بصوت الدفوف والأغاني الحماسية.. ايزيديات يوجهن رسالة لداعش
شفق نيوز/ وسط صف من الخيام البيضاء المتراصة، وطرقات متسخة في بيئة كئيبة، يعلو صوت آلات الدف الموسيقية التي لها مكانة دينية خاصة عن الايزيديين، خلف أصوات الغناء الحماسي المتصاعد ليغطي على أصوات الأطفال الذين يلهون في الساحة.
وداخل مبنى صغير، تتمرن النسوة الايزيديات على أغنيات شعبية، تتعلق بالفجر والمحصول وجبال سنجار التي لها مكانة دينية عندهن، واحيانا تتناغم اصواتهن بلطف واحيانا تعلو كأنها صرخات.
انها فرقة اشتي، او السلام، التي أسستها وتقودها رنا سليمان هالو (22 سنة)، والتي تعيش في مخيم خانكي للنازحين في محافظة دهوك بإقليم كوردستان، وتتحدر من عائلة موسيقية.
ويؤوي المخيم 14 الف شخص من الرجال والنساء والاطفال، هم من الطائفة الايزيدية، وهم عالقون هناك منذ أن غزا تنظيم داعش الارهابي قراهم الاصلية في العام 2014.
وخلال السنة الاولى بعد أن استهدف داعش الايزيديين، واتهامهم بالهرطقة، وإطلاق النار على الرجال واغتصاب النساء والفتيات واستعبادهم، تقول رنا هالو إنه كان من الصعب الغناء "بسبب الأخبار من حولنا.. شخص يتم اختطافه وشخص يقتل".
وما يزال ابن عمها من بين آلاف الايزيديين الذين ما زالوا في عداد المفقودين، كما قتل آلاف آخرون.
لكن في السنة الثانية، تقول رنا هالو "عدنا الى الموسيقى مجددا". وفي العام 2019، أسست الفرقة الموسيقية بدعم من منظمة اغاثية بريطانية تسمى "AMAR". وتضم الفرقة الموسيقية بضعة نساء كن أسيرات لدى داعش، وأخريات فقدت العديد من أفراد عوائلهن.
وذكر تقرير لاذاعة "ان بي آر" الأميركية ترجمته وكالة شفق نيوز، أن الفرقة الموسيقية أدت بعض العروض الفنية في بريطانيا، كما أدين الغناء ولعبن الموسيقى كعلاج لأشخاص تعرضوا للعنف خلال فترة احتلال داعش.
لكن الفرقة تحولت الى جزء من الجهود المبذولة من أجل الحفاظ على جزء من التراث الايزيدي المهم الذي لم يحفظ منه كتابة سوى القليل في حين ان الاغاني تعلم ايضا جوانب مرتبطة بالتاريخ والدين.
ويقول مامو عثمان الذي يدرس دراسات في الموسيقى كعلاج في جامعة دهوك ان هذه الموسيقى التراثية هي أيضا شكل من الانتماء إلى ديننا. وهناك اغنيات خاصة لا يؤديها سوى الايزيديون".
وبحسب عثمان، فإن بعض الأغنيات تقدم خلال المناسبات الدينية في اماكن العبادة، واغنيات أخرى "علمانية" تتعلق بالطبيعة والكوميديا، او تستذكر أحداثا وقعت قبل قرون عديدة.
وفي ظل هجرة عدد كبير من ابناء الايزيديين الى اوروبا، يقول عثمان إن ثقافتهم الشفهية مهددة بالضياع فيما تتشتت العائلات من قراها بسبب ظاهرة طلب اللجوء الى الخارج.
ويقول عثمان إن "أوروبا هي للكائن الفرد" وليست مكانا للعشائر والقبائل، والايزيدية مرتبطة بشكل وثيق بأماكن في كوردستان، كجبل سنجار وموقع لالش المقدس حيث يؤدي رجال الدين طقوسهم برفقة الأغنيات.
وحذر عثمان من أن "ما من مكون اجتماعي مرتبط بأرضه كالايزيديين، ولأنهم يغادرون أرضهم، ووطنهم، فإنهم سيخسرون هويتهم الدينية".
لكن هناك ما قد يجعلهم متفائلين، ففي قرية بحزاني حيث لم يكن من الممكن عزف الموسيقى عندما احتلتها داعش، فإن جيلا من الشباب من ابناء العائلات المتدينة، يتعلمونها مجددا. وقامت منظمة "AMAR" بتسجيل بعض الأغاني الشعبية والموسيقى الدينية ومنحت التسجيلات لمكتبة أرشيف جامعة اوكسفورد.
وقالت النائبة في البرلمان العراقي فيان درويش إنه أمر جميل اننا ما زلنا متمسكين بموسيقانا التراثية، بعدما كانت التجمعات والمهرجانات والغناء كلها توقفت بعد أهوال العام 2014، لكن الان "انهم يحاولون التعافي واستعادة حياتهم الطبيعية.. وهذا ما أحبه في المجتمع الايزيدي بشكل عام، وهو أنهم لديهم الاحساس بحب الحياة ويريدون الاستمرار وحب الموسيقى والأعراض والحفلات.. أن تكون لديهم حياة طبيعية رغم كل شيء".
لكن بالنسبة الى هؤلاء المقيمين في مخيم خانكي، فإن الحياة الطبيعية احتمال بعيد المنال. واشار التقرير الى ان هناك صراعا على الأرض حول سنجار، والنزاع قد يتفجر مجددا، والوضع لم يصبح آمنا بعد ليعودوا الى منازلهم.
ولا يشعر كثيرون في هذا المجتمع المنكوب برغبة في الغناء أو سماع الموسيقى. وبعد احد جلسات التمرين الموسيقي، جلست النسوة يتبادلن الحديث وقال غزال داوود (21 سنة) أنه عائلاتها لا مشكلة لديها بأن تتمرن موسيقيا، لكن عائلة اخرى جارة لهم خسرت العديد من افراد العائلة، ولهذا لا يحبون ان يستمعوا الى الاغاني.
وتقول غزال إنها تتعامل مع الموسيقى كفعل مقاومة، وتوضح "اننا هنا لنوجه رسالة الى داعش..بأننا لن ننكسر أبدا".