الكرخ تطلّق أكثر من الرصافة.. مفارقة الأرقام ونسب الفقر

شفق نيوز/ رغم أن جانب
الرصافة من العاصمة بغداد يُعد الأكثر كثافة سكانية، إلا أن الإحصائيات الرسمية
الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى تكشف عن ظاهرة لافتة، حيث تبين أن معدلات الطلاق في
الكرخ تتفوق شهرياً على نظيرتها في الرصافة، وبنسب تتجاوز أحياناً الضعف، ما يفتح
الباب أمام تساؤلات أعمق تتجاوز العوامل الاقتصادية وحدها.
أرقام تكشف المفارقة
ففي شهر أيار/ مايو الماضي، سجلت محكمة الكرخ 1125 حالة
طلاق من أصل 3316 عقد زواج، بنسبة بلغت 33.9%، مقابل 865 حالة طلاق في محكمة
الرصافة من أصل 4914 عقد زواج، بنسبة 17.6% فقط.
وهذه الفروقات لا تبدو استثنائية، بل تظهر بشكل متكرر
وثابت على مدار الشهور الخمسة الأولى من العام الحالي.
وخلال الشهور الأربعة الأولى من العام 2025، سجلت محكمة
الرصافة أعداداً متفاوتة من عقود الزواج وحالات الطلاق، حيث بلغ عدد عقود الزواج
في كانون الثاني/ يناير 4475 عقداً، مع تسجيل 1012 حالة طلاق، ما يعادل نسبة طلاق
بلغت نحو 22.6%.
وفي آذار/ مارس، انخفض عدد عقود الزواج إلى 4020 عقداً،
مع تسجيل 764 حالة طلاق، بنسبة طلاق حوالي 19%. أما في نيسان/ أبريل، فقد شهد عدد
عقود الزواج ارتفاعاً طفيفاً إلى 4244، مع تسجيل 854 حالة طلاق، بنسبة 20.1%. وفي
أيار/ مايو، وصل عدد عقود الزواج إلى 4914 عقدًا، مع تسجيل 865 حالة طلاق، بنسبة
17.6%.
أما في جانب الكرخ، فقد كانت الأرقام مختلفة بشكل ملحوظ،
حيث سجل عدد عقود الزواج في كانون الثاني/ يناير 2951 عقداً، مع تسجيل 1245 حالة
طلاق، ما يعادل نسبة طلاق مرتفعة بلغت 42.1%. وفي آذار/ مارس، انخفض عدد عقود
الزواج إلى 2325 عقداً، لكن حالات الطلاق بقيت مرتفعة عند 1035 حالة، بنسبة طلاق
وصلت إلى 44.5%.
وفي نيسان/ أبريل، سجلت الكرخ 2857 عقد زواج، مع 1056
حالة طلاق، بنسبة 36.9%. وأخيراً في أيار/ مايو، ارتفع عدد عقود الزواج إلى 3316
عقدًا، مع تسجيل 1125 حالة طلاق، بنسبة طلاق بلغت 33.9%.
وتوضح هذه الأرقام أن الكرخ، رغم قلة عدد عقود الزواج
مقارنة بالرصافة، تعاني من نسب طلاق مرتفعة تتراوح بين 33.9% إلى 44.5%، في حين أن
الرصافة تتميز بنسبة طلاق أقل تتراوح بين 17.6% إلى 22.6%، مما يبرز الفجوة
الواضحة بين الجانبين في معدلات الانفصال الزوجي خلال هذه الفترة.
تحولات ثقافية
ويرى الباحث الاجتماعي علي القيسي أن ارتفاع نسب الطلاق
في الكرخ، مقابل انخفاضها في الرصافة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، يكشف أن
المسألة لا تتعلق فقط بالمال بل بثقافة المجتمع وسلوك أفراده.
ويقول القيسي في حديث لوكالة شفق نيوز، إن
"الانطباع العام يقول إن الفقر سبب رئيسي للطلاق، لكن الأرقام تشير إلى العكس
في بغداد. ففي الوقت الذي تسجل فيه الرصافة نسب فقر أعلى وتتسم بكثافة سكانية وضغط
اقتصادي كبير، نجد معدلات الطلاق أقل مقارنة بالكرخ، التي تُعد أكثر استقراراً
مالياً".
ويتابع أن "الكرخ تحتوي على مناطق ذات نسب فقر
منخفضة جداً – مثل المنصور واليرموك – تصل في بعضها إلى أقل من 3%. في المقابل،
تُسجل مناطق في الرصافة نسب فقر تتجاوز 10% بحسب بيانات وزارة التخطيط والبنك
الدولي، لكن رغم ذلك، الطلاق أقل. وهذا لأن الكرخ تشهد ارتفاعاً في الاستقلال
المالي، خاصة بين النساء، وضعفاً في رقابة العائلة الممتدة، ما يجعل قرار الانفصال
أسهل. أما في الرصافة، فالعوز وضغط العائلة والتقاليد كلها عوامل تؤجل أو تمنع
الطلاق، حتى لو كان الزواج فاشلاً".
شهادات من الواقع
وتقول سهاد الربيعي، وهي من سكان الكرخ، في حديث لوكالة
شفق نيوز، إنها تقدّمت بطلب الطلاق بعد عام ونصف فقط من زواجها، مبينة أنها لو
كانت تعيش مع أهل زوجها أو كانت مضطرة مادياً للاستمرار، ربما بقيت، لكنها اختارت
راحة بالها لأنها مستقلة مالياً وتسكن في بيت منفصل.
أما الناشط المدني سمير الخفاجي من الرصافة، فيؤكد
لوكالة شفق نيوز، أن الطلاق في مناطقهم لا يُتخذ بسهولة، ليس فقط بسبب الوضع
الاقتصادي، بل لأن المجتمع ينظر إلى المرأة المطلقة نظرة قاسية وكأنها فشلت أو
أصبحت عبئاً، ما يجعل كثيراً من النساء يتحملن ما لا يُحتمل.
ويضيف أن "السكن المشترك مع الأهل، رغم مشكلاته،
يفرض نوعاً من الرقابة الاجتماعية والضغط الذي يدفع نحو الاستمرار في الزواج بأي
ثمن".
فيما يلفت الشاب حيدر قاسم، وهو من الكرخ، في حديثه
لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الطلاق أصبح موديلاً لدى بعض الفتيات، ويُستخدم
كنوع من المفاخرة لا كحل أخير".
ويشير إلى أن "الفتيات اليوم يطلبن بيتاً مستقلاً
وسيارة وسفر وكأن الشاب وريث لإمبراطورية وادي الرافدين، وصار الزواج مشروع رفاه،
لا شراكة وتحمل كما كان في السابق".
ويوضح الباحث عبد الستار جاسم في تصريح لوكالة شفق نيوز،
أن "نسب الطلاق في الكرخ مرتفعة وتتراوح بين 33% و45% رغم انخفاض معدلات
الفقر، مما يشير إلى تحوّل ثقافي نحو الفردانية والاستقلال المادي، في حين أن نسب
الطلاق في الرصافة منخفضة 17–23% رغم الفقر، وذلك بفعل تماسك البنية العائلية
والتقاليد الاجتماعية الضاغطة".
ويشير جاسم إلى أن "هذه المفارقة تعني أن الفقر لا
يفسّر وحده ظاهرة الطلاق، بل إن تحوّلات القيم والعلاقات داخل المجتمع البغدادي
تلعب الدور الأكبر في رسم ملامحها".
وبين "من يتمسك بالزواج كمسؤولية جماعية وبين من
يخوضه كخيار فردي مشروط، تبرز الأرقام كمؤشر على تغيرات صامتة لكنها عميقة في واقع
الأسرة العراقية".