تحليل.. مَن يعطل مَن؟ تفكيك للانسداد السياسي في إقليم كوردستان

تحليل.. مَن يعطل مَن؟ تفكيك للانسداد السياسي في إقليم كوردستان شبان يحملون علم اقليم كوردستان في عقرة- دهوك
2025-05-02 17:30

شفق نيوز/ بعد ستة أشهر على انتخابات برلمان كوردستان، لا يزال الإقليم دون حكومة جديدة وسط جمود سياسي، حيث أخفقت الاجتماعات المتكررة بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني في كسر حالة الانسداد، مما أطال أمد الفراغ الحكومي.

تعثّر محاولات التفاهم تركز بشكل أساسي حول المناصب الرئيسية والسيادية والإدارية الكبرى، الأمر الذي ينذر بانعكاسات سلبية على اقتصاد الإقليم وعلاقته ببغداد ودول الجوار، فضلاً عن تأثيراته على المزاج الشعبي.

هذا التعثّر ليس الأول من نوعه، بل سبق أن شهدت الدورات السابقة تأرجحاً واضحاً بين فترات قصيرة وأخرى امتدت لنحو سنة، تخللتها مراحل من الشدّ والجذب حول تشكيل حكومة الإقليم. وتكررت خلالها الخلافات السياسية والتباينات الحزبية التي أعاقت الوصول إلى توافق نهائي، ما جعل عملية تشكيل الحكومة تمرّ دائماً بمخاض طويل ومعقّد.

جذور الخلافات

تعود جذور الأزمة الحالية إلى التنافس المزمن بين الحزبين الرئيسيين، فرغم اقتسامهما السلطة عقب صراع دموي خلال الحرب الأهلية في التسعينيات، ظلت الشراكة بينهما هشة يشوبها الشك المتبادل، على الرغم من تشكيلهما تسع كابينات حكومية سابقاً في الإقليم، بالإضافة إلى تحالفات متفرقة في بغداد.

يتولى الحزب الديمقراطي الكوردستاني (KDP) بزعامة مسعود بارزاني تاريخيًا النفوذ في محافظات أربيل ودهوك، بينما يسيطر الاتحاد الوطني الكوردستاني (PUK) الذي أسسه جلال طالباني على محافظة السليمانية ومناطق أخرى شرقي الإقليم. هذا التقاسم المناطقي للسلطة رافقته خلافات مستمرة حول تقاسم المراكز الحكومية وموارد الإقليم، تفاقمت في السنوات الأخيرة بفعل أحداث عمّقت فجوة الثقة.

ففي عام 2022، اتهم الديمقراطي، شخصيات في الاتحاد بالتورط في اغتيال ضابط أمني بارز في أربيل، ما دفع الاتحاد إلى مقاطعة اجتماعات حكومة الإقليم لأشهر عدة، وعلى الرغم من عودة الوزراء التابعين له إلى الحكومة منتصف 2023 لإنهاء المقاطعة، فإن تداعيات ذلك الخلاف تركت أثرًا سلبيًا دائمًا على علاقة الحزبين.

كذلك شهد العام الماضي تصعيدًا قانونيًا حين لجأ الاتحاد إلى المحكمة الاتحادية في بغداد للطعن في قانون الانتخابات البرلمانية بالإقليم، ما أدى إلى تأجيلها التي كانت مقررة في 2022​.

ورأى الديمقراطي في هذه الخطوة محاولة من منافسه لتعديل قواعد اللعبة على نحو يقلل من أفضليته الانتخابية، مما زاد الاحتقان السياسي.

مع إجراء انتخابات أكتوبر 2024 المؤجلة، حافظ الحزبان على موقعيهما الأول والثاني لكن دون أغلبية مطلقة لأي منهما. إذ فاز الديمقراطي بـ39 مقعدًا من أصل 100، وحلّ الاتحاد ثانيًا بـ23 مقعدًا، فيما اقتسمت بقية الأحزاب المعارضة باقي المقاعد وعلى رأسها حراك الجيل الجديد (15 مقعدًا).

ورغم تجديد الشرعية النسبية لكلا الطرفين، أفرزت الانتخابات برلمانًا معلقًا يستلزم تشكيل ائتلاف حاكم.

هنا برز السؤال: هل يتقاسم الحزبان السلطة مجددًا أم ينفرد الفائز الأكبر بالحكم؟ في البداية، لوّح كل طرف باحتمال الاستغناء عن الآخر؛ فالديمقراطي ألمح إلى تشكيل حكومة أغلبية مع حلفاء أصغر، متخوفًا من أن مشاركة الاتحاد قد تعني تعطيل برامجه من داخل الحكومة. في المقابل، سعى الاتحاد إلى تحالف بديل يجمعه مع قوى معارضة لتشكيل حكومة بدون الديمقراطي، لكن هذه السيناريوهات بقيت نظرية لصعوبة تحقيق أغلبية مستقرة دون توافق الحزبين اللذين اعتادا تقاسم الحكم منذ عقود.

وهكذا عادا إلى طاولة التفاوض، إنما هذه المرة وسط أجواء مثقلة بتركة سنوات من الخلافات وانعدام الثقة.

تقاسم السلطة

تركزت مفاوضات تشكيل الحكومة على توزيع المناصب السيادية في الإقليم، حيث يطالب كل حزب بحصة تعكس نفوذه.

خلال سلسلة لقاءات تفاوضية تجاوزت نصف دزينة جولات منذ ديسمبر الماضي، قدّم الوفدان الممثلان للحزبين قوائم بالمواقع الحكومية المطلوبة من كل طرف. كان آخر هذه الاجتماعات رفيع المستوى في منتجع دوكان بمحافظة السليمانية، وجمع رئيس الوزراء مسرور بارزاني (نائب رئيس الحزب الديمقراطي) مع بافل طالباني رئيس الاتحاد الوطني بحضور نائبه قوباد طالباني.

وبحسب مصادر مطلعة، لوكالة شفق نيوز، لم يُحرز اختراق يُذكر في ذلك اللقاء رغم الأجواء الإيجابية ظاهريًا، إذ بقيت الخلافات الجوهرية حول المناصب دون حل.

وفي ما يلي عرض لأبرز المناصب موضع التجاذب ومواقف الطرفين حيالها بحسب مصادر متعددة:

يتضح من الجدول أعلاه أن الاتحاد الوطني تبنّى سقف مطالب عالٍ سعيًا لتحقيق ما يعتبره "شراكة حقيقية" في الحكم، فيما الحزب الديمقراطي يرى في الكثير من تلك المطالب تعديًا على حقه الانتخابي المكتسب كصاحب الكتلة الأكبر.

ويربط سياسيون من أربيل والسليمانية تحدثوا لوكالة شفق نيوز، بين إلحاح الاتحاد على هذه المناصب وبين مساعيه الاستراتيجية لضمان دعم الديمقراطي لترشيح الاتحاد لمنصب رئيس جمهورية العراق في الانتخابات الاتحادية المقبلة.

فالاتحاد الوطني الذي يتولى هذا المنصب السيادي في بغداد حاليًا (يشغله الرئيس عبد اللطيف رشيد المحسوب عليه) يريد التأكد من استمرار هذه المعادلة، وربما يستخدم تنازلاته في أربيل كورقة تفاوض لمقايضتها بدعم الديمقراطي له في بغداد مستقبلاً.

على الجانب الآخر، عرض الحزب الديمقراطي بعض التنازلات التكتيكية لكسر الجمود، إذ وافق مبدئيًا على إسناد وزارة البيشمركة (الدفاع) للاتحاد وكذلك وزارة المالية.

وأخبرت مصادر خاصة وكالة شفق نيوز، أن الاتحاد طالب ايضاً بعدم إشراك خصوم داخليين له في أي حكومة مقبلة، في إشارة إلى حزب جبهة الشعب الذي يتزعمه لاهور شيخ جنكي (ابن عم بافل المنشق عن الاتحاد) والذي حصل على مقعدين في الانتخابات.

فيما أفادت تسريبات بأن لاهور الذي بات على علاقة جيدة بقيادة الديمقراطي بعد خلافه الدموي مع ابن عمه يطالب بحقيبة البيشمركة لنفسه.

ويقول كاظم ياور باحث في الشأن السياسي الكوردستاني لوكالة شفق نيوز: "كل هذه الخلافات ألقت بظلالها، وخلقت تداعيات غير مرغوبة، كما أن هناك تداعيات مالية واقتصادية بسبب تأخر تشكيل الحكومة، ومن الناحية السياسية، هناك فجوة كبيرة بين الأحزاب المعارضة والحزبين الحاكمين في الإقليم.

ويضيف: "هناك أنباء، وإن لم تكن مؤكدة، تفيد بأن تشكيل الحكومة قد يتأخر حتى موعد الانتخابات العراقية المقبلة، في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، وهو أمر لن يُعالج إلا من خلال اتفاق سريع وبيان واضح من المكتبين السياسيين للاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكوردستاني في أقرب وقت ممكن".

وبين هذين الموقفين، يستمر ملف تشكيل الحكومة من دون أفق واضح للحل، فكلما اجتمع الوفدان التفاوضيان وصاغا قوائم توزيع الحقائب، ظهر تباين جديد أو شرط إضافي يعرقل التوافق. ويقر الطرفان ضمناً أن حسم الصفقة بات يتطلّب "رزمة شاملة" تشمل على الأرجح تفاهمات تتجاوز حدود الإقليم، كضمانات متبادلة حول المناصب في بغداد أيضًا.

وبهذا الخصوص يقول المراقب السياسي كمال رؤوف، في لوكالة شفق نيوز، إن الاتحاد الوطني يرى أن منصب رئاسة برلمان الإقليم، رغم كونه محسومًا له، لا يمتلك التأثير المطلوب في المشهد السياسي، ولذلك يسعى لتوسيع نفوذه في إطار التحضير للمشاركة الفاعلة في الانتخابات المقبلة لمجلس النواب العراقي.

من جانبه، يؤكد الكادر المتقدم في الاتحاد الوطني الكوردستاني، برهان شيخ رؤوف، أن الحزبين قطعا أشواطاً كبيرة في سبيل تشكيل الحكومة الجديدة، خصوصاً فيما يتعلق بالبرامج السياسية والإدارية، إلا أن المرحلة الراهنة تشهد خلافات حادة حول توزيع المناصب.

وأوضح أن الاتحاد الوطني يسعى إلى شراكة حقيقية، لا تقتصر على مناصب شكلية مثل نواب الرئاسة، بل تشمل الإدارة الفعلية للمناصب السيادية والخدمية، مشدداً على أهمية تقاسم السلطة بشكل متوازن بين الطرفين. ونفى شيخ رؤوف ما يُشاع عن وجود نية لتأجيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية العراقية، مؤكداً وجود إرادة مشتركة بين الحزبين لتشكيل حكومة قوية تلبي متطلبات المرحلة الراهنة التي تمر بها المنطقة.

التأثيرات الإقليمية وتطورات ملف الطاقة

تتزامن التقاطعات الحالية مع سياق إقليمي ضاغط يزيد المشهد تعقيدًا، فملف الطاقة والنفط الذي يعد شريان اقتصاد الإقليم شهد تطورات دراماتيكية في العام الأخير ألقت بظلالها على الأجواء عامة، فمنذ مارس 2023، توقفت صادرات نفط كوردستان عبر خط الأنابيب إلى ميناء جيهان التركي إثر نزاع قانوني بين بغداد وأنقرة.

هذا التوقف المستمر حرم الإقليم من مورد مالي أساسي، مما أدخله في أزمة سيولة خانقة وأدى إلى عجز متراكم في دفع رواتب موظفيه وبيشمركته بانتظام. ومع أن الحكومة الاتحادية في بغداد أقرت قانون موازنة يضمن حصة للإقليم، اشترطت بالمقابل سيطرة بغداد على مبيعات نفط كوردستان عبر شركة سومو الحكومية.

ووجدت أربيل نفسها مضطرة للرضوخ جزئيًا، حيث أعلنت مؤخرًا استعدادها لإيداع عائدات النفط في الخزينة الاتحادية تمهيدًا لاستئناف التصدير.

هذا التحول ولّد فعليًا انكماشاً في الاستقلالية المالية التي تمتع بها الإقليم لعقدين، وجاء نتاج ضغوط اقتصادية هائلة وضعف موقف المفاوض الكوردي بسبب خلافاته الداخلية.

ويرى محللون لوكالة شفق نيوز، أن "انعدام وحدة الصف بين الديمقراطي والاتحاد جعل الإقليم أضعف في التفاوض مع بغداد، إذ استغلت الحكومة الاتحادية ذلك لفرض شروطها مستفيدة من حاجة الطرفين الماسة للأموال، فالاتحاد الوطني كان ميالًا للتعاون مع بغداد لضمان رواتب موظفي السليمانية حتى لو تطلب الأمر المركزية، بينما الديمقراطي حاول الصمود لتحقيق أفضل الشروط لكنه افتقد دعم شريكه الكوردي بشكل موحّد".

إلى جانب الاقتصاد، هناك التوترات الأمنية مع الجيران التي انعكست على المشهد السياسي الكوردستاني. تركيا على وجه الخصوص تلعب دورًا مفصليًا: فهي بوابة تصدير النفط وذات نفوذ عسكري واقتصادي كبير في مناطق الديمقراطي، لكنها تنظر بعين الريبة إلى تزايد نفوذ حزب العمال الكوردستاني (PKK) داخل مناطق الاتحاد الوطني قرب الحدود. وقد بلغت هذه الريبة ذروتها عام 2023 حين أغلقت أنقرة مطار السليمانية وأوقفت جميع الرحلات الجوية منه وإليه لعدة أشهر بخاصة إلى المطارات التركية، متهمةً سلطات الاتحاد بالتساهل مع نشاط مقاتلي الـPKK في محيطه.

جاءت تلك الخطوة العقابية عقب حادث أمني تعرضت له طائرة مدنية كان على متنها قائد قوات سوريا الديمقراطية في مطار السليمانية.

هذا التباين في الموقف من تركيا يعكس اختلاف بوصلات التحالف: فالديمقراطي يُعد حليفًا وثيقًا لأنقرة التي تُسانده اقتصاديًا وتتعامل معه كشريك أساسي، بينما يُبقي الاتحاد الوطني صلات أوثق مع طهران ولا يمانع التواصل مع حلفاء الـPKK الإقليميين (في سوريا وغيرها) ما دام ذلك يحقق له دعمًا في صراعه السياسي الداخلي.

ولعل إيران هي الأخرى مارست ضغوطها على الإقليم عندما قصفت مرارًا مواقع أحزاب كوردية إيرانية معارضة اتخذت من أراضي كوردستان ملاذًا، مطالبة سلطات أربيل والسليمانية بلجم نشاطها.

وقد تجاوب الاتحاد الوطني أكثر مع تلك المطالب بحكم علاقاته التاريخية مع طهران، بينما تعامل الديمقراطي بحذر مراعيًا علاقته بواشنطن التي نددت بتلك الهجمات الإيرانية.

النتيجة أن الإقليم وجد نفسه ساحة تجاذب بين تركيا وإيران، مع ما يرافق ذلك من ضغوط أمنية واقتصادية.

أما على صعيد العلاقة مع الحكومة الاتحادية في بغداد، فإن استمرار الخلافات الداخلية أربك أيضًا المعادلة الوطنية.

ويقول مصدر حكومي في بغداد لوكالة شفق نيوز، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجد نفسه في مراحل متعددة أمام مخاطبين كورديين بدلاً من طرف واحد، مع تباين الرسائل بين أربيل والسليمانية. فالرئاسة الحكومية المتمثلة بمسرور بارزاني يطالب بغداد بالالتزام المالي تجاه الإقليم وفق الدستور، فيما يضغط بافل طالباني عبر قنواته للحصول على تمويل عاجل لمناطق الاتحاد بغض النظر عن الحصص المتفق عليها.

                                                                                                                                                           توزيع لمناطق نفوذ الحزبين داخل اقليم كوردستان

شلل برلماني

أدى استمرار التعثر في تشكيل الحكومة إلى شلل فعلي في عمل مؤسسات إقليم كوردستان. فمنذ انتهاء الانتخابات ودخول البرلمان الجديد مطلع ديسمبر، لم يتمكن النواب حتى من انتخاب رئاسة البرلمان (الرئيس ونائبيه وأمين السر) خلال جلستهم الأولى.

وبحسب القانون المحلي، يُعد انتخاب رئيس البرلمان الخطوة التمهيدية اللازمة لانتخاب رئيس الإقليم من قبل البرلمان، والذي يقوم بدوره بتكليف الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة.

لكن كل هذه المراحل معطلة بالكامل حاليًا، فلم تُعقد سوى جلسة افتتاحية بروتوكولية في 3 ديسمبر، ثم توقف البرلمان عن الانعقاد بانتظار توافق الحزبين، يعني ذلك غياب السلطة التشريعية ورقابتها منذ ما يقارب العام ونصف (حيث كان البرلمان السابق هو الآخر معطّلًا خلال التمديد له قبل الانتخابات).

سيناريوهات

أمام هذا التعقيد المتشابك، تتعدد السيناريوهات المحتملة للخروج من النفق السياسي الحالي، السيناريو الأول هو توصل الحزبين لاتفاق شامل في القريب العاجل يتيح تشكيل حكومة جديدة مع منتصف العام، وهذا يتطلب تنازلات متبادلة أكثر جرأة مما قُدم حتى الآن: كأن يتخلى الاتحاد الوطني عن مطلب رئاسة الإقليم مقابل حصوله على وزارات سيادية إضافية وضمانات بشأن دوره الاتحادي، وأن يقبل الحزب الديمقراطي بمنح شريكه نفوذًا أكبر في بعض مفاصل الأمن والإدارة مقابل تعهد الاتحاد بعدم تعطيل سياسات الحكومة. مثل هذا الاتفاق إن تحقق قد يعيد إحياء صيغة اقتسام السلطة التي حكمت الإقليم طوال العقدين الماضيين.

إن حزمة الحل الوسط هذه لو تمت صياغتها برعاية وضمانات فقد تضع حدًا للأزمة.

أحد تلك السيناريوهات البديلة هو الفشل التام للمفاوضات واستمرار الجمود إلى ما بعد الانتخابات التشريعية العراقية القادمة خريف هذا العام. في هذه الحالة، قد يبقى الإقليم تحت حكومة تصريف أعمال لفترة طويلة ربما تمتد لعام إضافي أو أكثر.

هناك أيضًا سيناريو التصعيد الداخلي، وإن كان مستبعدًا في المدى القريب، وهو انفراط عقد الشراكة تمامًا وانقسام إدارة الإقليم إلى إدارتين منفصلتين كما كانت الحال إبّان انقسامه بين أربيل والسليمانية في التسعينيات. ورغم أن لا أحد من الطرفين يطرح علنًا خيار العودة لتلك الحقبة، فإن بعض المراقبين لا يستبعدون حدوث طلاق سياسي.

في المحصلة، يؤكد سياسيون لوكالة شفق نيوز، إن إقليم كوردستان يقف اليوم على مفترق طرق تاريخي. فإما أن ينجح قادته في تجاوز خلافاتهم الحزبية والاتفاق على صيغة حكم تضمن الاستقرار، وإما أن ينزلق إلى حالة شلل طويلة تقوّض منجزاته السياسية والاقتصادية وتعيده عقودًا إلى الوراء.

بخاصة، أن صراع اليوم لا يقتصر على اللحظة الراهنة، بل يمتد فعليًا إلى جيلين من القيادات السياسية في الحزبين الكورديين؛ جيل المؤسسين الذين خاضوا صراعات دامية، وجيل الأبناء الذين ورثوا السلطة ومعها تركة من الشك المتبادل.

وفي عدة محطات، بدا أن التفاهم يتطلب تقديم تنازلات أو مرونة من أحد الطرفين، غير أن تشابك الرؤى في الوقت الحالي واختلاف فلسفة الحكم يجعل الوصول إلى صيغة مشتركة أمرًا معقدًا. فكل طرف يحمل تصورًا مختلفًا لمبدأ الشراكة، ولديه حسابات متوارثة تتجاوز توزيع المناصب إلى مسألة النفوذ، والاستقلالية، وحتى مستقبل الإقليم في علاقته ببغداد والجوار.

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon