بين نافذتي القاذفات والمفاوضات.. هل تبدأ الحرب من فوق سماء العراق؟

بين نافذتي القاذفات والمفاوضات.. هل تبدأ الحرب من فوق سماء العراق؟
2025-06-12 18:21

شفق نيوز/ بينما تسير المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة على حبل مشدود، يعود الشرق الأوسط ليقف مجددًا على حافة صراع إقليمي واسع النطاق، صراعٌ لا يشبه حرب غزة ولا اشتباك الحدود اللبنانية أو قصف الضاحية، بل مواجهة قد تعيد صياغة قواعد اللعبة الجيوسياسية في المنطقة.

هذه المرة، تدور الأنظار حول احتمال شن ضربة إسرائيلية كبرى ضد المنشآت النووية الإيرانية، ورد إيراني محتمل، مع وجود العراق في قلب جغرافيا الرد.

ومع تحركات أمريكية غير مسبوقة لإجلاء دبلوماسييها من بغداد والخليج، وتصريحات متسارعة من قادة إيران أو بعض الفصائل المقربة منها، أصبح واضحًا أن البلاد، التي حاولت بشق الأنفس النأي بنفسها عن لعبة المحاور، قد تجد نفسها مجددًا في موقع لا تحسد عليه.

"أعتقد أن هذا يعود إلى التقارير التي تُشير إلى خطر جدي بشن هجوم إسرائيلي على إيران وردّ إيراني على منشآت أمريكية"، يقول الدكتور روبرت غولوتي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو لوكالة شفق نيوز."تهدف هذه الإجراءات إلى ردع أي هجوم من خلال خفض تكاليف الصراع على الولايات المتحدة. أما ما عدا ذلك، فلا يسعني إلا التكهن"، يقول غولوتي.

كما يقول مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون لوكالة شفق نيوز: "أولويتنا هي سلامة أفرادنا وأسرهم. قيادة القوات المركزية تتابع التوترات في المنطقة بتنسيق دائم مع وزارة الخارجية وشركائنا الإقليميين للحفاظ على الاستعداد."

فصل جديد من المواجهة

لطالما شكّلت الضربات الإسرائيلية داخل إيران جزءًا من استراتيجية مدروسة لتآكل البنية النووية والدفاعية الإيرانية.في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، نفّذت تل أبيب واحدة من أوسع الضربات الجوية في تاريخ عملياتها الخارجية، حيث استُخدمت طائرات F‑35 وصواريخ مخصصة لاختراق الدفاعات الجوية الإيرانية.

استهدفت تلك الضربات نطنز، وفوردو، ومنشآت صاروخية في جنوب طهران، إضافة إلى تدمير بطاريات S-300 المتطورة.وردت إيران بهجمات صاروخية مباشرة على العمق الإسرائيلي، إلى جانب تحريك وكلائها الإقليميين في لبنان والعراق واليمن، وتثبيت حضورها في قطاع غزة ضمن صراع معقد الأبعاد.

منذ ذلك الحين، كثفت طهران جهودها لإعادة بناء دفاعاتها الجوية وتعزيز منظومات الاعتراض حول منشآتها النووية.

وفي المقابل، يتهمها الغرب بمواصلة رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، مقتربة أكثر من العتبة النووية.وفي خطوة غير مسبوقة منذ قرابة عقدين، أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارًا يؤكد عدم امتثال إيران لالتزاماتها المتعلقة بالضمانات النووية.ردت طهران سريعاً برفض القرار، مع إصدار توجيهات من رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "لتشغيل منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم في موقع آمن، واستبدال أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول في (فوردو) بأجهزة متطورة من الجيل السادس".

"اليد على الزناد"

وفي ذروة هذا التوتر، جاء خطاب قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، ليحمل رسالة ردع صريحة، في لحظة يعتبر فيها الإيرانيون أن الضربة الإسرائيلية قد تندلع في أي وقت: "لسنا بصدد خوض أي حرب، لكن لا أحد يجرؤ على شنّ حرب ضدنا. وضعف إيران والمقاومة هو مجرد حلم."

وأضاف: "رد الرئيس الأميركي على اليمن عبر منصة (إكس)، الذي قال فيه: إذا لم تطلقوا الصواريخ فلن نطلق نحن أيضاً، كان فضيحة للأميركيين." "إيران تفاوض اليوم من مبدأ الحكمة والتدبير... البلاد اليوم غير مرهونة للمفاوضات."

ثم ختم بتحذير: "الكيان الصهيوني، ومن خلفه الولايات المتحدة والناتو، لم يتمكنوا من التغلب على المقاومة رغم حربه ضد حزب الله لمدة 66 يوماً."وبذلك أراد قاآني أن يُظهر معادلة ردع متعددة الجبهات حيث تقف طهران، ومحور المقاومة خلفها، على أهبة الاستعداد.

من ناحيتها، تصر طهران على أنها لا تسعى إلى الحرب، لكنها لن تتراجع عن حقها في تخصيب اليورانيوم."ما يجري من سحب أمريكيين والتلويح بهجوم هو جزء من الحرب النفسية"، يقول الباحث الإيراني علي أكبر برزنوني.

ويضيف لوكالة شفق نيوز: "إيران لن تتراجع عن حقها المشروع... وإذا فُرضت علينا الحرب، فنحن مستعدون لكافة السيناريوهات".

في واشنطن، يتنقل الرئيس دونالد ترامب بين نافذة التفاوض في الجولة المنتظرة في مسقط يوم الأحد، والنافذة العسكرية التي تظل مفتوحة أمام إسرائيل. قال ترامب الخميس: "أجرينا محادثات جيدة مع إيران... لكن من المرجح جدًا أن توجه إسرائيل ضربة لإيران."

يقرأ كمال الزغول، الباحث في الشأن الأمريكي، هذه المواقف خلال حديثه لوكالة شفق نيوز: "الرئيس ترامب يحاول قدر الإمكان اتباع السبل الدبلوماسية، لكن هناك ضغوطًا داخل الإدارة باتجاه تمكين إسرائيل من توجيه ضربة إلى إيران".

ورغم ذلك، فإن نشر قاذفات B‑2 في دييغو غارسيا وزيادة تحليق طائرات الاستطلاع الأمريكية في الخليج يدل على أن الخيار العسكري لا يُستبعد، بل يجري التحضير له كجزء من استراتيجية الردع.

العراق.. ساحة مرشّحة

في هذا السياق الإقليمي المحموم، يُطرح السؤال الذي يشغل العراقيين: أين تقف بغداد؟ يجيب على ذلك إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي: لوكالة شفق نيوز: "في حال حصل استهداف لإيران باشتباك محدود وهجوم مقابل، أو ضربات طويلة الأمد، فإن العراق سيكون جزءاً من جغرافية الرد هذه".

ويشرح، أن "العراق لن يكون بعيداً في ظل وجود فصائل مسلحة حليفة لإيران قد تستخدم إمكانياتها للهجوم على الوجود الأمريكي، ما سيعطي مبرراً لأمريكا ليس لإنهاء البعثة الدبلوماسية فقط، وإنما القيام بضربات على هذه الفصائل أو حتى على بعض المؤسسات، وبالتالي ستكون بغداد أمام مستوى جديد في العلاقة مع واشنطن لا تتسم بالودية".

واستناداً لما سبق، يتوقع الشمري في تحليله لسيناريو المرحلة المقبلة، أن "الحكومة العراقية ستكون في موقف صعب ما بين حلفائها من الفصائل المسلحة وما بين أمريكا، سيما وأنها عاجزة عن ضبط هذه الفصائل المسلحة".

معلوم أن العراق يحتضن فصائل مسلحة موالية لإيران، تمتلك ترسانة متطورة من الصواريخ والطائرات المسيّرة.

مثل هذا الواقع يجعل من الساحة العراقية في حال اندلاع المواجهة منصة جاهزة للرد غير المتكافئ على المصالح الأمريكية.

يقول فراس إلياس، أستاذ العلاقات الدولية: "شمول العراق بعمليات الإجلاء الأمريكية الأخيرة إشارة واضحة إلى أن واشنطن تتوقع تصعيدًا محتملاً على الأرض العراقية."

يشدد خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، على أن "الحكومة العراقية متمثلة برئيس الوزراء محمد شياع السوداني مطالبة اليوم ببناء موقف عراقي صريح يعبر من خلاله على أن المصلحة الوطنية تقتضي إبعاد العراق عن أي سيناريوهات للمواجهة مابين إيران وأمريكا".

في مواجهة هذه المخاطر، يسعى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تثبيت موقف متمايز. في كلمة الخميس خلال لقاء سفراء عرب يقول: "التصعيد لا يخدم الحل... نؤكد موقف العراق في دعم الحوار، ورفض استخدام أراضينا كساحة لتصفية الحسابات."وفي حديث خاص لوكالة شفق نيوز، أشار مسؤول حكومي إلى أن بغداد مسؤولة عن أمن البعثات الدبلوماسية، وتعمل على منع انزلاق العراق إلى هذا الصراع.

التحدي الأعمق يكمن إلى أي مدى يمكن للحكومة مواصلة ضبط الفصائل المسلحة كما حصل في حرب غزة ولبنان، وهو ما يثير قلق واشنطن من أن ردود الفعل قد تأتي من خارج سيطرة الدولة.

محور المقاومة.. ترقب محسوب

وفي موازاة ذلك، تبدي أطراف ما يعرف بمحور المقاومة الموالية لإيران استعدادًا محسوبًا للتعاطي مع أي تصعيد.

في بغداد، جاءت نبرة الفصائل أكثر وضوحًا. حيث قال أبو آلاء الولائي، زعيم كتائب سيد الشهداء: "إذا اندلعت الحرب سيكون المئات من الاستشهاديين على الموعد... سيُذل كبرياء أمريكا ثانيةً، كما ذُلَّ أول مرة في العراق."

في بيروت، ما يلاحظ خلال الأيام الماضية هو "السكوت لما يحصل على الساحة الإقليمية، وتحديداً حزب الله رغم كل الخروقات في لبنان عندما قصفت إسرائيل الضاحية الجنوبية ليلة عيد الأضحى"، وفق مدير مركز بيروت الدولي للدراسات، وليد حدرج.

ويرى حدرج خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "كل المعطيات تشير إلى أن الوضع على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة، لكن سكوت حزب الله فيه حكمة ويدل على أن هناك شيئاً ما يحضّر في المنطقة، حيث إن فتح معركة ضد إيران لن تكون محصورة بين الجبهة الإيرانية الإسرائيلية أو الإيرانية الأمريكية، بل ستمتد لتشمل المنطقة وتحديداً الجهات المرتبطة بإيران".

كما يُضيف الباحث اللبناني محمد حميد: "أي استهداف لإيران قد يُطلق كرة نار متدحرجة تتوسع بسرعة لتشمل ساحات متعددة."

وفي صنعاء، جاء موقف الحوثيين واضحاً. قال عبد الله النعمي، عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله: "لن نتخلى عن إيران مطلقًا إزاء أي عدوان أمريكي أو إسرائيلي."

في قلب العاصفة

مع اقتراب موعد جولة مسقط، وبينما تمضي إيران في رفع شروطها النووية، ويد واشنطن- تل أبيب على الزناد، يبدو أن معادلة الردع لم تُحسم بعد، والعراق سيكون أول العناوين إذا فُتحت صفحة التصعيد، دولةٌ لا تريد حربًا، لكنها على الأرجح لن تستطيع منعها من الوصول إلى أبوابها.

"الأيام القليلة المقبلة ستكون مصيرية... إما أن تُكتب فيها تسوية تاريخية، أو تُشعل شرارة صراع سيصعب على الجميع إطفاؤها." يقول فراس إلياس.

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon