سوق الحدادين في الكوفة.. مهنة الأجداد تصارع المستورد والجفاف (صور)

شفق نيوز/ في زوايا سوق الحدادين العريق في مدينة الكوفة بمحافظة النجف، تصدح أصوات المطرقة فوق الحديد، وتتصاعد ألسنة اللهب من الأفران التقليدية التي صمدت لعقود رغم التحديات.
هنا، حيث تناقل الأجداد مهنتهم عبر الأجيال، يقف الحدادون أمام معركة البقاء، متأثرين بدخول الأدوات المستوردة التي غزت الأسواق، وبالجفاف الذي ضرب الزراعة، فقلّ الطلب على أدواتهم اليدوية.
مهنة تواجه الاندثار
يقول ناجي علي حيدري، وهو أحد الحدادين المخضرمين في السوق بعمر 54 عامًا: "هذه المهنة عمل بها أجدادنا منذ قرون. كنا نصنع الباذورة (المنجل) والفالة وأدوات الفلاحين، وكنّا نعتمد على الحديد المستورد الذي كان يأتي مع معدات الزراعة. كنا نقوم بصهره وإعادة تشكيله حسب الحاجة، لكن الآن، مع دخول المستورد الجاهز، تراجع الطلب على صناعتنا".
أما أسعد نجم عبد العبودي (أبو أحمد)، 52 عامًا، فيوضح أن السوق لم يعد كما كان: "كنا نعمل طوال العام، حتى في رمضان، لأن المزارعين كانوا يحتاجون أدواتنا في كل موسم. الآن تغير الحال، فالزراعة تراجعت بسبب الجفاف، والمستورد أرخص رغم أنه أقل جودة. بعض الناس ما زالوا يفضلون أدواتنا لأنها مصنوعة بإتقان، لكن الأغلبية تتجه للمستورد الرخيص".
تأثير المستورد
وتعاني مهنة الحدادة التقليدية من تراجع كبير مع انخفاض الطلب على الأدوات الزراعية، خاصة أن القطاع الزراعي في العراق تأثر بشدة بسبب الجفاف وشح المياه. الفلاحون لم يعودوا يزرعون كما في السابق، وبالتالي لم يعودوا بحاجة للأدوات اليدوية كالمنجل والفالة، بل لجأوا إلى الوسائل الحديثة والمستوردة الأرخص سعرًا.
وبهذا السياق، يضيف الحداد (أبو أحمد): "قبل، كنا نبيع الفالة والمنجل والربد بأنواعه المختلفة للفلاحين، لكن اليوم، مع قلة الزراعة، لم يعد الطلب كما كان. حتى الصيادون الذين كانوا يشترون الفالة لصيد السمك تأثروا لأن المياه قلّت في الأنهار".
صمود أمام التحديات
ورغم هذه التحديات، يرفض الحدادون في الكوفة التخلي عن مهنتهم، فما يزال بعض الحرفيين يعملون في السوق، ورغم قلّة الطلب، يواصلون تصنيع أدواتهم التقليدية للحفاظ على إرثهم الحرفي.
وفي ظل هذه الصعوبات، ما يزال هناك أمل في أن تشهد المهنة انتعاشًا، سواء عبر دعم الصناعة المحلية أو عودة الزراعة إلى سابق عهدها، لتبقى سوق الحدادين في الكوفة شاهدة على تراث لم يندثر رغم رياح التغيير.