رؤية جديدة للشرق الأوسط.. نيجيرفان بارزاني يتصدر النقاشات العالمية في ميونيخ

شفق نيوز/ يأتي حضور رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني في مؤتمر ميونيخ للأمن بمثابة إعلان عن المكانة الخاصة التي بات يتمتع بها الإقليم على الساحة الدولية، في حدث يجمع منذ عقود قادة العالم في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والإعلام.
وقد شكّلت اللقاءات المكثفة وال"رئاسية" التي عقدها بارزاني فرصة استراتيجية للعراق وإقليم كوردستان لاستشراف التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، مما يبرز دور الإقليم كلاعب أساسي في وسط منطقة يشهد تقلبات واضطرابات متزايدة.
لاعب أساسي في قلب التغيرات
شارك نيجيرفان بارزاني في النسخة الـ61 من مؤتمر ميونيخ للأمن، وهو الحدث السنوي الذي يركز على المسائل الأمنية ذات الأبعاد العالمية.
وقد تناوبت اللقاءات العامة والخاصة بين بارزاني ومجموعة من زعماء العالم، بما في ذلك مسؤولين من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وتركيا وسوريا، إضافة إلى ممثلين عن حلف شمال الأطلسي (الناتو) والأردن والبحرين. ومن خلال هذه الاجتماعات، أكد بارزاني أن إقليم كوردستان قد أصبح "لاعباً أساسياً" في المنطقة، الأمر الذي يعكس جاهزية الإقليم والعراق بأكمله لمواجهة التغييرات الجذرية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفقًا لمراقبين، فإن اللقاءات الرفيعة المستوى التي عقدها بارزاني مع مختلف القادة والوزراء والمسؤولين الغربيين ساهمت في فرض حضور قوي للعراق وإقليم كوردستان على الساحة الدولية، مما ساعد في تعزيز مكانة العراق في مؤتمر ميونيخ، بالتوازي مع حضور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. وفي ظل التوترات الناتجة عن أحداث العام الماضي من حروب وأزمات، وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتداعيات الزلزال السوري التي قد تؤثر على العراق والإقليم، برزت أهمية الرسائل التي وجهها بارزاني بشأن السلام والاستقرار.
لم يكن اختيار مؤتمر ميونيخ مجرد صدفة، بل جاء توقيته والمكان الذي اختير لإطلاق تلك الرسائل ذات دلالات استراتيجية كبيرة. فقد شكل المؤتمر منصة لفهم التوجهات الجديدة في السياسة الأمريكية، خاصةً في ظل الحرب الأوكرانية والتحولات في علاقات واشنطن مع موسكو بعد عهد ترامب، فضلاً عن الصراع المستمر في الشرق الأوسط.
في اللقاءات المغلقة التي حضرها أكثر من ستين رئيس دولة وحكومة وأكثر من مئة وزير، استُغل هذا الحدث لتداول الآراء حول قضايا عدة تتراوح بين العلاقات الاقتصادية والسياسية والدفاعية، مما منح بارزاني الفرصة للتأكيد على أهمية دور الإقليم في مواجهة التحديات الأمنية العالمية.
المشاركة السادسة وإبراز التجربة الإقليمية
وبهذا الخصوص يقول المتحدث باسم رئاسة إقليم كوردستان، دلشاد شهاب، بأن مؤتمر ميونيخ يمثل مناسبة سنوية تعقد لمناقشة المسائل الأمنية، حيث تشارك كوردستان في المؤتمر للمرة العاشرة، فيما تُعد مشاركة بارزاني فيه للمرة السادسة.
وأوضح شهاب لوكالة شفق نيوز، أن المنطقة تشهد تغيرات سريعة واضطرابات مستمرة، مما يبرز خبرة الإقليم في مكافحة الإرهاب، خاصة في مواجهة تنظيم داعش. كما أشار إلى أن الملف السوري مثل محورًا حيويًا في اللقاءات، نظراً للتأثير المباشر للصراعات في سوريا على وضع العراق وإقليم كوردستان، خاصةً وأن سوريا دولة جارة تشترك معها في الحدود والمصالح.
وأكد شهاب أن رئيس الإقليم دعا إلى عدم التعامل مع كوردستان كمجرد إقليم ثانوي، بل كجهة استراتيجية رئيسية تحتاج إلى دعم دولي للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، خاصةً في ظل تهديدات الإرهاب والفكر المتطرف التي ما زالت تشكل تحديًا كبيرًا.
الملف السوري: رؤية تعددية ونموذج سياسي مختلف
أحد أهم المواضيع التي تناولها بارزاني من ميونخ كان الملف السوري، ففي مؤتمر صحفي أشار رئيس الإقليم، إلى أن "المسألة السورية كانت واحدة من المحاور الرئيسية في جميع اللقاءات".
وأعرب عن تفاؤله حيال سقوط النظام الاستبدادي في سوريا، داعياً السلطة السورية الحالية إلى إشراك جميع المكونات في عملية الحكم. وصرّح بأن الرئيس أحمد الشرع يمكن أن يكون عاملاً إيجابيًا لاستقرار سوريا وإنقاذ شعبها من المعاناة.
مع ذلك، أضاف بارزاني أن النموذج السياسي المتبع في العراق قد لا يكون مناسبًا لتطبيقه في سوريا بنفس الصيغة؛ إذ تختلف الجغرافيا والمكونات في سوريا عن تلك الموجودة في العراق. ولذا، دعا إلى اعتماد نموذج سياسي يحظى بقبول جميع الأطراف السورية، مما يعكس رؤية تعددية تأخذ في الاعتبار خصوصيات كل بلد، ويؤكد على ضرورة تحقيق مشاركة جماعية لضمان الاستقرار.
تعزيز الدعم الدولي والتحالفات الاستراتيجية
برزت لقاءات بارزاني مع عدد من المسؤولين الأمريكيين كخطوة مهمة لتعزيز العلاقات الثنائية مع واشنطن. ففي لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، وصف بارزاني الاجتماع بأنه "جيد"، مشيرًا إلى أن روبيو لم يمض وقت طويل على تولّي المنصب.
كما أكد على أهمية إبراز العراق كعامل استقرار في المنطقة، حيث جاء ذلك في سياق رسالة مفادها: "باسم العراق وإقليم كوردستان أكّدنا هذه الأمور".
وأوضح بارزاني أن الإدارة الأمريكية الجديدة تنظر إلى الأمور بطريقة مختلفة، مع تركيز الرئيس (ترامب) على إنهاء الحروب وإحلال السلام في المنطقة، وهو ما يتماشى مع احتياجات العالم الراهنة.
ولم يقتصر التفاعل مع المسؤولين الأمريكيين على روبيو، بل التقى بارزاني أيضًا بالسيناتورة إليسا سلوتكين وعضو مجلس الشيوخ كريس فان هولن. حيث ناقش معهم الدعم الأمريكي المستمر للعراق وإقليم كوردستان في مجالات الأمن والدفاع، مع إبراز أهمية تدريب قوات البيشمركة وتعزيز قدراتها في مواجهة الإرهاب. وقد أكد هؤلاء المسؤولون على التزام الكونغرس الأمريكي بدعم الاستقرار في المنطقة وتعزيز العلاقات مع العراق وكوردستان.
التعاون مع تركيا والحلف الناتو
على الصعيد الإقليمي، جاء لقاء بارزاني مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كحدث مهم، إذ أكد على ضرورة استمرار التعاون بين إقليم كوردستان وتركيا على أساس المصالح المشتركة، خاصةً في مجال الأمن والاستقرار الإقليمي. وفي تغريدة على منصة "اكس"، وصف بارزاني فيدان بأنه "صديقه"، مشيرًا إلى أن اللقاء تمحور حول مناقشة التطورات الإقليمية الأخيرة وتعزيز العلاقات بين العراق وكوردستان وتركيا.
كما تطرق بارزاني خلال لقاءاته إلى أهمية تعزيز التعاون مع حلف الناتو، إذ أكد مع الأمين العام للحلف، مارك روت، على ضرورة دعم الناتو لقدرات البيشمركة، لما لهذا الدعم من دور في حفظ الاستقرار والأمن في المنطقة. وأبرز روت أهمية التعاون المشترك بين الناتو والعراق وإقليم كوردستان لمواجهة التحديات الإرهابية التي لا تزال تهدد الأمن الإقليمي.
العلاقات الأوروبية وتأكيد دور الاتحاد
على صعيد العلاقات مع أوروبا، عقد بارزاني اجتماعات مع مسؤولين من ألمانيا وفرنسا والمفوضية الأوروبية. ففي لقاء مع وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، عبّر بارزاني عن تقدير شعب كوردستان للصداقة والدعم المستمر الذي تقدمه فرنسا، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب وترسيخ الاستقرار. كما تم التأكيد على أهمية تطوير العلاقات في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية.
كما التقى بارزاني مع مسؤولي المفوضية الأوروبية، حيث أشادت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين برؤية الإقليم تجاه الملف السوري، وأكدت تقدير الاتحاد الأوروبي لدور كوردستان، مع تسليط الضوء على شجاعة قوات البيشمركة في مواجهة تنظيم داعش. وأشارت فون دير لاين إلى أهمية مشاركة المرأة في جهود مكافحة الإرهاب، مما يبرز بعدًا جديدًا للتعاون الأوروبي مع الإقليم.
لم يقتصر دور بارزاني على الملف الكوردستاني والإقليمي فقط، بل امتد إلى تعزيز صورة العراق. فقد أشار بارزاني إلى أن الوضع في العراق "جيّد" مع وجود مشاريع إنشائية جديدة، وأوضح أن أكبر مشكلة تواجه العراق حاليًا هي الازدحامات المرورية، معبرًا عن تفاؤله بأن العراق لا يعاني من أزمات كبيرة تؤثر على حياة شعبه الذي يستحق حياة أفضل. كما أكد على أن العلاقات بين بغداد وأربيل تشهد تحسنًا ملحوظًا، مع توجيه شكر لرئيس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني على جهوده المبذولة لحل المشكلات بين الجانبين، مؤكدًا أن العمل المشترك يشكل أساسًا لتكامل المصالح.
لقاءات رئاسية وبناء شبكة علاقات دولية
تخللت مشاركة بارزاني في المؤتمر عدد من اللقاءات الأخرى مع مسؤولين من دول عدة، منها لقاء مع وزير الدولة في وزارة الخارجية الألمانية توبياس ليندنر واجتماعات مع ممثلين عن البرلمان الألماني، مما يعكس تقدير الدول الأوروبية لدور الإقليم في مكافحة الإرهاب ودعم قوات البيشمركة.
كما التقى بارزاني مع نائب رئيس الوزراء الأردني ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، حيث تم بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية ودور الأردن في دعم استقرار المنطقة.
وفي إطار التعاون العسكري والأمني، التقى بارزاني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو، الذي أكد أهمية الشراكة مع كوردستان في دعم البيشمركة وتعزيز التعاون مع العراق، مشيدًا بدور الإقليم في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
ولم تغفل اللقاءات الدبلوماسية حضور ممثلين من البحرين، حيث أكد وزير الخارجية البحريني عبداللطيف الزياني على أهمية تعزيز العلاقات مع الإقليم لدعم استقرار المنطقة.
كما توسعت شبكة اللقاءات لتشمل اجتماعات مع رؤساء وزراء من هولندا وبلغاريا وأرمينيا وإستونيا، ما يعكس التنوع والدور الدبلوماسي الكبير الذي يلعبه بارزاني في تأمين مصالح الإقليم والعراق في المحافل الدولية.
ويقول مراقبون إنه من خلال مشاركته السادسة في مؤتمر ميونيخ للأمن، أرسى نيجيرفان بارزاني رؤية جديدة لمستقبل الشرق الأوسط، قائمة على الحوار والتعددية والتعاون الدولي، كما أظهر أن إقليم كوردستان ليس مجرد منطقة جغرافية، بل هو شريك استراتيجي على مستوى العالم، خاصةً في مواجهة التحديات الأمنية والإرهابية التي تهدد استقرار المنطقة.