"تكيف" عراقي حذر تجاه سوريا الجديدة: الأمن القومي أولا

شفق نيوز/ اعتبر مركز "بورز آند بازار"
البريطاني، أن الواقع الجيوسياسي الجديد الذي نشأ في الشرق الاوسط، مع سقوط نظام
بشار الاسد، وتولى احمد الشرع الحكم في سوريا، يفرض على العراق التعامل بنهج
تدريجي حذر إزاء دمشق، على أن يعطي الأولوية للأمن وسلامة حدوده في الوقت الراهن
على حساب توسيع العلاقات، وبانتظار ايضا أن تتبلور سياسات الولايات المتحدة وتركيا
وإيران، بينما يبقى الامن القومي العراقي يمثل حجر الزاوية في سياسته تجاه سوريا.
وذكر المركز البريطاني في تقرير، ترجمته وكالة شفق
نيوز، وجاء بعنوان "العراق يبدأ بالتكيف مع واقع ما بعد الأسد في سوريا"،
بأن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التقى مؤخرا بوساطة قطرية، الرئيس
السوري احمد الشرع في قطر، في اول لقاء لهما، وكان الامن الاقليمي في صميم
اهتمامات رئيس الحكومة العراقية وركزت المحادثات على ضبط الحدود ومكافحة الارهاب، فيما
عبر الرجلان عن مخاوفهما المشتركة إزاء عدم الاستقرار على طول الحدود العراقية-السورية.
وأوضح التقرير، أن ظهور واقع جيوسياسي جديد في
الشرق الاوسط، دفع جيران سوريا، مثل العراق، الى اعادة تقييم نهجهم ازاء دمشق،
مشيرا إلى أن صعود الشرع، وهو عضو سابق في تنظيم القاعدة في العراق، أثار القلق
لدى المؤسسة الامنية العراقية، لافتا الى ان موقف العراق من سوريا، يتشكل من
تجربته خلال الحرب الاهلية، حين ادى التطرف العابر للحدود الى تفاقم التوترات
الطائفية وتأجيج سنوات من الحرب.
وأشار إلى أن المسؤولين العراقيين يخشون من ان يتسبب
تجدد عدم الاستقرار في سوريا في خلق ارض خصبة لعودة تنظيم داعش، مما يهدد الوضع
الامني الهش اصلا في العراق، بينما يقول التقرير أن تأمين حدود العراق الممتدة على
طول 600 كيلومتر مع سوريا يمثل حاليا أولوية قصوى في ظل التحديات المتواصلة، كالتهريب
الحدودي، وتسلل المتطرفين، وتدفق اللاجئين.
وبرغم ان التقرير لفت الى انه يتحتم على بغداد تقييم
مدى قدرة القيادة السورية الجديدة على ان تصبح شريكا موثوقا، ومدى امكانية السعي
الى تعاون سياسي واقتصادي أعمق، إلا انه قال ان القيادة العراقية، ومع رحيل الأسد
مباشرة، اعتمدت "نهجا براغماتيا مدروسا"، حيث انها بدلا من التسرع في الانخراط
الدبلوماسي الكامل كما فعلت دول عربية اخرى، فان صناع السياسة في العراق، اختاروا استراتيجية
تمنح الأولوية للامن، بما في ذلك من خلال ايفاد مسؤولين استخباراتيين الى دمشق
وتوجيه دعوة حذرة لوزير الخارجية السوري الجديد لاجراء محادثات في بغداد.
وبحسب التقرير، فإن هذا النهج المتردد يعكس، حالة
من عدم اليقين من جانب القيادة العراقية، إزاء استقرار الحكم السوري الجديد،
بالاضافة الى الجدل السياسي في الداخل العراقي حول تطبيع العلاقات الدبلوماسية معه
حيث تثير علاقات الشرع السابقة بالشبكات "الجهادية" في العراق، حالة من
القلق خصوصا بالنظر الى دور تنظيم القاعدة في الفظائع الطائفية خلال الحرب الأهلية
بين عامي 2006 و2007.
ولفت إلى خشية العراق ايضا من امتداد محتمل قد
يعيد احياء شبكات المتمردين داخل حدوده واعادة تعبئة داعش عبر الحدود، ولهذا، أكد
التقرير انه قبل اجتماع السوداني - الشرع، ركزت الخطوات الاولى للعراق في التواصل
مع سوريا على التنسيق الامني، بما في ذلك اعادة بغداد 1905 جنود سوريين من عهد الأسد،
كانوا قد فروا عبر الحدود، كما تم ارسال مدير المخابرات العراقية حميد الشطري الى
دمشق لاجراء محادثات مع الحكومة السورية الانتقالية، مع التركيز على مكافحة
الارهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية.
وإلى جانب ذلك، قال التقرير هناك قضية مخيم الهول
الذي يضم اكثر من 40 ألف معتقل مرتبط بداعش، بينهم العديد من المواطنيين
العراقيين، مشيرا إلى استمرار عدم الاستقرار في شمال شرق سوريا، حيث لا تزال فلول
داعش تنشط، الى جانب المستقبل غير المؤكد المتعلق بقوات سوريا الديمقراطية، وهو ما
يشكل تهديدا مباشرا ليس بامكان بغداد ان تتجاهله.
وبحسب التقرير، فإن الاتفاق بين دمشق وقوات سوريا
الديمقراطية في 10 مارس/اذار الماضي، والذي يمهد لدمج القوات الكوردية في ضمن النظام
الامني السوري، يمثل عنصرا حاسما اخر في الحسابات الامنية للعراق الذي يراقب عن
كثب تطوراتها خصوصا تأثيراتها على الجماعات المسلحة الكوردية المنتشرة على عند
الحدود العراقية – السورية.
وأوضح أن المسؤولين الأمنيين في العراق يرون ان الاتفاقية
تمثل خطوة محتملة نحو استقرار المنطقة، غير انهم ما زالوا حذرين من ان التوترات التي
لم تعالج بين قوات سوريا الديمقراطية والفصائل المدعومة من تركيا، قد تشعل فتيل
صراع جديد، مع احتمال انتشاره الى الاراضي العراقية.
وبعدما اشار التقرير إلى أن السوداني وجه دعوة
الى الشرع لحضور القمة العربية المقبلة في بغداد في 17 ايار/مايو المقبل، اعتبر ان
هذا اللقاء يعكس اهتمام البلدين بتجديد التنسيق، كما يبرز دور قطر المتنامي كوسيط
للحوار الاقليمي.
وتناول التقرير اتخاذ الحكومة العراقية خطوات
استباقية لتعزيز دفاعاتها بنشر وحدات اضافية من قوات الحشد الشعبي لتعزيز مواقع
القوات المسلحة العراقية على طول الحدود، لمنع تسلل المسلحين ومراقبة الحدود
واستهداف شبكات التهريب والانشطة الارهابية والتجارة غير المشروعة، بالاضافة الى
تعزيز العراق جهوده في مكافحة تهريب المخدرات، التي تعكس قلق بغداد الأوسع بشأن
كيفية تعامل الحكومة السورية الجديدة مع هذه الشبكات.
وأشار إلى أنه، من غير الواضح ما اذا كانت
القيادة السورية الجديدة ستتعاون بفعالية في تفكيك تجارة المخدرات المتجذرة التي
ازدهرت في عهد النظام السابق، وهو ما يمثل بالنسبة الى العراق، اختبارا مهما لمصداقية
القيادة السورية الجديدة في ادارة الحكم والسيطرة على الحدود.
والى جانب ذلك، قال التقرير إن العراق وسع حجم
مساعداته الانسانية لتشمل دير الزور ومناطق اخرى في شمال شرق سوريا، استجابة
لادراكه ان استقرار هذه المناطق ليس واجبا اخلاقيا فقط، وانما ضرورة استراتيجية
ايضا لمنعها من التحول الى ارض خصبة لتجدد التمرد.
وبرغم ذلك، أكد التقرير أن حجم مشاركة العراق المباشرة
في إعادة اعمار سوريا لا يزال غامضا، اذ تقيم الحكومة العراقية بدقة المخاطر
المالية والسياسية المترتبة على الالتزام بانخراط اكثر جوهرية مع جارتها الهشة،
مضيفا أن مصالح العراق طويلة المدى في سوريا تمتد الى اعتبارات اقتصادية وبنية
تحتية اكثر اتساعا، حيث لا تزال اعادة فتح الممرات التجارية، وتعزيز البنية
التحتية عبر الحدود، وتطوير مشاريع طاقة مشتركة، من الخيارات الممكنة، الا ان هذه
المبادرات مرتبطة باستقرار الوضع الداخلي السوري.
وأضاف أنه برغم الروابط التاريخية والاقتصادية
العميقة بين البلدين، إلا ان احياء التواصل الاقتصادي لا يزال هدفا بعيد المدى
وليس أولوية آنية، بما في ذلك فكرة اعادة تشغيل خط انابيب كركوك - بانياس النفطي
المتوقف منذ فترة طويلة، إلا أن التقرير رأى ان تقلبات الوضع في سوريا ما بعد الأسد،
الى جانب البيئة التنظيمية غير الواضحة، تجعل اي مشروع اقتصادي واسع سابقا لاوانه
في احسن الاحوال.
واعتبر التقرير، أن العراق فيما يظهر المزيد من
الوضوح السياسي والامني، فإنه من غير المرجح أن يسعى الى مشاريع بنية تحتية كبرى
عبر الحدود او مبادرات اقتصادية مع دمشق.
الى ذلك، قال التقرير الحوار بين العراق وسوريا
يتأثر بقوة بالديناميكيات الاقليمية الاوسع، خصوصا تصرفات ايران وتركيا والولايات
المتحدة.
وأوضح، أن طهران اعتمدت دائما على كل من العراق
وسوريا كحواجز استراتيجية وقنوات اتصال نحو البحر الابيض المتوسط، وهي تجري اعادة
تقييم لنهجها بعد سقوط الاسد، في حين تشهد الفصائل الموالية لايران داخل الحشد
الشعبي العراقية، والتي قاتل بعضها الى جانب قوات الاسد، مرحلة انتقالية معقدة،
مضيفا ان بعضها فتح قنوات اتصال حذرة مع القيادة السورية الجديدة، إلا أن البعض
الاخر لا يزال متشككا وحذرا من التوجهات الاسلامية للحكام الجدد.
أما بالنسبة الى تركيا، فقد أشار التقرير إلى أن الوجود
التركي المتزايد في شمال سوريا يضفي تعقديات اضافية على حسابات العراق الذي يتحتم
عليه ان يأخذ بالاعتبار من اجل تخطيطه الاستراتيجي، مواجهات انقرة مع قوات سوريا
الديمقراطية، وطموحاتها الاقليمية الاوسع، وموقفها الاخذ بالبلورة فيما يتعلق بالشؤون
الكوردية.
ورأى التقرير، أن مبادرات السلام الاخيرة بين
تركيا وحزب العمال الكوردستاني أثارت تساؤلات حول الديناميكيات الكوردية عبر
الحدود العراقية –السورية، حيث تراقب الفصائل الكوردية في العراق هذه التطورات، باعتبار
ان اي تحولات في سياسة تركيا تجاه سوريا قد تؤثر بشكل مباشر على جاهزية قواتها
ونفوذها السياسي.
وفيما يتعلق بمستقل السياسة الأمريكية، فقد قال
التقرير أنه "غير مؤكد"، وهو يلقي بثقله على صناع القرار في العراق حيث لا
تزال استدامة هذا الوجود على المدى الطويل، موضع شك، مضيفا انه في حال قلصت واشنطن
التزامها، فان الفراغ الامني قد يشجع فلول داعش، مما يجبر العراق على تعزيز جهوده
في ضبط الحدود لمنع امتداد عدم الاستقرار الى اراضيه.
وخلص التقرير، إلى أنه من المتوقع في الوقت
الراهن، أن يواصل المسؤولون العراقيون "اتباع نهج تدريجي يعطي الاولوية للامن
في علاقاتهم مع سوريا"، مضيفا انه بينما تعيد الجهات الفاعلة الاقليمية، بما
فيها تركيا وايران والولايات المتحدة، النظر في مواقفها تجاه سوريا، فانه يتحتم على
العراق ان يحدد مساره الخاص بحرص، لضمان ان يظل امنه القومي حجر الزاوية في سياسته
تجاه سوريا".
وختم بأن مسار العلاقات العراقية - السورية خلال
الاشهر المقبلة، يرتبط بقدرة القيادة السورية الجديدة على ترسيخ الاستقرار،
واحتواء التهديدات الامنية، وتمهيد الطريق لتعاون اقليمي، مضيفا انه حتى ذلك
الحين، فانه من المتوقع ان يظل انخراط العراق حذرا وعمليا، مركزا في المقام الاول
على حماية حدوده.
ترجمة: وكالة شفق نيوز