صداع بايدن الخارجي.. سيناريو سوداوي قد يدفع لانهيار العراق
شفق نيوز/ دعت مجلة "فورين بوليسي" الادارة الاميركية الى العمل على جمع ما قد يصل الى عشرة مليارات دولار لدعم الميزانية العراقية، محذرة من أن فشل الحكومة العراقية في دفع رواتب موظفي الدولة في شهر يناير/كانون الثاني المقبل، قد يقود الى اضطرابات واعمال عنف، داعية واشنطن الى التحرك قبل فوات الاوان.
وفي مقال مطول ترجمته وكالة شفق نيوز، كتبه الباحثان العراقي فرهاد علاء الدين الأميركي كينيث بولاك، ذكرت "فورين بوليسي" ان أزمة عراقية جديدة هي آخر ما قد يحتاجه الرئيس الاميركي المنتخب جو بادين، وللأسف فانها قد تكون المشكلة الاولى التي قد يواجهها في السياسة الخارجية.
وحذر الباحثان في مقالهما من ان العراق يتجه نحو انهيار مالي، وانه في ظل نظامه الهش الحالي، فان سقوطه ماليا سيؤدي الى تداعي نظامه السياسي والذي بدوره قد يشعل جولة أخرى من الحرب الاهلية.
وبعدما اشارا الى منظومة الفساد القائمة من جانب الوزراء والأحزاب خلال العقدين الماضيين، اعتبرا ان القطاع الخاص تقلص لدرجة انه لا بديل حقيقيا لوظائف القطاع العام الذي تضخم بسب المحسوبيات والبيروقراطية، ما جعل الحكومة الجهة التوظيفية الاكبر، وشريحة كبيرة من المواطنين تعتمد على الدولة في معيشتها، الى جانب السلة الغذائية التي توفرها الدولة ويستفيد منها عدد كبير من الطبقة العاملة والفقراء في العراق.
واوضحا ان العراق يحتاج شهريا الى 5 مليارات دولار لتسديد رواتب ومخصصات التقاعد للموظفين، بالاضافة الى مليارين آخرين لتغطية الخدمات الاساسية والنفقات. لكن منذ تفشي جائحة كورونا وانهيار اسعار النفط، تراجع دخل العراق ما بين 2.3 مليار و3.5 مليار، ما يعني ان العراق يعاني عجزا شهريا يتراوح بين 3.5 مليار و4.5 مليار. وذكرا بان البرلمان وافق مؤخرا على تمويل العجز لشهور اكتوبر ونوفمبر وديسمبر، وان العراق يقع الان تحت دين اجمالي يصل الى 80 مليار دولار.
وبحسب تقرير المجلة الأميركية فانه بحلول صيف العام 2021، فان احتياطات العراق من العملة سيكون منخفضا بشدة، وهناك مجازفة بان تعاني الحكومة من السيولة لدفع غالبية التزاماتها بحدها الادنى. ولهذا تقوم الحكومة بطبع المزيد من العملات الورقية لتمويل القروض الخاصة بها وتغطية الرواتب، ما يهدد بتفاقم التضخم، وقد تضطر الحكومة الى تعويم الدينار وهو ما سيشكل مخاطرة اقتصادية وسياسية كبيرة بدوره.
وفيما قد يواجه الدينار العراقي سقوطا حرا خلال ستة شهور، يأمل بعض المسؤولين الحكوميين ان تعود اسعار النفط الى الارتفاع ما قد ينقذ الوضع.
وأطلق رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي جرس الانذار في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عندما قال "سنواجه مشكلة دفع الرواتب في يناير/كانون الثاني، انني احذركم".
وبعدما نال الكثير من التأييد عندما تولى السلطة، فان هناك الكثير من المخاوف الان في انحاء العراق من ان الكاظمي لا يمكنه اصلاح النظام العراقي المحطم، والازمة الاقتصادية التي قد تنتج عن نفاد الاموال، قد تصبح المسمار في هذا النعش، وسيفقد الكاظمي كل المصداقية. وفي حين ان غالبية الاحزاب ستحاول ان تجعل من الكاظمي كبش فداء، فان الإيرانيين سيستغلون الفوضى للتأكيد على نفوذهم على الحكومة العراقية.
ومن المؤكد ان الازمة المالية ستتسبب باندلاع تظاهرات في الشوارع، والمجموعات المسلحة والعشائرية بما في ذلك المجموعات المدعومة من ايران، ستحاول ملء الفراغ، وقد تتقاتل هذه الجماعات من اجل السيطرة على الاراضي او على الموارد المالية كحقول النفط والموانئ والمعابر الحدودية والاراضي الزراعية والممتلكات العامة.
وامام وضع كهذا، فان النزاع المسلح والاستيلاء على الاراضي، سيصبح امرا شائعا مجددا، باستثناء تلك المناطق التي تتمتع بأمن قوي، كما في اقليم كوردستان. الا انه حتى الاقليم لن يكون بمأمن من الاضطرابات الاقتصادية ما لم يوسع قاعدة موارده، لان الاقليم هو ايضا معتمد ماليا على بغداد.
واضاف الباحثان انه بالنسبة الى الكورد فان الهدف الاوضح بالنسبة اليهم هي كركوك وحقولها النفطية، لكن ذلك قد يشعل النزاع بين اربيل وبغداد، من دون ان ننسى الميليشيات الشيعية التي ستقاوم خطوة كهذه.
ومثلما كان الحال بين أعوام 2005 الى 2007، ومن 2014 الى 2017، فان احترابا اهليا في العراق، سيمتد بالتأكيد الى جيران العراق. ان العراق بكل بساطة مهم لهم جميعا، ومن المتوقع ان يتدخلوا لضمان مصالحهم.
واشار التقرير تحديدا الى تركيا وايران والسعودية من بين الدول التي قد تتدخل، وان العراق قد يسقط في ظل احتراب داخلي تتدخل فيه القوى الاقليمية ضد بعض العراقيين وضد بعضها البعض.
وبسبب كل ذلك، وخطورة الوضع واهمية العراق للمنطقة وسوق النفط العالمي، فان الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لا يمكنهم ان يقفوا مكتوفي الايدي. لكن بطبيعة الحال، فانه في الشهور الستة الاولى من فترة الادارة الاميركية الجديدة، وبسبب الازمة الاقتصادية العميقة ووباء كورونا التي يتحتم التعامل معها، لن يكون بمقدور بايدن ان يجعل العراق اولويته الاكبر، الا ان التصرف مبكرا سيكون اقل كلفة ويتجنب الخيارات الاكثر قساوة لاحقا عندما يكون العراق دخل مرحلة السقوط الحر.
ودعا الباحثان واشنطن الى اظهار زعامتها، وانه من خلال المؤسسات المالية الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودول الخليج وحتى بعض الدول الاوروبية ودول شرق اسيا، بامكانها ان تدفعهم الى جمع بعض الأموال للعراق.
وبما ان مشكلة العراق الآتية هي في السيولة المالية، فانه يحتاج الى المال لمنع الانهيار لنظامه المالي الذي سيكون القطعة الاولى في احجار الدومينو التي ستسقط.
ودعا الباحثان الولايات المتحدة الى تقديم مليار دولار، وهو تعهد سيجعل بالامكان جمع 5 مليارات الى 10 مليارات دولار من الدول الاخرى لصالح العراق.
واعتبرا ان فكرة جمع هذا المال من دافعي الضرائب الاميركيين يجب الا يكون مسألة مستحيلة، لان الاعوام ال12 الماضية قدمت درسين مهمين في هذا الجزء من العالم، اولا ان ما يجري في الشرق الاوسط لا يبقى هناك، وثانيا ان درهم وقاية خير من قنطار علاج، وهو ما اظهرته السياسات الاميركية المأساوية نحو العراق وسوريا وليبيا.
وختما بالقول في "فورين بوليسي" ان الارتداد عن نظرية "الحروب اللامتنهاية" التي كان يرددها دونالد ترامب، ليست سببا للتخلي عن العراق، وانخراط الولايات المتحدة لا يقاس مستواه بعدد الجنود.
واعتبرا انه عندما يتولى بايدن الحكم كرئيس، فان التعامل مع مشكلات العراق قد لا تكون اولويته او رغبته، لكن ازمة بغداد توفر لبايدن فرصة لوضع مصالح الولايات المتحدة هناك، على الطريق الصحيح بأسلوب لم يكن متاحا له في المرة الاخيرة عندما كان مسؤولا عن السياسة العراقية لواشنطن.