صراع في العراق بين التنمية والبيئة.. هور الحويزة يدفع ثمن عائدات النفط (صور)

شفق نيوز/ يشهد هور الحويزة في
محافظة ميسان موجة استكشافات نفطية تقول السلطات إنها "تأتي ضمن خطط تطوير
القطاع النفطي وتحسين الإيرادات المالية"، فيما يحذر سكان محليون ونشطاء
بيئيون من أن هذه التحركات تُهدد الصحة العامة والتنوع البيولوجي، وتتناقض مع
التزامات العراق تجاه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)
التي أدرجت أهوار البلاد على لائحة التراث العالمي عام 2016.
"حقل نفطي أم شريان مائي؟"
في شباط/فبراير 2023، أعلنت
الحكومة العراقية توقيع عقود “الجولة الخامسة” من جولات التراخيص النفطية، متضمنةً
تطوير ستة حقول ورُقع استكشافية، بينها حقل الحويزة الممتد على مساحة 17 كيلومتراً
طولاً و8 كيلومترات عرضاً، والذي أُحيل إلى شركة "جيو جيد الصينية، وإثر ذلك،
تصاعدت المخاوف من أن أعمال التنقيب والحفر في منطقة مدرجة على لائحة التراث
العالمي ستُلحق ضرراً كبيراً بالتنوع الإحيائي، فضلاً عن انتهاك شروط اتفاقية
"رامسار" للأراضي الرطبة.
يؤكد النائب عن محافظة ميسان
جاسم الموسوي، في تصريح لوكالة شفق نيوز، أن “الأهوار تشكل العمود الفقري لحياة
السكان المحليين، فهي مصدر رزقهم من زراعة وتربية حيوانات وصناعة القصب والبردي
وصيد الأسماك والطيور”.
ويشير إلى أنه قدّم في مجلس
النواب، عدداً من المقترحات بشأن مخاطر تطوير حقل الحويزة النفطي “من دون جدوى”
يقول الموسوي إن “محافظة ميسان
تُغدق على موازنة الدولة الاتحادية بما يقرب من 14 مليار دولار سنوياً من عائدات
النفط، لكنها لا تتلقى سوى نصف مليار دولار تقريباً في الموازنة؛ وهذا ليس
عادلاً”. ويلفت إلى أن “الحكومة تريد تطوير حقل الحويزة النفطي، في خطوة تعكس
جهلاً بقيمة الأهوار وتجاهلاً لتداعياتها الصحية والبيئية والاقتصادية على
المواطنين”.
تمّ اكتشاف التركيب الجيولوجي
لحقل الحويزة عام 1975 خلال مسوحات أجرتها شركة (CGG) الفرنسية. بيد أن
الناشط البيئي مرتضى الجنوبي يشير إلى أن "السلطات عمدت إلى تجفيف نهر
الحويزة نهاية عام 2021، فيما تتواصل المناشدات بإنقاذ الهور"، مضيفاً أن “ما
يشاع عن توفير المياه للأهوار عارٍ عن الصحة”.
ويتابع في حديثه لوكالة شفق
نيوز: “عندما بدأت عمليات الاستكشاف النفطي تفاقمت موجة نزوح الأهالي من هور
الحويزة، وباتت عوائل قليلة فقط تعيش قرب المنطقة”.
ويشدّد على أن “هور الحويزة هو
هويتنا الجنوبية، ولن نسمح باستغلاله. إذا أصرت الحكومة على المضي قدماً في مشاريع
النفط، سنلجأ إلى احتجاجات موسّعة”.
وتتزامن عملية الاستكشاف مع
الجفاف الذي يتعرض له هور الحويزة، فيما تؤكد وزارة الموارد المائية وجود تنسيق
بينها وبين وزارة النفط بشأن الاطلاقات المائية.
"مناطق الاستكشافات تؤطّر بسدود ترابية لمنع تسلل الملوثات إلى مياه الهور،
وأن المشاريع النفطية ستعود بالنفع على سكان المنطقة من خلال توفير الخدمات وفتح
الطرق وتأهيل المناطق التي يجري العمل فيها"، بحسب يقول المتحدث باسم الموارد
المائية خالد الشمال لوكالة شفق نيوز.
ويؤكد "عدم وجود تقاطع بين
المناطق الاستكشافية المعزولة ومياه الاهوار".
لكن مسؤول المكتب الإعلامي في
مديرية بيئة ميسان عامر البياتي له رأي أخر، إذ يقر بـ”وجود تأثيرات مباشرة
للاستكشافات على الصحة والبيئة”.
كما يوضح لوكالة شفق نيوز، أن
الشركة الصينية المسؤولة عن تطوير الحقل “لم تبدأ بعدُ بالعمل”، واكتفت بـ”تحديد
المواقع ووضع علامات حمراء عليها”. ويضيف أن “الموافقات البيئية تحدَّد لاحقاً ضمن
ضوابط مشددة، فيما يظل قرار تطوير الحقل نفطياً شأناً حكومياً”.
وبشكل عام، تشكّل الأهوار
خزانًا طبيعيًا يضبط مناسيب المياه في المنطقة، وعند تجفيف أجزاء منها لفتح الطرق
أو لتشييد المنشآت النفطية، تتقلص مساحة الهور وتتراجع معدلات تغذية المياه
الجوفية والسطحية.
وتقع الأهوار في جنوبي العراق
ضمن منطقة ما بين النهرين التاريخية (دجلة والفرات)، وتُعدّ من أوسع المسطحات
المائية الداخلية في منطقة الشرق الأوسط، وكانت هذه المسطحات المائية على مدى قرون
موطنًا فريدًا للسكان المحليين الذين امتهنوا صيد الأسماك وتربية الجواميس وصناعة
القصب والبردي، ما خلق تراثًا ثقافيًا ومجتمعيًا متجذرًا.
أُدرجت الأهوار العراقية على
لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)
عام 2016، ضمن ملف حمل عنوان: "الأهوار (الأهوار الوسطى والحويزة والحمار
الشرقية والغربية) ومدن بلاد ما بين النهرين القديمة".
جاء هذا الإدراج اعترافًا
بالقيمة الاستثنائية للأهوار من حيث التنوع الإحيائي والثراء الطبيعي، بالإضافة
إلى ارتباطها ببقايا مدن حضارية من حقبة بلاد ما بين النهرين، مثل أور وأوروك
وأريدو، التي شكّلت مهدًا للحضارة السومرية.
لكن الخبير البيئي أحمد صالح
نعمة يرى أن “عمليات الحفر والتنقيب في قلب هور الحويزة، ستؤثر مباشرةً على صحة
مواطني محافظة ميسان وعلى مياه الأهوار وسكانها”.
ويلفت نعمة إلى أن “عقد التطوير
يمتد إلى ثلاث سنوات، ولم تبدأ عمليات الحفر حتى الآن، لكن الفرق الزلزالية حددت
مواقع النفط تمهيداً للمرحلة المقبلة، كما أن مشروع تطوير حقل الحويزة النفطي
سيمضي قدما رغم التحذيرات والمحددات البيئية التي تمنع للقيام بمشاريع متداخلة مع
الاهوار"، منوها الى انه "يمكن للناشطين البيئيين والاهالي التحرك
لمعارضة الاستكشاف النفطي، خاصة وان الحقل يقع في قلب هور الحويزة".
في السياق نفسه، يؤكد الناشط
المحلي مصطفى هاشم، وهو من سكان منطقة الحويزة، أن “الآليات دخلت فعلياً إلى منطقة
تشكّل امتداداً مباشراً للهور، ما يُعد خرقاً لاتفاقية (رامسار) الدولية وتعهّدات
العراق بحماية هذا النظام البيئي الفريد”. ويضيف أن “تلك التطويرات النفطية بمثابة
تقويض لجهود حماية الأهوار وسكانها تحت يافطة التنمية الاقتصادية”.
ويذكر ان "دخول الآليات
يعد انتهاكا لكل التعهدات التي وقعها العراق لحماية المكون البيئي الفريد من أي
ضرر"، لافتا الى ان "عمليات تطوير الحقل النفطي هي بمثابة تدمير للاهوار
والسكان تحت غطاء التنمية الاقتصادية".
وتعاني الأهوار منذ سنوات من
شحّ المياه نتيجة بناء السدود في دول الجوار وتغيّر المناخ وارتفاع درجات الحرارة،
ما أدّى إلى تقلص مساحاتها وجفاف مساحات كبيرة منها.
ومع ذلك بدأت الحكومة العراقية
في تنظيم جولات تراخيص نفطية منذ عام 2009، ما فتح الباب أمام شركات عالمية مثل
“بي بي”، و”إكسون موبيل”، و”لوك أويل”، و”بتروتشاينا” وغيرهم لتطوير حقول عملاقة
مثل الرميلة وغرب القرنة ومجنون، وصولاً إلى الجولات الأخيرة التي شهدت استكشافات
في مناطق الأهوار.
يعتمد الاقتصاد العراقي إلى حدّ
كبير على إيرادات النفط، إذ تشكّل هذه العائدات نسبة تفوق 90% من ميزانية الدولة.