انكماش يُنذر العراق بأزمة مالية "الأشد" منذ سنوات

انكماش يُنذر العراق بأزمة مالية "الأشد" منذ سنوات
2025-04-26 13:14

شفق نيوز/ يعكس توقع صندوق النقد الدولي، انكماش الاقتصاد العراقي بنسبة 1.5 هذا العام، واقعاً اقتصادياً معقداً يمر به العراق في هذه المرحلة، مرتبطاً بعدة عوامل متداخلة، في مقدمتها تذبذب أسعار النفط وانخفاضها إلى مستويات لا تكفي لتحقيق التوازن المالي المطلوب، ما يضع العراق أمام تحديات مالية حقيقية، من أبرزها اتساع العجز المالي وتراجع القدرة على تمويل المشاريع، بحسب مختصون بالشأن المالي.

وتأتي مخاوف المختصين في وقت يرى مستشار مالي حكومي، أن مؤشرات صندوق النقد الدولي مستغربة كونها متشائمة أكثر من اللزوم دون وجود أي مبرر لهذا الانطباع، معتبراً أن رؤية الصندوق تجانب الواقع وجاءت ربما نتيجة الاعتماد على بيانات قديمة أو فكرة غير صحيحة.

وتوقع صندوق النقد الدولي، الثلاثاء الماضي، انكماش الاقتصاد العراقي بواقع 1.5% هذا العام، على أن يعود للنمو في 2026 بمعدل 1.4%، على خلفية تراجع أسعار النفط وتوقعات بتباطؤ الطلب بسبب ركود الاقتصاد العالمي المحتمل الناتج عن الحرب التجارية.

ويقدّر صندوق النقد الدولي، أن العراق يحتاج إلى سعر نفط يبلغ 92 دولاراً للبرميل لتغطية الإنفاق الحكومي العام الجاري، فيما يجري تداول عقود خام برنت المستقبلية قرب مستوى 65 دولاراً.

فذ هذا الصدد، أكد عضو لجنة النفط النيابية، كاظم الطوكي، أن "العراق يعتمد على النفط في ميزانيته وأي انخفاض في الأسعار لها تأثير على الوضع الاقتصادي العراقي، لكن هذا في حال استمرار الانخفاض، أما إذا كان الانخفاض مؤقتاً فيمكن للعراق اتخاذ إجراءات بما يتماشى مع الوضع الاقتصادي لتجاوز الفارق من خلال اللجوء إلى الاحتياطي من الذهب والأموال لسد العجز".

وأشار الطوكي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "أسعار النفط مرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، وسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العكسية باتجاه الدفع بالاحتياطي للأسواق وخفض الإنتاج، وكذلك بالعلاقة بين أمريكا وروسيا باعتبار أن الأخيرة منتج رئيسي للنفط، وفي حال تطورت العلاقة بين الدولتين قد تدفع روسيا كميات أكبر للأسواق النفطية".

 

انكماش

وفي ظل التوقعات "المتشائمة" لصندوق النقد الدولي بأن العراق سيكون أكثر بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى انكماشاً في الاقتصاد خلال العام الحالي، أبدى المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، استغرابه من هذا المؤشر، معتبراً أنه "عكس الحقيقة".

وعلل صالح خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، ذلك إلى أن "العراق يعتبر ثالث اقتصاد عربي من حيث قوة الناتج المحلي الإجمالي بعد السعودية والإمارات، وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في العام 2024 نسبة 4 بالمئة، وهذا يعود لوجود نهضة في التنمية ونشاط وتنوع في الاقتصاد واستقرار سياسي للمرة الأولى منذ عشرين سنة".

لذلك اعتبر صالح، أن "هذا المؤشر السالب بالنمو، جاء غريباً وليس هناك ما يبرره، فهو متشائم أكثر من اللزوم ومبالغ به، وربما جاء هذا الانطباع استناداً إلى بيانات قديمة أو فكرة غير صحيحة عن ما يجري في العراق من تقدم وإصلاح اقتصادي وتعاون إقليمي ودولي بهذا المجال".

ورجح أن "حرب التعريفات الكمركية التجارية التي يعيشها العالم حالياً بين الصين وأمريكا هي قصيرة الأجل وفي طريق التسوية، وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية، وجميع العالم في طريقه إلى التسويات للبدء بعصر جديد للتنمية والإنماء وبالتالي زيادة الطلب على النفط".

"غير مفاجئ"

لكن، وعلى عكس المستشار الحكومي الذي استغرب "الانكماش"، رأى أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، أن تقرير صندوق النقد الدولي الأخير "غير مفاجئ، بل يعكس واقعاً اقتصادياً معقداً يمر به العراق في هذه المرحلة".

وبين السعدي، خلال حديثه للوكالة، أن "هذا الانكماش مرتبط بعوامل متداخلة عديدة، في مقدمتها تذبذب أسعار النفط وانخفاضها إلى مستويات لا تكفي لتحقيق التوازن المالي المطلوب، خاصة وأن العراق لا يزال يعتمد بشكل شبه كامل على عائدات النفط لتمويل نفقاته العامة".

"وعندما تنخفض هذه الأسعار إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل، كما يحدث حالياً، فإن الدولة تجد نفسها أمام تحديات مالية حقيقية، من أبرزها اتساع العجز المالي وتراجع القدرة على تمويل المشاريع الاستثمارية والخدمية"، بحسب السعدي.

وعزا السعدي، سبب ذلك إلى أن "العراق لم ينجح بعد في بناء اقتصاد متنوع قادر على امتصاص الصدمات النفطية، مما يبقي العراق في دائرة التبعية للأسواق الخارجية والدعم الحكومي، ولذلك، فإن أي تغير في الإيرادات النفطية أو تقلب في أسعار الصرف يُترجم فوراً إلى تباطؤ اقتصادي قد يتطور إلى انكماش".

ورأى أن "ما يجعل هذا العام من الناحية الاقتصادية أكثر صعوبة من سابقه هو تراكم الأزمات، فإلى جانب أزمة أسعار النفط، هناك اضطرابات في سوق صرف الدولار داخل العراق، حيث بدأت الأسعار تنخفض ولكن بطريقة لا تعكس بالضرورة استقراراً نقدياً حقيقياً، بل نتيجة تدخلات إدارية أكثر منها ناتجة عن قوة في العرض النقدي أو استقرار تجاري".

"الأصعب" منذ سنوات

وتتطابق مخاوف نوار السعدي مع تحذيرات الباحث الاقتصادي، أحمد عيد، بأن "العام الجاري 2025 يعد من أصعب السنوات الاقتصادية للعراق مقارنة بالسنوات التي أعقبت انتهاء جائحة كورونا نتيجة عوامل عديدة، في مقدمتها تذبذب أسعار النفط عالمياً وانخفاضه إلى مستويات غير كافية لتغطية نفقات الدولة العراقية".  

وأوضح عيد، لوكالة شفق نيوز، أن "التقديرات الأخيرة لصندوق النقد الدولي أظهرت حاجة العراق إلى أن يكون سعر برميل النفط من 90 إلى 92 دولاراً لتحقيق التوازن المالي، في حين أن الأسعار الحالية مازالت تتراوح ما بين 65 إلى 72 دولاراً، ما يضع العراق في ضائقة مالية وتوسع في فجوة العجز".

وفي ظل هذه التحديات، شدد على ضرورة "إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية واستراتيجية واضحة لتنويع مصادر الدخل الوطني، وتمكين القطاع الخاص لقيادة جزء كبير من النشاط الاقتصادي بعيداً عن النمط الريعي الذي يعيشه العراق حالياً واثبت هشاشته الاقتصادية".

ولفت عيد، إلى أن "انخفاض قيمة الدولار أمام الدينار العراقي في الأسواق لا يعد مستداماً، فهو وقتي ونسبي، لأنه لا ينبع من قوة فعلية للسياسات المالية والنقدية للدولة، وإنما يتأثر بعوامل خارجية وظروف استثنائية بعضها سياسي والآخر يتعلق بإجراءات فنية مؤقتة".

وهو ما يتطلب، وفق عيد، بناء منظومة اقتصادية قوية تعتمد على الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الدخل وهذا هو الأساس لدى الاقتصاد العراقي لتحقيق استقلال نسبي بالقرار النقدي بعيداً عن الضغوطات السياسية والإقليمية والدولية التي تحيط بالعراق".

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon