تذاكر الموت تعلق آمال العراقيين على أسلاك الحدود الأوروبية الشائكة
شفق نيوز / مشاهد لم تر مسبقاً في السينما، هكذا تبدو حدود دول الاتحاد الأوروبي (ليتوانيا ولاتفيا وبولندا)، المحاذية لشريط حدود بيلاروسيا الغربي وشمال غربه، ذلك الشريط ومنذ نحو عامين، هو مسرح للموت البطيء الذي يقف عنده آلاف المهاجرين في الوقت الراهن، ومعظمهم عراقيي الجنسية.
لكن صرخات الطفلة (هبة) العالقة وعائلتها عند هذه الحدود، وهي تطلب (الماء) من جنود يقفون على الضفة الأخرى، كانت كفيلة بإثارة الرأي العام والجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية الدولية، بعد صمت طويل، ودفعها إلى تكثيف أنشطتها بالقرب من الحدود التي تشترك فيها بيلاروسيا مع ليتوانيا لمسافة تصل إلى 680 كم من جهة، وبمسافة 418 كم مع بولندا من جهة أخرى.
تذاكر الموت
وفق إجراء صارم "مُتْ هنا أو اذهب إلى بولندا"، تتعامل السلطات البيلاروسية مع المهاجرين على حدودها، وفقا لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، لكن مهند الذي التحق بقوافل العراقيين المهاجرين إلى أوروبا، وترك أولاده الثلاثة وزوجته في بيت أهله ببغداد، لم يكن على دراية بما يخبئه له الزمان والمكان.
وكالة شفق نيوز، التقت كرار (شقيق مهند)، وقال "لم يحصل أخي على فرصة عمل رغم شهادته البكالوريوس لإحدى الكليات الإنسانية، كما لم يفلح في الاستمرار بمشروعه الصغير (مطعم متنقل) عند أحد الشوارع الرئيسة في منطقة البلديات شرقي بغداد، بسبب مضايقات موظفي البلدية والغرامات الباهظة باعتباره متجاوزا على الرصيف أو أنه يلحق الضرر بالمال العام".
وأضاف كرار، خلال الأشهر الأخيرة زادت المضايقات وتراكمت النفقات والديون، الأمر الذي دفع مهند إلى بيع مطعمه والاستدانة من أحد أصدقائه لتأمين تكاليف سفره إلى بيلاروسيا، ومن ثم إلى بولندا وصولا إلى ألمانيا على أمل استحصال الإقامة فيها، ليتسنى له بعد ذلك استقدام زوجته وأولاده، لكن لم يتحقق أي شيء مما تقدم سوى أنه عالق على الحدود في بيلاروسيا، ويأمل السماح له بالعبور إلى ليتوانيا وسط ظروف مناخية قاسية، وشح الغذاء والماء.
وسجلت حدود البلدين الشرق أوربيين روسيا البيضاء وليتوانيا خلال عام 2020 عبور أكثر من 80 لاجئاً بطرق غير شرعية، فيما سجلت احصاءات حرس الحدود عبور أكثر من 4000 مهاجر حتى شهر آب الماضي، بطرق رسمية أو بواسطة (مهربين معروفين) دون أية مشكلات تذكر.
تهريب مدروس
وعبر (بوابات الموت) كما يحلو لبعض أصحاب مكاتب وشركات السفر، التي تؤمن تذاكر (أصولية) للراغبين بخوض تلك التجربة، التقت شفق نيوز، بأحد أصحاب مكاتب السفر وسط بغداد، ليوضح لها أن "أغلب المسافرين عبر الشركة إلى بيلاروسيا أو إلى تركيا أو الدول القريبة من الاتحاد الأوروبي تستحصل لهم تذاكر أصولية وموافقات رسمية (سمة دخول) ولا علاقة للشركة بأي تفاصيل تخص المسافر (المهاجر) بعد وصوله للوجهة التي يرغب، وكما مؤشر بجواز سفره".
وأضاف أن "ما يحدث عند حدود بعض دول الاتحاد الأوروبي من تجمهر للمهاجرين بهدف العبور إلى دول المهجر أو ألمانيا أو أي بلد أوروبي، يتم بالاتفاق مع مهربين معلومين لدى سلطات تلك الدول، ومقابل مبالغ مالية كبيرة".
وأوضح أن "أغلب المسافرين عبر الشركة إلى بيلاروسيا أو حتى إلى موسكو، عبر كروبات سياحية هم من الشباب وعادة ما يرفض أو يغيب نصف هؤلاء عن مواعيد رحلة العودة إلى العراق بذريعة أنهم مددوا الإقامة أو حدث طارئ صحي لأحدهم أو إدعاء قسم آخر بانشغاله في إجراءات التقديم لدى الجامعات الدولية المعترف بها في تلك الدول، وبالتالي لا يحق لمسؤول الرحلة الضغط عليهم أو إجبارهم على العودة قسراً".
وأشار صاحب الشركة، إلى أن "الأعداد في تزايد لاسيما مع العروض المغرية التي يقدمها بعض المهربين تحت يافطات مروجي طلبات الدراسة او العلاج في بيلاروسيا أو ألمانيا، مقابل بدل مالي لا بأس به، علما أن الطرفين (المهاجر والمهرب) على أدق التفاصيل بطريق الهرب أو العبور بطرق (غير شرعية) لدول الاتحاد الأوروبي وبوسائط بدائية (قوارب صيد) أو باصات نقل متهالكة لعبور الحدود مع ضمان تأمين الغذاء والماء والمستلزمات البسيطة".
4 – 6 آلاف مهاجر
بدوره، أكد وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، كريم النوري، لوكالة شفق نيوز، أن "الوزارة وبالتنسيق مع الجهات المعنية تواصل اجتماعاتها لايجاد الحلول الناجعة لإنهاء معاناة المهاجرين العراقيين العالقين هناك"، لافتا إلى عدم امتلاك الوزارة "احصائية رسمية بأعداد المهاجرين، ولكن بشكل تقريبي تتراوح أعدادهم بين 4-6 آلاف مهاجر بينهم شباب كورد".
وقال النوري: "سأذهب رفقة وفد حكومي برئاستي، يضم في عضويته ممثلين عن وزارتي الخارجية والداخلية (دائرة الجوازات والجنسية والإقامة) والأمن الوطني وجهاز المخابرات، فضلاً عن ممثل من الطيران المدني، إلى الحدود البيلاروسية، للوقوف بشكل مباشر على مشكلات العراقيين العالقين هناك".
وتابع: "وكذلك معالجة أو البحث عن معالجات حقيقية مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي لمشكلات العائلات التي رفضت طلباتهم باللجوء، إلى جانب زيارة مخيمات اللجوء المؤقتة لتلك العائلات وتقديم تذاكر مجانية للراغبين بالعودة طواعية إلى العراق".
ولفت النوري، إلى أن "وزارة الخارجية العراقية بذلت جهودا كبيرة من اجل تذليل الصعوبات امام تلك العائلات لاسيما الذين ابدوا رغبتهم بالعودة ممن فقدوا جوازات سفرهم حيث شرعت بمنحهم بطاقات سفر مؤقتة للعودة الى العراق".
مساعدات إغاثية
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق، فراس الخطيب، لوكالة شفق نيوز، "جهود مكثفة أدت إلى التواصل مع شركائنا في بيلاروسيا (منظمة الهلال الأحمر) لإيجاد الحلول السريعة والناجعة للعالقين على حدود بيلاروسيا - لتوانيا من جهة، وبيلاروسيا - بولندا من جهة أخرى".
وبين الخطيب، أن "موظفين جرى انتدابهم من الهلال الاحمر في مهمة استثنائية لإيصال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية الأخرى، فضلا عن بعض المستلزمات المهمة التي تؤمن لهم بقائهم عند الشريط الحدودي المحايد لبعض دول الاتحاد الأوروبي (وجهة المهاجرين) في ظل الظروف المناخية القاسية كما تم تأمين الحماية اللازمة لهم".
وأشار إلى أن "مباحثات تجرى الآن لإيجاد طريقة تؤمن إيوائهم إلى جانب تحديد احتياجات كل مهاجر، فمنهم من يرد اللجوء الإنساني وآخرين يطلبون حماية دولية أو حالات أخرى، ومن المؤمل أن تجد مطالبهم طريقها للحل من خلال توحيد الجهد الدولي في حلحلة أزمة المهاجرين".
وأضاف الخطيب، أن "من ضمن مهام مفوضيتنا إيجاد الحلول اللازمة لأي أزمة من هذا النوع، خلال 72 ساعة، لكن العائق الذي منعنا من التدخل أو الوصول للمهاجرين العالقين على الحدود تكمن في أن الجانب البيلاروسي لم يسمح لنا بالدخول والوصول للعائلات العالقة هناك".
وتابع: "الجهود المستمرة وبالضغط الدولي، مكنت فرقنا من إيجاد حلول سريعة كما يجري الآن التباحث مع منظمة الهجرة الدولية لإيجاد طريقة لإجلاء العالقين هناك طوعياً للعودة إلى بلادهم"، مرجحاً أن تكون "أزمة العالقين على حدود بيلاروسيا في طريقها إلى الحل اذا ما استمرت الجهود الدولية في ذلك".
مهاجرون كورد
وتقدر منظمات معنية بأوضاع اللاجئين، وجود أكثر من 10 آلاف مهاجر في روسيا البيضاء يريدون العبور إلى دول الاتحاد، معظمهم عالقون في غابات بمناطق حدودية محاطة بالأسلاك الشائكة بين روسيا البيضاء وبولندا، ونحو نصف هؤلاء عراقيون، والجزء الأكبر منهم قادمون من إقليم كوردستان".
ورأت حكومة إقليم كوردستان، أن مشكلة المهاجرين على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، أصبحت خلال الأيام الماضية مادة لحديث عدد من المنظمات ووسائل الإعلام الداخلية والدولية.
وأشار منسق التوصيات الدولية في حكومة إقليم كوردستان ديندار زيباري، بحسب بيان ورد لوكالة شفق نيوز، إلى أن "عدداً من الأطراف تسعى أن تستخدمها كورقة ضغط بزعم أن الأوضاع المعيشية لمواطني الإقليم هي سبب لهجرة هؤلاء الأشخاص الذين يشكل عدداً من مواطني الإقليم جزءا منهم تجمعوا على الحدود البيلاروسية ويسعون للتوجه إلى الأراضي البولندية".
ولفت زيباري، إلى أن "المهاجرين يتوجهون إلى الدول الأوروبية عن طريق دول الجوار بتأشيرات سياحية أو عن أي طريق آخر"، معرباً في الوقت نفسه عن أمله أن "تسير العملية بشكل مبرمج له لذلك يلاحظ انه تم تجميع آلاف الناس من خلال رحلات عدة بعد تقديم تسهيلات كبيرة لهم لحين وصولهم لحدود دول الاتحاد الأوروبي".
وتابع "بعضهم من سكنة إقليم كوردستان والعراق، ولكن من بينهم أشخاص من جنسيات أخرى"، لافتاً إلى أن "المهاجرين يتحدثون عن قصص غير حقيقية بشأن إقليم كوردستان، وذلك من أجل قبولهم ويتم استغلالهم من قبل تجار السياسة للإساءة إلى سمعة الإقليم، ويتم حثهم على الهجرة من قبل المهربين من أجل الاستفادة المادية منهم".
وبين حلم الحصول على فرصة عمل تؤمن مردوداً مالياً ثابتاً وفسحة بسيطة للتعبير عن همومهم دون عقاب أو ملاحقات قانونية، تبقى أحلام أغلب المهاجرين العراقيين، موزعة بين أسلاك المخافر الحدودية، لبوابات الأمل الأوروبية.