الموصل تعود من تحت الركام بعد عقد من الدمار
شفق نيوز/ سلط تقرير أمريكي، الضوء على الأعمال الجارية منذ سنوات لإعادة مدينة الموصل إلى الحياة، والتحديات التي تواجهها المدينة بعد سنوات الرعب التي ميزت احتلال تنظيم داعش لها، بما في ذلك بطء عمليات إعادة الإعمار والفساد والألغام في ظل تحدي الحفاظ على الإرث المعماري والتاريخي للمدينة.
وتناول التقرير الذي أعده موقع "المونيتور" الأمريكي، وترجمته وكالة شفق نيوز، حكاية عماد زكي محمد (55 عاما) وهو إمام من الموصل، والذي كان يذهب بانتظام ليرفع الأذان في مسجد النوري الكبير، لغاية تفجيره من قبل داعش إلى جانب منارة الحدباء المائلة في حزيران / يونيو العام 2017، في آخر تمركز للارهابيين قبل اعلان هزيمتهم، وقبل ذلك، خلال المعركة التي بدأت في تشرين الاول/اكتوبر العام 2016.
وكان محمد قد خسر مسجده وابنه، فيما وصفه التقرير بانه أحد اعنف الصراعات الحضرية منذ الحرب العالمية الثانية من خلال معركة تحرير الموصل حيث لم يترك شيء لم تمسه أهوال الحرب التي انتهت في مثل هذا اليوم المصادف 9 تموز/يوليو 2017.
حياة أفضل
وبعد مرور ما يقرب من عقد من الزمان، اصبح صوت محمد يسمع مرة أخرى من المسجد خلال الأذان، ليعلو على نشاز الأصوات التي يتسبب بها نشاط إعادة إعمار ليس فقط لمسجد النوري، وانما أيضا للمباني التاريخية الأخرى والمواقع الدينية والمتاحف في الموصل، وفق تقرير المونيتور.
وعاد محمد ليرفع الاذان من المسجد قبل عامين، حيث نقل التقرير عنه قوله إن "المدينة تعود إلينا الآن.. الوضع أفضل كل ما يريده سكان الموصل الآن هو حياة أفضل".
وبحسب التقرير الأمريكي، فإن محمد مثل غيره من الموصليين، هرب من المدينة خلال المعركة، لكنه في السنوات الماضية، عندما بدأ اتحاد المنظمات الدولية العمل على إعادة بناء المدينة، عادت عائلته وغيرها.
لكن التقرير، أشار إلى أن الموصل – ثاني أكبر مدن العراق - وأحد أهم المدن في التاريخ القديم والتي كانت عاصمة للامبراطورية الآشورية "ما تزال في حالة خراب حيث بالامكان مشاهدة ملامح هندستها المعمارية التي كانت جميلة في هياكلها المتداعية وسط أكوام من الركام والواجهات التي اخترقها الرصاص".
كل شارع في الموصل، يتضمن هياكل المباني التي مزقتها الحرب والتي يتم إعادة إحيائها ببطء فيما يعمل العراقيون والمنظمات الدولية على إعادة المدينة إلى الحياة، بحسب التقرير.
مشاريع الإعمار
وتناول التقرير الأمريكي، مشاريع إعادة إعمار المسجد النوري في إطار مشروع منظمة "اليونسكو" (إحياء روح الموصل) والذي ساهمت فيه الإمارات بأكثر من 50 مليون دولار.
وهناك أيضا مشروع ترميم كنيسة الساعة وكنيسة الطاهرة التي يبلغ عمرها 800 عام، وهي من رموز التنوع في الموصل، والتي من المقرر أن تكتمل بحلول نهاية العام 2023.
وبالاضافة إلى ذلك تجري جهود لإعادة بناء متحف الموصل - ثاني أكبر متحف في العراق - بعد المتحف الوطني في بغداد، والمقرر إن يعاد افتتاحه في العام 2026.
في هذا الصدد، قال مدير متحف الموصل الثقافي، زيد غازي سعدالله، لموقع "المونيتور" إن "تنظيم داعش كان يحاول تدمير ذاكرة العراق والشعب العراقي، لكن أهالي الموصل يريدون أن تبقى ذكرى التدمير، وألّا ينسوا ما جرى، وان يتذكروا كيف أعيد بناء المدينة".
بدورها، ذكرت مديرة قسم آثار الشرق الأوسط القديمة، في متحف اللوفر (فرنسا)، ريان توماس، أن "متحف الموصل يشكل رمزية حيث انه يروي قصة الموصل ومنطقة شمال العراق بأكملها"، مضيفة أن "عملية الترميم لم تكن سهلة، مشيرة إلى "اكتشاف قنبلة لم تنفجر على السطح في العام 2019، وأن العمال الذين شاركوا في اعادة الترميم كانوا متحمسين للغاية، برغم ان العمل لم يكن سهلا".
وظائف عمل
وتؤكد تقارير صادرة عن برنامج الامم المتحدة الانمائي، أن إعادة الاعمار في الموصل وفرت حتى العام 2019، حوالي 80 ألف وظيفة مباشرة و120 ألف وظيفة غير مباشرة على مدار خمس سنوات، وهو ما يظهر حجم فرص العمل التي يمكن أن تنشأ من تطوير البنية التحتية وحدها في المدينة.
وعلى إثر ذلك، نقل تقرير المونيتور، عن المديرة الاقليمية لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في صندوق الآثار العالمية اليساندرا بيروزيتو قولها إن "إحياء الموصل يتم في جميع مجالات الحياة في المدينة"، مضيفة ان "خلق بنية تحتية جديدة يؤدي الى توفير فرص عمل في الاعماء والهندسة والتوسع في صناعة الخدمات لدعم الاقتصاد المتنامي".
ولفتت بيروزيتو، إلى أن "المبادرات الثقافية مثل اعادة تاهيل متحف الموصل الثقافي تشكل عنصرا مهما في تجديد المدينة الذي سيأتي بالناس الى المركز ليس فقط لزيارة المتحف، وانما ايضا لتناول الطعام في المطاعم والاقامة في الفنادق".
فرص عمل
من جانبه، أفاد المترجم قاسم عبد الرحمن خضر، الذي يعمل في الموصل، بأن "إعادة اعمار منازل الناس وترميمها، يتطلب مجموعة من فرص العمل للنجارين والبنائين والسباكين والكهربائيين وغيرهم من الحرفيين المهرة".
وأضاف خضر: "نحن نخاطر بحياتنا لاعادة بناء مدينتنا ورؤيتها حية مرة اخرى، وهو عمل شاق، الا ان النتائج رائعة".
وما تزال هناك مجموعة من المسؤولين الفاسدين ونقاط الضعف المؤسسية، وعدد محدود من خلايا داعش المتبقية في البلد، خصوصا في المناطق الريفية، في حين ما تزال أيضاً السياسات العراقية تتسم بالفوضوية والفساد، وفقاً للمونيتور، الذي أكد أن "أي تجدد للتوتر بمقدوره أن يتسبب في تعطيل إعادة إعمار الموصل".
وختم التقرير الأمريكي، بالقول إن "بعد العمليات المعقدة لإزالة الألغام والتي نفذها الجيش العراقي، بدأت أعمال الترميم في العام 2020، لكن الألغام ما تزال نشطة حتى يومنا هذا في المدينة، حيث تم وضع علامة "امنة" على الجدران في المواقع التي تم فيها إزالة الألغام، فيما تم وضع إشارة بخط أحمر، إذ ما يزال يتحتم إزالة الالغام التي تسببت بوقوع العديد من الاصابات وحتى وفاة عدد من الأطفال.