (مثل الإمارات) التي تنتج أجهزة طبية ومركبات بأسعار منافسة".

وكان المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، قال لوكالة شفق نيوز، أمس الأربعاء، إن "فرض رسوم بنسبة 30% لا يبدو منطقياً في ظل غياب صادرات عراقية فعلية غير النفط الخام - المعفى من الرسوم أساساً - إلى السوق الأمريكية".

في المقابل، أوضح صالح، أن "السوق العراقية تستورد سنوياً ما قيمته نحو 1.5 مليار دولار من السلع والخدمات الأمريكية، تتنوع بين المعدات الهندسية والكهربائية، والأدوات الاحتياطية، والأجهزة الدقيقة، والطائرات المدنية، والتقنيات الرقمية، والخدمات اللوجستية المتقدمة، إلى جانب السيارات والمنتجات الزراعية".

ورأى صالح في الختام، أن "ما يمكن استنتاجه من رسالة البيت الأبيض هو أنها تمهّد لتوسيع مساحة التعاون التجاري بين البلدين من خلال تشجيع الاستيراد النوعي من الولايات المتحدة، لا سيما في المجالات التي تخدم أهداف العراق في التنمية المستدامة، مثل الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات، والسلع الرأسمالية والاستهلاكية ذات الجودة العالية".

الأسباب

أما عن أسباب فرض هذه التعرفة الجمركية، يرى رئيس مؤسسة عراق المستقبل، منار العبيدي، أنها "تعود إلى اعتقاد الولايات المتحدة بوجود خلل في الميزان التجاري مع العراق، حيث تُظهر الأرقام فائضاً تجارياً لصالح العراق بقيمة حوالي 2 مليار دولار".

ويوضح العبيدي لوكالة شفق نيوز، أن "صادرات النفط العراقي إلى أمريكا تبلغ نحو 4 مليارات دولار سنوياً، بينما يستورد العراق بضائع أمريكية بقيمة تتراوح بين 2 إلى 3 مليارات دولار، هذا السبب الأول".

أما السبب الثاني، يضيف العبيدي، "هو فرض العراق رسوماً جمركية إضافية على بعض السلع الأمريكية ضمن برنامج حماية المنتجات المحلية، مما اعتبرته الولايات المتحدة تعرفة موجهة ضد بضائعها".

وبناءً على هذين السببين، يقول العبيدي، إن "الولايات المتحدة رأت أن التجارة مع العراق تُسبب عجزاً في ميزان مدفوعاتها، مما دفعها لفرض هذه التعرفة، لكن هذا القرار يُعتبر غير منطقي لسببين: الأول، تحليل معمق لميزان المدفوعات يكشف فائضاً لصالح الولايات المتحدة عند احتساب الصادرات غير المباشرة، مثل السيارات الأمريكية التي تُصدَّر إلى دول مجاورة ثم تُعاد إلى العراق".

ويوضخ أن "السبب الثاني: استيراد العراق للإلكترونيات مثل هواتف الآيفون والخدمات، مثل برمجيات Microsoft وإعلانات Meta، التي تُحسب مبيعاتها لدول أخرى في المنطقة تستحوذ على مبيعات هذه الخدمات لمنطقة الشرق الأوسط".

ويبين العبيدي، أن "هذه السلع والخدمات، التي قد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات سنوياً، تُظهر أن الميزان التجاري يميل لصالح الولايات المتحدة بوضوح".

وعن تأثير القرار، يتوقع العبيدي، أنه "لن يكون له أثر كبير على العراق، لأن النفط الخام، الذي يشكل الجزء الأكبر من صادرات العراق إلى أمريكا (حوالي 5% من إجمالي صادراته النفطية)، مستثنى من التعرفة، وحتى لو شُمل النفط، فإن التأثير على الاقتصاد العراقي سيكون محدوداً".

ووفقاً لما سبق، يرى العبيدي، أن "العراق أمام خيارين: التقارب أو التصعيد، أما الخيار الأول، فهو يتطلب رداً دبلوماسياً بإرسال رسالة رسمية من أعلى مستوى في الحكومة العراقية".

وتتضمن هذه الرسالة، وفق العبيدي، "توضيح حجم الواردات المباشرة وغير المباشرة من الولايات المتحدة، تؤكد أن الميزان التجاري يميل لصالح أمريكا، وتبين مقدار خطأ الاحتساب، وضرورة رفع هذه التعرفة الكمركية، اعتماداً على تفصيل استيرادات السلع والخدمات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة".

وكذلك يجب تضمين الرسالة، "طلب العمل المشترك بين البلدين لتحويل جميع استيرادات العراق من السلع والخدمات بطريقة مباشرة دون الحاجة إلى المرور بدول أخرى من خلال لجان مشتركة بين البلدين".

أما الخيار الثاني (التصعيد)، فهو بحسب العبيدي، "يكون عبر فرض رسوم على الخدمات والسلع الأمريكية مثل السيارات والإلكترونيات، الذي قد يكون له تأثير سيادي رمزي فقط، لكنه سيضر العراق أكثر من الولايات المتحدة وقد يؤدي إلى قيود أمريكية إضافية".

لذلك، يؤكد العبيدي، أن "الخيار الأول هو الأنسب، لأن تجاهل القرار أو التصعيد قد يؤدي إلى تداعيات مستقبلية سلبية على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وربما إلى عقبات أخرى في المستقبل القريب".

ويتابع: "خصوصاً وأن هناك فتوراً في العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق خلال الفترة السابقة، ويحتاج العراق إلى إعادة تطوير هذه العلاقة لتجنب مشاكل اقتصادية مستقبلية".

 

 

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon