"رزق من الجحيم".. كادحون عراقيون ينتزعون قوتهم من تحت الجمر (صور)

بغداد– شفق نيوز
يلسع لهيب النار وجه عامل في مطعم، وهو
يقلب سمكة موضوعة أمامه على الحطب، ويعصر وجهه بقوة جراء الحرارة العالية المنبعثة
من جمر الخشب مع درجات الحرارة المرتفعة جدا والخارجة من الفرن.
وفي مشهد مماثل يرتدي العامل حسام الدين
عباس، اكثر من قميص على الرغم من النار وارتفاع درجات الحرارة، ويغطي وجهه بقطعة قماش
سميكة ويضع قبعة على راسه ويرتدي النظارات والكفوف، وهو يواجه نار الشواء.
هذه المشاهد، مستمرة في الأسواق ومختلف
المطاعم وأفران الصمون، رغم ارتفاع درجات الحرارة، لكن العمال يكافحون ويواصلون عملهم
من أجل لقمة عيش لهم ولأسرهم.
ويقول العامل عباس، إن "الملابس الثقيلة
التي ارتديها هي محاولة للوقاية من الحروق والحرارة العالية".
ويضيف في حديث لوكالة شفق نيوز، أن
"عملنا في المخابز والافران وشي السمك
لايتوقف في مختلف الظروف، ولاتوجد ضوابط او تعليمات معينة ممكن اتباعها لتوقف العمل
خلال درجات الحرارة العالية، لان ذلك مرهون بقرار رب العمل فقط".
ويتابع أن "توقف العمل يتسبب بضرر
للعمال الذين يتقاضون اجوراً يومية او اسبوعية، لعدم احتساب أجر على الايام التي يتوقف
بها العمل".
وتسبب النار والحرارة العالية ومواصلة العمل
بهذه المهن لفترات طويلة، بتعرض بعض العاملين الى اصابات جلدية وامراض اخرى مختلفة
دون ان تحرك الجهات المعنية ساكناً بهذا الشأن.
وبموجب القوانين النافذة، فانه يجب توفير
مسلتزمات السلامة والعمل، بيد ان القوانين ماتزال مجرد حبر على ورق ولم يتم اعتمادها
وتطبيقها في اغلب مجالات عمل القطاع الخاص.
من جانبه، يبين العامل في الأفران، كريم
فرحان في حديث لوكالة شفق نيوز، أنه "مضى 15 عاما على ممارستي العمل في الافران
والمخابز وشي الأسماك، وعملت في مختلف الظروف دون توقف".
ويضيف: "تعرضت مرات عديدة للإصابة
بحروق في وجهي ويدي ودخلت المستشفى اكثر من مرة جراء مضاعفات النار والدخان، اذ تعرضت
مراراً للاختناق".
ويوضح أن "الفرن والشواية، تبلغ
درجة حرارتها 50 درجة مئوية، يضاف لها درجة حرارة الجو التي تناهز الـ50 ايضاً، وبذلك
نحن نعمل بدرجة غليان كاملة، ولم اشكُ يوماً، فنحن نكسب قوتنا بظروف عمل تشبه
الجحيم، فالحياة صعبة، ولدي عائلة اتكفل بالانفاق عليها"، مضيفا باللهجة
العامية "للعيشة كلشي نتحمل".
ويؤكد أن "العمل في بعض الافران يتواصل
على مدى 12 ساعة، وان اقل وقت يقضيه العامل يوميا في مواجهة النار هو 7 ساعات".
ويستطرد أن "كثيراً من العاملين تركوا
العمل في شي الاسماك خلال فصل الصيف لعدم تحملهم ظروف العمل والحرارة القاسية"،
مشيرا الى ان "العمل في مجال شي الاسماك يتطلب وقوف العمال طويلاً تحت الشمس ليواجهوا
النار والدخان والشمس الحارة، وهو لايقوى عليه كثيرون، الا انني اعتدت هذا العمل وتعايشت
معه فهو مصدر رزقي الوحيد على الرغم من الاضرار الصحية التي اتعرض لها والتي تجبرني
على ترك العمل لأسابيع".
أما عبد العزيز عبد الواحد، وهو صاحب مطعم
سمك، فيقول في حديثه لوكالة شفق نيوز أنه، "ليس باليد حيله، ولايمكن غلق المطعم
خلال ارتفاع درجات الحرارة لانه سبيلنا الوحيد للعيش".
ويبدي عبد العزيز تعاطفه مع العمال في فصل
الصيف، حيث النار والشمس والدخان، ويثني على جهودهم وصبرهم كما يقول، مشيراً في ذات
الوقت، انه "استبدل عمال شي الاسماك بين فترة واخرى، أما لتركهم العمل او تعرضهم
لإصابات تمنعهم من مزاولة العمل".
إلى ذلك، يوضح الخبير القانوني نور الدين
مهدي، لوكالة شفق نيوز، أن "قانون العمل لسنة 2015 يوجب اتباع تدابير الصحة والسلامة الأساسية وتوفير
بيئة عمل لائقة وصحية وسليمة، وتدريب العاملين على كيفية تجنب المخاطر المهنية ونشر ثقافة الصحة والسلامة
المهنية بين العاملين وتقليص الضوابط الخاصة بمخاطر المهنة في مكان ظاهر في موقع العمل".
ويؤكد أن "قانون العمل يشدد على ضرورة
توفير مستلزمات الاسعافات الطبية الأولية في مكان العمل وضمان اجراء الفحوصات الطبية
الابتدائية والدورية لكافة العمال، للتاكد من سلامتهم من جميع المخاطر المهنية، اضافة
الى توفير معدات الوقاية الشخصية المناسبة للعمال دون ان يتحمل العامل أي تكاليف مالية،
بل يجب توفيرها من قبل ارباب العمل".
ووفقا لأطباء ومختصين، فإن الوقوف لفترات
طويلة في أفران الصمون وشي الاسماك في الصيف، يتسبب بمشاكل في انتظام الدورة الدموية،
اضافة الى ارتفاع معدلات ضغط الدم، وتورم والتهاب
الساقين، وآلام في الظهر والرقبة والكتفين وتشنجات العضلات.
ويؤكد رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال
في العراق ستار الدنبوس، لوكالة شفق نيوز، أنه "على الرغم من العمل الشاق الذي
يزاوله العمال في قطاع الافران والمخابز وشي الاسماك بشكل خاص، والذي يتطلب الوقوف
طويلا تحت الشمس وارتفاع درجات الحراة صيفا، الا انه لم ترد للاتحاد اية شكاوى من العمال
بهذا الخصوص".
ويشدد الدنبوس على ضرورة أن "يعي العمال
وأرباب العمل قانون الضمان الاجتماعي الاختياري والاجباري لانه يصب بصلحة الجميع"،
لافتا إلى "وجود جولات من اعضاء نقابات العمال لمتابعة سير العمل والاطلاع على
الصعوبات التي يواجهها العاملون وتوجيه ارباب العمل لاتخاذ اجراءات السلامة، والاخبار
عن اي حالة صحية يتعرض لها العمال جراء العمل".
وثمة اعتبارات عديدة تدفع العمال عن الامتناع
عن تقديم شكاوى للنقابات المعنية تتعلق بظروف عملهم والمخاطر التي يتعرضون لها، ومنها
الخوف من فقدان العمل وعدم الثقة في الاجراءات التي يمكن ان تتخذها النقابة العمالية،
اضافة الى احباطهم من تغيير بيئة العمل.