العطش يجتاح الريف العراقي.. الجفاف يُشعل أزمة ديمغرافية في الجنوب

شفق نيوز- بغداد
تتعرض المجتمعات الريفية لتغيير ديمغرافي وحركة نزوح تحت وطأة الجفاف الذي يشتد في عموم أنحاء العراق لا سيما في المحافظات الجنوبية، ما تسبب في تدهور الثروات الحيوانية والسمكية، وتراجع جودة التربة، وأثر سلباً على السلم الغذائي والتوازن البيئي الموجود في الأرياف.
وتبلغ نسبة سكان الريف حوالي 30 بالمئة مقارنة بسكان المدن الذين يشكلون حوالي 70 بالمئة من مجموع سكان العراق، أي حوالي 13 مليون نسمة من أصل 46 مليون نسمة، هم إجمالي سكان العراق، وفقاً لنتائج التعداد العام للسكان والمساكن الذي أجري نهاية العام الماضي 2024، وبحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي.
ويوضح الهنداوي، لوكالة شفق نيوز، أن "التغيرات المناخية التي يشهدها العراق والعالم، تسببت بانحسار الزراعة ما دفع العديد من العائلات التي تسكن الريف للبحث عن مصادر رزق بديلة، ونتيجة لذلك انتقل بعض سكان القرى من مكان إلى آخر".
وعن تفاصيل حالات النزوح، يشير الخبير البيئي، أحمد صالح نعمة، إلى أن "المجتمعات تتعرض بعد كل موجة جفاف إلى نوع من التدهور، بما فيه التغيير الديمغرافي وانتقال بعض المواطنين والأسر من مكان سكانهم إلى أماكن أخرى، وترك الريف بما فيه من استقرار ومصادر رزق وموروثات مادية ومعنوية".
الجنوب الأكثر تأثراً
ويشرح نعمة هذه الموروثات خلال حديثه للوكالة، أن "من الموروثات المادية هي مزارعهم وبيوتهم وأماكن تواجدهم ولقاءاتهم، أما الموروثات المعنوية فهي ترك الطابع الريفي بكل ما تعنيه كلمة الريف، وترك الموروثات الاجتماعية والعديد من الأشياء التي كان يهتم بها المواطن في مكان سكناه".
وبما أن محافظات الجنوب تعد مصباً للأنهار وليست منبعاً، فإنها وفقاً لحديث نعمة، فإن الأكثر تأثراً بالجفاف الذي ضرب بأطنابه محافظات ميسان والبصرة وذي قار والمثنى، فيما تعرضت ميسان إلى أقسى موجة نزوح بالفترة الحالية بارتحال حوالي 1600 إنسان من أطراف الأرياف إلى بعض الأقضية والنواحي أو إلى مركز المحافظة.
كما يؤكد، أن "هذا النزوح يؤثر على الثروة الحيوانية وأعداد الأغنام والأبقار والجاموس، وكذلك يؤثر على الثروة السمكية ونوعية الأرض والتربة، حيث إن ترك التربة دون زراعة لمواسم عديدة يؤدي إلى تملّحها".
ويوضح نعمة، أن "هذه الظروف تؤدي إلى تدهور كبير بالبيئة وانتهاء الكثير من النباتات والنظام الحشري أيضاً الذي يعتاش على النباتات، وكذلك تضرر الكثير من الطيور التي تعتاش على النظام الحشري، مما يعني تدهور كل السلم الغذائي والبيولوجي الموجود في الأرياف"
آثار اقتصادية في العراق
من جهته، يقول الخبير الزراعي، خطاب الضامن، إن "هجرة الفلاحين من الريف إلى المدينة لها آثار سلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهذه الأضرار تتمثل بالدرجة الأولى بانخفاض الإنتاج الزراعي نتيجة ترك الفلاحين مزارعهم وتربية المواشي والدواجن، ما يؤثر على الأمن الغذائي".
ولا تقتصر هذه الأضرار على ما ذُكر، حيث يضيف الضامن للوكالة، أن "هجرة الفلاحين تسهم في ارتفاع أسعار الغذاء، وتراجع جودته، وزيادة معدلات الفقر، ما يدفع البلاد للاستيراد من الخارج لتعويض النقص الحاصل في الإنتاج الزراعي، هذا من الجانب الاقتصادي".
أما من الجانب الاجتماعي، يتابع الضامن حديثه، أن "هجرة السكان من الريف إلى المدينة تضعهم في ظروف اجتماعية مختلفة عما اعتادوا عليه سابقاً، لأن هناك فروقات كثيرة بطبيعة التقاليد والأعراف الاجتماعية بين الريف والمدينة".
ويوضح، أن "سكان الريف في المدن يواجهون تكاليف معيشة مرتفعة قياساً بما كانوا معتادين عليه سابقاً، على سبيل المثال في تأمين إيجارات السكن في المدن، فهي مرتفعة بشكل كبير قياساً بدخلهم الفلاحي أو الزراعي، مما يضطرهم إلى السكن في مساكن غير رسمية (عشوائية)".
ويشير إلى أن "النزوح يؤثر على الأرض الزراعية نفسها، إذ يؤدي إلى عدم استثمارها وقد يتم استغلال هذه الأرض لاستخدامات أخرى غير الزراعية تؤدي إلى التصحر، وبالتالي النزوح له أضرار سلبية على البيئة وعلى الواقع الاقتصادي في البلاد".
وبغية الحد منها، يؤكد المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أن "الوزارة لديها سياسة تتضمن مسارات عدة لتنمية الريف وإعادة الحياة إليه، بينها تطوير القرى الريفية أو ما تسمى (أمهات القرى) التي فيها أعداد سكان أكثر واشتراكات مع القرى الأخرى".
ويضيف، "كما يوجد الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي يقوم بتنفيذ مشاريع خدمية في القرى الريفية الفقيرة، وهذه المشاريع تتضمن بناء مراكز صحية ومدارس ابتدائية ومتوسطة ومد خطوط ماء وكهرباء وتعبيد الطرق، وهذه تسهم وأسهمت في تحقيق حالة من الاستقرار السكاني في القرى الريفية، هذا من جانب".
ويلفت الهنداوي، إلى "إنشاء صندوق المناطق الأكثر فقراً الذي يقدم الدعم والمساعدة للقرى والمناطق الفقيرة في المحافظات التي تشكل فيها معدلات فقر عالية".
وأشار إلى إعادة استحداث عدد من الوحدات الإدارية على مستوى القضاء والناحية منها إعادة استحداث ناحية الطيب في محافظة ميسان، وإعادة استحداث قضاء مندلي في محافظة ديالى، واستحداث قضاء الاسكندرية في محافظة بابل.
ومن شأن هذه الاستحداثات، بحسب الهنداوي، أن "تسهم في تشكيل وحدات إدارية تتبعها خدمات، وبالتالي سيكون لها أثر طيب في خلق حالة من الاستقرار السكاني في المناطق الريفية وعودة الروح والنشاط للقطاع الزراعي، لتزداد مساهمته في تأمين السلّة الغذائية وفي عملية تشكيل الناتج المحلي الإجمالي".