"إجازة السنوات الخمس" بالعراق.. حلم لتحسين الدخل وكابوس يزاحم العاطلين

"إجازة السنوات الخمس" بالعراق.. حلم لتحسين الدخل وكابوس يزاحم العاطلين
2025-06-04 08:17

شفق نيوز/ تشهد دوائر ومؤسسات الدولة العراقية إقبالاً متزايداً من الموظفين على التقديم للحصول على "إجازة السنوات الخمس"، وهي إجازة طويلة الأمد تمنح للموظف الحكومي مع احتفاظه براتبه الاسمي، ما يتيح له فرصة العمل في القطاع الخاص وتحسين وضعه المعيشي.

وبينما تفتح بعض الوزارات أبوابها لمنح هذه الإجازة سريعاً، تضع وزارات أخرى قيوداً صارمة تجعل الحصول عليها أمراً بالغ الصعوبة.

الإجراءات عائق غير متساوٍ

الدافع الرئيس خلف التقديم على هذه الإجازة، بحسب العديد من الموظفين، هو الحاجة الماسة إلى المال، إذ لا يكفي الراتب الحكومي لتغطية متطلبات الحياة الأساسية.

وتُمنح الإجازة بشروط، أبرزها عدم حاجة الدائرة لخدمات الموظف، الأمر الذي يسهل في وزارات تعاني من الترهل الوظيفي، ويصعب في وزارات أخرى تحتاج إلى كل كادرها، مثل وزارتي الصحة والتعليم العالي.

تحذيرات من بطالة مقنعة

عضو اللجنة المالية في مجلس النواب الاتحادي، جمال كوجر، يحذر خلال حديثه لوكالة شفق نيوز،  من المخاطر الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على هذه الإجازات، قائلًا: "لا توجد إحصائية دقيقة بعدد الموظفين الذين حصلوا على إجازة السنوات الخمس، وبالتالي لا يمكن حساب المبالغ التي توفرها هذه الإجازة للحكومة الاتحادية".

ويضيف أن "الموظف الذي ينخرط في سوق العمل الخاص أثناء تمتعه بالإجازة، قد يشكل عبئاً تنافسياً على أصحاب المهن والحرفيين والعاطلين عن العمل، ما قد يسهم في ارتفاع نسب البطالة بشكل غير مباشر".

ويشير كوجر، إلى أن "هناك وزارات ترحب بهذه الإجازات لتقليص الترهل، بينما ترفضها وزارات حيوية تعاني من نقص الكوادر"، مؤكداً أن "وزارة الصحة والتعليم العالي لا تستطيع التفريط بكفاءاتها".

وكانت الحكومة قد وضعت في وقت سابق ضوابط صارمة بشأن الإجازة، أبرزها استرداد الرواتب المصروفة إذا لم يُكمل الموظف مدة الإجازة، لكن مجلس النواب ألغى هذا الشرط العام الماضي، ما شجع على التقديم لهذه الإجازة دون خشية فقدان الامتيازات المالية.

الإجازة سلاح ذو حدين

الخبير الاقتصادي علي دعدوش، من جانبه يقول لوكالة شفق نيوز، إن "الإجازة يمكن أن تسبب إرباكاً في بعض القطاعات الحيوية، مثل الطب والهندسة والتعليم، ولاسيما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية".

ويتابع دعدوش، قائلاً: "رغم بعض السلبيات، فإن هذه الإجازة توفر للدولة مبالغ كبيرة، فعلى سبيل المثال، إذا حصل 100 ألف موظف على هذه الإجازة بمتوسط راتب شهري يبلغ 500 ألف دينار، فإن الدولة توفّر نحو 600 مليار دينار سنوياً".

ويضيف أن "هذا النظام يمكن أن يحرّك الاقتصاد من خلال إدخال كفاءات جديدة إلى القطاع الخاص، لكنه في المقابل قد يُفاقم أزمة البطالة، لأن دخول موظفين مؤهلين إلى السوق قد يُضيّق فرص العمل أمام الخريجين الجدد والعاطلين عن العمل".

لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة بشأن عدد الموظفين المستفيدين من الإجازة، إلا أن وزارة الصحة أعلنت في عام 2023 عن منح أكثر من 2400 موظف من ملاكاتها هذه الإجازة.

وفي ذات السياق، يقول خالد محمد، وهو موظف في وزارة الصحة، إن "الحصول على الإجازة في وزارته صعب للغاية"، مرجعاً السبب إلى "قلة الكوادر وحصول العديد من الموظفين على قروض مصرفية تمنعهم من ترك الوظيفة".

وووفقاً لمحمد، فقد قدم طلبات عدة للحصول على الإجازة، لكن جميعها قوبلت بالرفض بسبب التزاماته المالية، مضيفاً أن القانون لا يسمح لمن عليه قرض بالحصول على الإجازة.

كما يؤكد أن الموافقة على الإجازة تتطلب دعماً مباشراً من المسؤول الإداري مع تأكيد بعدم الحاجة لخدمات الموظف، وهو ما يصعب تحقيقه في وزارة تعاني من نقص في التخصصات.

ويلفت إلى أن الموافقات تُمنح غالباً لبعض الصيادلة وأطباء الأسنان، لوجود فائض في أعدادهم.

تجارب شخصية

العديد من الموظفين الشباب يرون في الإجازة فرصة لتحسين ظروفهم الحياتية، سواء بشراء عقار أو تسديد ديون أو العمل الحر.

رسل حميد، موظفة في إحدى الدوائر الحكومية، تقول إنها بدأت إجازتها منذ عامين، مضيفة: "راتبي لا يكفي حتى لتلبية الحاجات الأساسية، وجدت في القطاع الخاص فرصة براتب أعلى، لذا قررت تقديم الطلب".

وتواصل حميد حديثها: "غالبية الموظفين يفكرون بالأمر نفسه، خاصة بعد أن ضمنوا حقوقهم التقاعدية من القطاع العام".

من جهته، يرى إحسان عبد علي، أن حصوله على الإجازة لم يكن سهلاً بسبب الإجراءات الروتينية، لكنه أصر على ذلك بسبب ظروفه المعيشية، مبيناً أنه يعمل الآن حداداً، ومتوسط دخله اليومي يتراوح بين 80 و100 ألف دينار، ما يساعده في تسديد ديونه وشراء قطعة أرض.

وفي جانب مختلف، ترى بعض الموظفات أن الإجازة تمثل فرصة للتفرغ للأسرة، حيث تؤكد فاطمة زاهر، وهي موظفة حكومية، أنها حصلت على الإجازة لرعاية طفلها الصغير، موضحة أن "العديد من الموظفات المتزوجات يفضلن الإجازة الطويلة لإدارة شؤون الأسرة بعيداً عن ضغط العمل اليومي".

رغم الفوائد المالية والتنشيط النسبي للقطاع الخاص، تبقى "إجازة السنوات الخمس" قضية جدلية تحتاج إلى تنظيم دقيق، فبين تحسين معيشة الموظف وتخفيف العبء على الدولة، تبرز الحاجة الماسة لوضع سياسات متوازنة تمنع الإضرار بسوق العمل وتحافظ على الكفاءات في القطاع العام دون التضييق على فرص العاطلين.

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon