العالم في 2024.. حروب، اغتيالات، وتحولات سياسية ومناخية غير مسبوقة
شفق نيوز/ عام 2024 كان عامًا استثنائيًا شهد أحداثًا دراماتيكية تركت أثرًا عميقًا على العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط. فقد هيمنت الحروب والأزمات على المشهد، مع تصاعد أعمال العنف واغتيالات، وتدمير مدن بأكملها، وتغيير أنظمة سياسية. وعلى صعيد البيئة، تم تسجيل أعلى درجات حرارة على الإطلاق خلال فصل الصيف، مما زاد من التحديات التي يواجهها العالم.
الشرق الأوسط: أزمات متفاقمة
بدأ العام وما زالت حرب غزة مشتعلة، حيث اندلعت شرارتها في أكتوبر/تشرين الأول 2023. بدلاً من أن تُطوى صفحة الحرب في 2024، تحولت إلى كارثة إنسانية كبرى. استمرت عمليات التهجير والنزوح التي طالت نحو مليوني فلسطيني، بينما تعرضت غزة لموجة من الغارات والقصف الإسرائيليين، في سياق حرب استهدفت كما تقول إسرائيل القضاء على حركة حماس.
التقديرات تشير إلى سقوط نحو 200 ألف بين قتيل وجريح فلسطيني خلال 15 شهرًا من الصراع، مما جعلها واحدة من أكثر الحروب دموية في العصر الحديث.
وبسبب تفاقم الأزمة الإنسانية، اضطرت العديد من الدول الغربية التي لطالما كانت داعمة لإسرائيل إلى اتخاذ موقف مختلف، إذ تحركت دول مثل جنوب إفريقيا، بدعم غير مسبوق، لإقناع المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، وقد أصدرت المحكمة المذكرات في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
الغرب: ديمقراطية هادئة
على النقيض مما شهدته المنطقة العربية، مرت بعض الدول الغربية بعمليات ديمقراطية سلسة، حيث أجريت انتخابات بدون أية مشاكل تُذكر.
أسفرت هذه الانتخابات عن وصول قادة جدد إلى السلطة، مما يعكس الفارق الكبير في طبيعة الأحداث بين الشرق والغرب خلال هذا العام.
عام 2024 يُسجل كمرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة والعالم، إذ تتداخل فيه الأزمات السياسية والإنسانية مع تحولات جذرية على المستويات الدولية.
التصعيد الإسرائيلي: من غزة إلى لبنان
بعد أن أعلنت إسرائيل تقليص عملياتها في غزة بزعم تحقيق أهدافها العسكرية عبر تدمير غالبية قدرات حماس، قامت بنقل تركيزها العسكري إلى شمال الحدود.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، شنت هجومًا بريًا وجويًا واسع النطاق على لبنان، مما أسفر عن نزوح نحو 1.5 مليون لبناني من الجنوب والبقاع الغربي. جاء ذلك ردًا على الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي بدأها حزب الله في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تصاعدت الحرب بشكل دراماتيكي، خاصة مع وقوع سلسلة هجمات ذات طابع تكنولوجي غير مسبوق. ففي 17 سبتمبر/أيلول، فجّرت آلاف أجهزة "البايجر"، ما تسبب في سقوط آلاف القتلى والجرحى، بينهم السفير الإيراني في بيروت. وفي اليوم التالي، استُهدفت أجهزة اتصالات لاسلكية، ما أسفر عن مئات الضحايا.
وصفت السلطات اللبنانية هذه الحوادث بأنها كارثة تفوق في شدتها انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
اغتيال نصرالله وهنية: ضربة مفصلية
كان اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في نهاية سبتمبر/أيلول، واحدًا من أبرز الأحداث التي هزت المنطقة. أثار الحادث صدمة واسعة في لبنان وخارجها، واعتبره الكثيرون نقطة تحول في الصراع بين إسرائيل وحزب الله. تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي وصف فيها نصرالله بأنه "العقل المدبر للنفوذ الإيراني" في المنطقة، أكدت أهمية هذه العملية في إطار المواجهة بين إسرائيل وإيران.
لم يكن اغتيال نصرالله هو الحدث الوحيد البارز. ففي 31 يوليو/تموز، اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، خلال وجوده في مقر ضيافة رسمي بطهران، أثناء مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
مثلت هذه العملية ضربة كبيرة لحماس، وأحرجت إيران التي اعتبرت الاستهداف إهانة لسيادتها. إسرائيل اعترفت بمسؤوليتها عن الهجوم عبر تصريحات وزير الدفاع يسرائيل كاتس، مما أثار غضبًا إيرانيًا ودفعها إلى تنفيذ أكبر عملية إطلاق صواريخ باليستية في نزاع مسلح، حيث أطلقت نحو 200 صاروخ استهدفت قواعد عسكرية إسرائيلية.
توسعت العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وغزة، حيث استهدفت العديد من القيادات الفلسطينية واللبنانية. من بين القتلى زعيم حماس الجديد يحيى السنوار، الذي قضى خلال اشتباك مسلح مع القوات الإسرائيلية في غزة. هذا التصعيد تسبب في نزوح مئات الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين، وسط تفاقم الكارثة الإنسانية.
إلى جانب الاضطرابات في الشرق الأوسط، شهدت الولايات المتحدة حدثًا صادمًا تمثل في محاولة اغتيال المرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، في 13 يوليو/تموز 2024.
أصيب ترامب برصاصة في أذنه اليمنى خلال تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا. المهاجم، الذي كان متمركزًا على بعد 120 مترًا في مبنى قريب، قُتل على الفور برصاص حراسة ترامب.
هذه الحادثة ألقت بظلالها على المشهد السياسي الأمريكي، إذ زادت من توتر الأجواء الانتخابية، وأثارت جدلًا واسعًا حول الأمن الشخصي للمرشحين وخطر الاستقطاب السياسي المتزايد في البلاد.
إلى الجوار الامريكي، كانت المكسيك مسرحًا لانتخابات عنيفة هي الأكثر دموية في تاريخها. اغتيل 37 مرشحًا سياسيًا قبل يوم الاقتراع، في ظل أجواء مشحونة بالعنف والجريمة. ومع ذلك، انتهت الانتخابات بفوز كلوديا شينباوم، لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة المكسيك.
انهيار النظام السوري: زلزال سياسي وإستراتيجي
لم تقتصر أزمات عام 2024 على الصراعات المستعرة في غزة ولبنان، بل امتدت لتشمل سوريا التي شهدت تطورًا غير مسبوق في تاريخها الحديث. ما إن أُعلن وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، حتى اشتعلت جبهة جديدة داخل سوريا، حيث شنت هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني (الذي كشف لاحقًا أن اسمه الحقيقي هو أحمد الشرع)، بالتعاون مع فصائل أخرى مثل "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، هجومًا كاسحًا على مواقع النظام السوري.
في سلسلة أحداث انهارت المدن السورية الرئيسية واحدة تلو الأخرى تحت هجمات المعارضة المسلحة. ابتداءً من حلب، مرورًا بـحماة وحمص ودرعا، وصولًا إلى دمشق. هذا السقوط المتسارع أثار تساؤلات حول مدى هشاشة النظام السوري بعد أكثر من عقد من الحرب، وحول العوامل الخفية التي ربما ساهمت في هذا الانهيار المفاجئ.
وسط هذا الانهيار، غادر الرئيس السوري بشار الأسد البلاد متوجهًا إلى موسكو، في خطوة أنهت فعليًا حكم حزب البعث الذي استمر نحو 60 عامًا. مثل هذا السقوط المدوي للنظام زلزالًا سياسيًا وأمنيًا، تجاوزت تداعياته حدود سوريا ليهز دول المنطقة والعالم.
تداعيات السقوط: قلق إقليمي ودولي
أثار انهيار النظام السوري هواجس كبرى في عدة عواصم:
موسكو: شعرت روسيا بأنها فقدت نفوذها الإقليمي الرئيسي بعد سنوات من دعم النظام السوري عسكريًا ودبلوماسيًا.
طهران: وجدت إيران نفسها في موقف دفاعي، حيث خسرت أهم حليف إقليمي في محور "المقاومة".
عمان والقاهرة: أعربت الدولتان عن قلقهما من انتقال عدوى الفوضى إلى حدودهما.
الرياض وأبوظبي: رغم الخلافات السابقة مع النظام السوري، أثار السقوط مخاوف من تصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة.
بغداد: زادت مخاوفها من تسلل الفصائل المسلحة إلى العراق وإعادة إشعال الأوضاع الأمنية الهشة فيه.
بارقة أمل ديمقراطية وسط الفوضى
رغم الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالعالم في 2024، كانت هناك بعض اللحظات المضيئة، حيث شهدت العديد من الدول عمليات انتخابية ديمقراطية أكدت إرادة الشعوب في تشكيل مستقبلها.
إندونيسيا: قيادة جديدة
في 14 فبراير/شباط 2024، فاز برابوو سوبيانتو بالرئاسة من الجولة الأولى في إندونيسيا، الدولة الإسلامية الأكبر من حيث عدد السكان. هذا الانتصار أكد استمرار الزخم الديمقراطي في البلاد وسط تحديات داخلية وإقليمية.
روسيا والهند: استمرارية السلطة
في مارس/آذار، فاز فلاديمير بوتين بولاية رئاسية خامسة، في انتخابات أثارت جدلاً داخليًا ودوليًا حول مستقبل الديمقراطية في روسيا.
وفي الهند، شارك نحو 968 مليون ناخب في الانتخابات البرلمانية، ما أسفر عن بقاء ناريندرا مودي رئيسًا للوزراء، ولكن هذه المرة عبر حكومة ائتلافية، ما يشير إلى تغيرات في ديناميكيات السياسة الهندية.
في 13 يناير/كانون الثاني، انتُخب لاي تشينغ تي رئيسًا لتايوان. يمثل الرئيس الجديد الحزب الديمقراطي التقدمي ويدعو صراحةً إلى الانفصال عن الصين، مما أثار قلق بكين، التي كانت تأمل في فوز المرشح المؤيد للتقارب معها، هو يو ايه.
أوروبا: اليمين المتطرف في الصدارة
انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في يونيو/حزيران شهدت تقدمًا لافتًا لليمين المتطرف والشعبوي في عدة دول.
في فرنسا، أجبرت النتائج الرئيس إيمانويل ماكرون على حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، مما أدى إلى اضطراب سياسي كبير. تعاقبت أربع حكومات خلال 12 شهرًا فقط، أبرزها حكومة إليزابيث بورن، ثم غابرييل أتال، وميشيل بارنييه، وصولاً إلى حكومة فرانسوا بايرو الحالية.
أما في بريطانيا، فقد شهدت تحولًا تاريخيًا مع فوز كير ستارمر، زعيم حزب العمال، الذي أنهى 14 عامًا من حكم المحافظين.
عودة ترامب: تحول أمريكي مزلزل
أبرز الأحداث السياسية لعام 2024 كان فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، متغلبًا على مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس.
رغم ملاحقته بقضايا فساد وتآمر على نتائج انتخابات 2020، أصبح ترامب أول رئيس سابق يُدان جنائيًا وأول رئيس يُنتخب مجددًا بعد إدانته. حصل على 312 مقعدًا في المجمع الانتخابي مقابل 226 لهاريس، مع سيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ.
أثار فوزه مخاوف دولية كبيرة قبل حتى عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2025.
تداعيات عودة ترامب
عودة ترامب جلبت موجة من القلق العالمي بسبب مواقفه المتشددة:
الصين: احتمال تجدد الحرب التجارية مع بكين.
الناتو وأوروبا: فتور العلاقات واحتمال تقليص الدعم لأوكرانيا.
إسرائيل: انحيازه المطلق، خاصة في سياق الحرب في الشرق الأوسط.
بنما وكندا وغرينلاند: تصريحاته الاستفزازية عن قناة بنما، ووصفه كندا بـ"الولاية الـ51"، وتلميحه إلى رغبته في ضم غرينلاند.
أزمات إنسانية متفاقمة
أعلنت اليونيسف أن نسبة الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراع تضاعفت منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث ارتفعت من 10% إلى 19%، ما يعني أن 473 مليون طفل - أي واحد من كل ستة أطفال - يعيشون في مناطق صراع حول العالم. هذا الرقم يعكس تدهور الأوضاع الإنسانية مع استمرار الحروب والنزاعات.
صيف كارثي: الأكثر حرارة في التاريخ
أكدت خدمة المناخ الأوروبية كوبرنيكوس أن صيف 2024 كان الأكثر حرارة على الإطلاق، حيث تجاوزت درجات الحرارة متوسط ما قبل الثورة الصناعية (1850-1900) بمقدار 1.66 درجة مئوية. ووفقًا للعلماء، فإن تغير المناخ الناتج عن النشاط البشري، إضافةً إلى تأثير ظاهرة النينيو، ساهم في ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة.
كما شهد العالم سلسلة من الكوارث الطبيعية غير المسبوقة في عام 2024:
حرائق غابات: دمرت آلاف الهكتارات في أمريكا الجنوبية.
زلازل وبراكين: ثورات بركانية وزلازل عنيفة ضربت العديد من المناطق.
فيضانات مدمرة:
اليمن: فيضانات غير مسبوقة في أغسطس/آب.
السعودية: سيول في المدينة المنورة.
المغرب: فيضانات مدمرة في سبتمبر/أيلول.
إندونيسيا: فيضانات وحمم بركانية في جزيرة سومطرة.
إعصارات: إعصار في الفلبين، وآخر في فيتنام، وإعصار مدمر في ولاية فلوريدا الأمريكية.
أوروبا: فيضانات شرسة شرق إسبانيا في أكتوبر/تشرين الأول.
الكونغو الديمقراطية: انهيار أرضي هائل تسبب بكارثة إنسانية.
إنجازات علمية ورياضية
في 2 يونيو/حزيران 2024، أعلنت الصين نجاح مسبارها الفضائي غير المأهول "تشانغ آه 6" في الهبوط على الجانب البعيد من القمر، وهي منطقة لا يمكن رؤيتها من الأرض. هذه المهمة التاريخية جلبت أول عينات من الصخور والتربة من هذه المنطقة، ما يمثل قفزة كبيرة في استكشاف الفضاء.
في الأيام الأخيرة من العام، فازت السعودية بحق استضافة مونديال 2034، لتصبح ثاني دولة عربية تحظى بهذا الشرف بعد قطر. هذا الإنجاز يعكس تطور المملكة في مجال الرياضة والبنية التحتية.
كان عام 2024 عامًا استثنائيًا حافلًا بالأحداث، حمل في طياته أزمات إنسانية وحروبًا وصراعات ألقت بظلالها على حياة الملايين، وعمّق التحديات المناخية والطبيعية من معاناة الشعوب في مختلف أنحاء العالم.
ومع ذلك، وسط هذا المشهد القاتم، برزت لحظات أمل وتجدد، سواء من خلال إنجازات علمية غير مسبوقة أو عمليات انتخابية ديمقراطية أعادت تشكيل المشهد السياسي في العديد من الدول.
وبينما تتزايد التحديات الإقليمية والدولية، يظل السؤال المطروح: هل يستطيع العالم أن يتجاوز خلافاته وصراعاته ليواجه معًا الأزمات التي تهدد كوكب الأرض ومستقبل البشرية؟