العقوبات الأمريكية ودول إقليمية أسهمت بتدميرها.. ما سر تعطيل المصانع العراقية؟
شفق نيوز/ 37 ألف مصنع متوقف عن العمل في العراق، رقم يعكس حجم التدهور الكبير الذي يعاني منه القطاع الخاص جرّاء غياب الخطط الحكومية للارتقاء به بعد عام 2003، ما ساهم بتدمير هذا القطاع ليضاف إلى باقي القطاعات التي تعرضت لتدمير ممنهج، وفق مراقبين.
أما المعنيين، فقد أكدوا أن رئيس الحكومة الحالي، محمد شياع السوداني، يعوّل على القطاع الخاص كثيراً، وتمت إعادة العمل بأعداد كبيرة من المصانع خلال السنتين الماضيتين، حتى وصلت المصانع العاملة حالياً إلى 30 ألف مصنع، وهناك جدية وبوادر لإعادة الأعداد الباقية المتوقفة.
تدهور وعقوبات
ويشهد القطاع الخاص في العراق، تدهوراً كبيراً جرّاء غياب الخطط الحكومية للارتقاء به، مما جعله يستمر بالتراجع بشكل مستمر ومساهمته في الاقتصاد الوطني ضئيلة جداً، بحسب الخبير الاقتصادي، عمر الحلبوسي.
ورأى الحلبوسي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن دخول الساسة إلى القطاع الخاص، جعل أغلب مجالاته محتكرة وحولوه إلى "نافذة لزيادة ثراء فئة معينة من الساسة، الذين استغلوا القطاع الخاص لتكوين مؤسسات خاصة تكون نافذة لغسيل الأموال فضلاً عن واجهات اقتصادية".
وبحسب الحلبوسي، فيؤشر ذلك في العقوبات الأمريكية التي طالت القطاع الخاص العراقي، في ظل غياب التمويل من المصارف الخاصة والحكومية، واحتكار المبادرات الحكومية لجهات معينة دون غيرها من الشعب".
كما أن التدخلات الخارجية أسهمت هي الأخرى في تفاقم تراجع القطاع الخاص، وفق الحلبوسي، الذي استدرك بالقول: "عملت دول إقليمية على تدمير القطاعات العراقية كافة من أجل أن يبقى العراق سوقاً لتصريف بضائعها، في ظل انعدام سيادة القرار والإرادة الوطنية للنهوض بالاقتصاد العراقي".
ما سبق أسهم بحسب الخبير الاقتصادي، في تراجع فرص العمل التي يوفرها القطاع الخاص، وكذلك تراجع الأجور رغم ساعات العمل الطويلة، والأعباء التي تُفرض على العاملين في القطاع الخاص، وفي أغلب الأحيان يتم الاستغناء عن العاملين دون سبب يذكر".
وجاءت العقوبات الأمريكية على القطاع المصرفي، لتسهم هي الأخرى في قلّة فرص العمل وتراجع الأجور"، يقول الحلبوسي.
ويضاف لذلك، بحسب الحلبوسي، التخلي عن عدد كبير من العاملين لتستمر أزمة تدهور القطاع الخاص وقلّة مساهمته في الناتج المحلي، مع قلّة خلق فرص العمل على الرغم من أن أساس النهضة الاقتصادية للبلدان هو القطاع الخاص، كونه الأكثر مرونة والأسرع بالاستجابة للتغيرات، إلا أن الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 وحتى الآن ساهمت بتدمير القطاع الخاص ليضاف إلى باقي القطاعات التي تعرضت لتدمير ممنهج"، بحسب الخبير الاقتصادي.
معاناة العامل العراقي
يواجه العمال العراقيون تحديات ومشكلات تتعلق بحقوقهم القانونية والضمان الاجتماعي والصحي، ما يتطلب توحيد الجهود ومضاعفة العمل لوضع خطط ملموسة وحقيقية تعالج تردي أوضاعهم، ووضع الصناعة في بلادهم.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في 3 كانون الأول 2023، دخول قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال في القطاع الخاص حيز التنفيذ، بعد أن صوت مجلس النواب العراقي عليه، في أيار 2023، في خطوة وصفتها الحكومة بأنها أساسية ضمن الإصلاحات الاقتصادية التي وعدت بها، وضمان حقوق العاملين في هذا القطاع.
وفي هذا السياق، ذكر نائب رئيس اتحاد نقابات العمال في العراق، رحيم الغانمي، أن "الحد الأدنى لأجور العامل 450 ألف دينار شهرياً، ووقت العمل 8 ساعات في اليوم، على مدى 6 أيام في الأسبوع".
وأوضح الغانمي، خلال حديثه للوكالة، أن "القوانين التي تخص الطبقة العاملة معطلة، حيث إن العامل العراقي لا يلقى الحقوق كما أقرانه في الوطن العربي، رغم أن العامل العراقي يمتاز بمهارات عدة".
وأكد أن "الكثير من المصانع والمعامل والشركات معطلة، منها معمل الغزل والنسيج في الكوت وبابل، والقطاع المختلط، والقطاع الصناعي، والصناعات الخفيفة، فلا توجد صناعة محلية وحتى الخضار يتم استيراده، وما يعمل حالياً المطاعم والفندقة".
وساهمت مكاتب تشغيل العمالة الأجنبية بفقدان وظيفة العامل العراقي، وأغلب الذين يستقدمون للبلاد هم ليسوا فنيين وذوي خبرة، بل مستواهم أدنى من العامل العراقي، وفق الغانمي.
العمالة الأجنبية
وكان رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، ستار دنبوس أشار في حديث سابق للوكالة، إلى "وجود فوضى في ملف العمالة الأجنبية التي تقدر بأكثر من مليون عامل، وهؤلاء دخلوا إلى البلاد بشكل عشوائي دون شروط وقيود ومراقبة من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ما أثر سلباً على نسبة العاطلين عن العمل في العراق".
بدوره، بين الخبير القانوني، علي التميمي، قانونية وجود العمال الأجانب في العراق بالقول إنه "لم يشرع قانون خاص بالعمالة الأجنبية في العراق، والقانون المطبق هو قانون العمل 37 لسنة 2015 وقانون إقامة الأجانب 118 لسنة 1978".
واشترط هذين القانونين "حصول العامل على إجازة العمل كشرط للتواجد وجواز سفر وسمة دخول وشروط أمنية أخرى، وعادة ما يُغرّم المخالف بمبلغ لا يزيد عن 500 دولار ثم يرحل وحسب قرار محكمة التحقيق"، وفق التميمي.
ولفت التميمي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "وجود هؤلاء العمال الذين يُقدّر عددهم بمليون عامل دون خطط يشبه كثرة السيارات المستوردة، له أثر على الاقتصاد والأمن الجنائي والبطالة وخروج الأموال".
وشدد على ضرورة "تشريع قانون خاص بذلك يفصّل كل جوانبهم ووجودهم وترحيلهم، والمعلومات تقول أن أعداداً كبيرة منهم يعملون بلا إقامة، ولا حل أمام القضاء سوى ترحيلهم إلى بلدانهم".
معرقلات الاستثمار
وفي تصريحات سابقة لوكالة شفق نيوز، أكد عضو لجنة الاستثمار والتنمية النيابية، حسين السعبري، أن الاستثمار في العراق يواجه عرقلة من وزارات ودوائر ومؤسسات في الدولة، منها مشكلة الحصول على موافقات وزارة الصناعة لإنشاء المعامل الصناعية، مؤكداً على ضرورة توفير الدعم الحكومي للمشاريع والاستثمارات لتشغيل الأيدي العاملة والاستفادة من الأموال داخل البلاد بدلاً من ذهابها إلى الخارج.
هذا وأفاد عضو لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة النيابية، سوران عمر، بأن "الصناعة العراقية بحاجة إلى النمو، وهو ما يتطلب مساعدة وزارة الصناعة من تخصيص موازنة جيدة لها، وتسهيل الاستثمار في الصناعة، وتنمية المصانع من خلال توفير الوقود والكهرباء والأرض لها".
وأضاف عمر: "وكذلك إصدار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي أرسلته الحكومة لحماية حقوق كلا القطاعين في الشراكة، وأن تهتم الحكومة بالأمن الاقتصادي وتُنفّذ قانون حماية المنتج المحلي، وفي الوقت ذاته، تُسيطر على المعابر الحدودية، وتعاقب المهرّبين، الذين تسببوا بأضرار جسيمة للصناعة والزراعة العراقية".
ونوه إلى أن "رئيس الوزراء نفسه كان وزيراً للصناعة حتى عام 2018"، مبيناً أن "وزير الصناعة الحالي كان وزيراً للتخطيط في الحكومة السابقة، لذلك من المتوقع أن تنمو الصناعة العراقية".
ويحتاج العراق إلى معامل في القطاعات الصناعية المختلفة، سواء كان في الأدوية أو الأغذية أو الإنشائية أو النسيجية أو الكهربائية وغيرها، إضافة إلى الخدمات والإنتاج، بحسب رئيس اتحاد الصناعات العراقية، عادل عكاب.
وعن تصنيف أهمية القطاعات، بيّن عكاب، أن "الدواء والغذاء يأتي في المركز الأول، لكن في المقابل هناك حاجة لبناء أكثر من 4 ملايين وحدة سكنية، وهذه تحتاج إلى المواد الإنشائية المختلفة، لذلك لا يمكن استثناء قطاع دون آخر لأن جميعها مهمة للبلاد".
ولفت إلى أن "العراق فيه قدرة شرائية جيدة كما هناك تعطّش للصناعة الوطنية الحقيقية المميزة عن المستورد، والملبّية لطموح المواطن"، مشيراً إلى أن "الحكومة لديها رؤية لإنعاش الصناعة، وفعّلت قرارات كانت متوقفة سابقاً، ونأمل بترجمة رؤيتها كاملة على أرض الواقع".
اهتمام حكومي
وفي هذا الجانب، أكد رئيس مستشاري اتحاد الصناعات، عقيل رؤوف أحمد، أن "رئيس الوزراء يعوّل على القطاع الخاص كثيراً في إنشاء مليون وحدة سكنية خلال الاجتماع معه مؤخراً، حيث ستكون للمنتجات العراقية الأفضلية في تجهيز هذه الوحدات".
وعن واقع المصانع ومحاولات إعادة المتوقف منها، أوضح أحمد، للوكالة، أن "هناك بحدود 67 ألف مصنع مسجل، وتم إعادة - خلال السنتين الماضيتين مع التي كانت تعمل سابقاً - 30 ألف مصنع، لكن ما يزال هناك 37 ألف مصنع متوقفاً عن العمل".
وتابع: "هناك جدية لإعادة جميعها للعمل، حيث تم الطلب خلال الاجتماع مع السوداني بإعفاء المواد الأولية من الضرائب، للمساهمة بإعادة المصانع، وتخفيض الكهرباء والوقود، وحماية المنتج، وتمليك الأراضي للصناعيين، وإعفاء الضرائب المتراكمة، وتم تنفيذ جميع تلك الطلبات خلال يومين فقط".
وأشار إلى أن "القرارات اتخذت، وفي انتظار تطبيقها، لكن رئيس الوزراء أكد عزمه على تنفيذها، وفي حال تمت إعادة تشغيل المصانع المتوقفة فسوف تنشط جميع المصانع الأخرى، حيث إن المصانع مكملة للأخرى، ما سيؤدي إلى تشغيل الأيدي العاملة والحد من البطالة".
البطالة وسوق العمل
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة التخطيط الاتحادية، عبد الزهرة الهنداوي، إن "نسبة البطالة عام 2021 بلغت 16.5%، وهي نسبة مرتفعة عن الأعوام السابقة، لتداعيات جائحة كورونا، من توقف الأنشطة الاقتصادية والفعاليات التنموية".
ورجح الهنداوي، خلال حديثه للوكالة، انخفاض معدلات البطالة، في ظل الإجراءات التي تم اتخاذها خلال السنتين الماضيتين 2022 و2023، منها التعيينات الكثيرة واستئناف العمل بالكثير من المشاريع إلى جانب البدء بمشاريع جديدة، التي وفرّت الآلاف من فرص العمل للشباب، مختتماً حديثه بالقول: "يجري في الوقت الحاضر مسحاً لمعرفة النسب الجديدة".