الصحافة الكوردية في 127 عاماً.. ذكرى كلمة عبرت الحدود وتحدت القيود

الصحافة الكوردية في 127 عاماً.. ذكرى كلمة عبرت الحدود وتحدت القيود
2025-04-22 08:52

شفق نيوز/ يحتفل الصحفيون والإعلاميون الكورد اليوم الاثنين، في مختلف مناطق وجودهم، بذكرى مرور 127 عاماً على تأسيس أول صحيفة كوردية، وسط تحديات متزايدة ومتعددة.

وأطلقت صحيفة "كردستان" أولى أعدادها في القاهرة بتاريخ 22 نيسان/أبريل 1898 على يد الأمير الكوردي مقداد مدحت بدرخان، لتصبح أول مطبوعة باللغة الكوردية، ولتشكل نقطة انطلاق مهمة للصحافة الكوردية التي حافظت على استمرارها رغم القيود السياسية.

وأصبح تاريخ صدور الصحيفة يوماً وطنياً للصحافة الكوردية يحتفل به الكورد سنوياً، وفي عام 2021، اعترف برلمان كوردستان رسمياً بهذا اليوم، مؤكداً دعمه لحرية الصحافة.

الخلفية التاريخية

جاء صدور الصحيفة في حقبة كانت الإمبراطورية العثمانية تهيمن على مناطق تواجد الكورد، لذا اضطر مؤسسوها إلى طباعتها خارج حدود السلطنة المباشرة، وخلال أربع سنوات فقط، نُشر 31 عددًا من صحيفة "كردستان" في مدن متفرقة شملت القاهرة وجنيف ولندن وحتى بلدة فولكستون في بريطانيا.

كانت الصحيفة تُطبع سرًا في المنفى وبدعم بعض الجمعيات، إذ حظّرت السلطات العثمانية تداولها داخل أراضيها مما استدعى تهريب النسخ إلى قرّاء سريين في مدن كأضنة ودمشق وماردين ودياربكر، ورغم تلك القيود، وجدت الجريدة طريقها إلى يد الجمهور الكوردي المتعطش للقراءة بلغته الأم.

ولم تكن جريدة كوردستان مجرد مطبوعة إخبارية عابرة، بل حملت على صفحاتها بذور الوعي القومي الكوردي، فقد حرصت الصحيفة منذ أعدادها المبكرة على تناول قضايا التاريخ والأدب الكردي، إلى جانب جرأة نقدها للسياسات العثمانية ولا سيما معارضة استبداد السلطان عبد الحميد الثاني​.

ولأول مرة، قرأ الكورد بلغتهم الأم مقالات تدافع عن حقوقهم وتعرّف بتاريخهم وثقافتهم في منبر صحفي علني. هذا الدور الريادي للصحيفة أسهم في ترسيخ الهوية الثقافية الكوردية، إذ أدرك القرّاء أن لغتهم يمكن أن تكون أداة صحافة وفكر مثل غيرها من اللغات.

تحديات راهنة

رغم التقدم الملحوظ وتوفر هامش حرية أوسع في بعض المناطق، لا تزال الصحافة الكوردية تواجه عقبات جدّية في مختلف مناطق ذات الغالبية الكوردية في العراق وسوريا وتركيا وإيران. يختلف الواقع من بقعة لأخرى، لكنه يتقاطع في وجود خطوط حمراء وصراعات سياسية وأمنية تحدّ من حرية الإعلام الكوردي.

إقليم كوردستان: يتمتع إقليم كوردستان بمساحة حرية إعلامية أكبر مقارنة بالمناطق الكوردية الأخرى، بفضل الحكم الذاتي الذي أُقيم منذ أوائل التسعينيات.

كما يوجد اليوم عشرات الصحف والمجلات والقنوات الفضائية الكوردية، بالإضافة إلى نقابة للصحفيين الكوردستانيين.

لكن هذا لا يعني أن البيئة خالية من التحديات؛ فهناك انتقادات من التأثير على استقلالية الصحافة.

ورغم أن سلطات الإقليم تؤكد دعمها لحرية الصحافة، يوضح مراقبون محليون أن الصحفي الكوردي هناك لا يزال عرضة للضغوط عبر دعاوى التشهير أو الاعتداءات أثناء تغطية التظاهرات.

(شمال وشرق سوريا): في المناطق ذات الغالبية الكوردية والمعروفة باسم "روجآفا" ظهرت في السنوات الأخيرة تجربة إعلامية ناطقة بالكوردية والعربية، وبرز اتحاد الإعلام الحر كجهة تجمع الصحفيين الكورد وتدافع عنهم.

وقد ازدهرت صحافة المواطن والتقارير الميدانية خلال الحرب ضد تنظيم داعش وبعدها، حيث نقل الصحفيون الكورد معاناة أهلهم وانتصارات قواتهم إلى العالم.

وتشهد مناطق الإدارة الذاتية نفسها بعض التجاذبات السياسية التي قد تنعكس على حرية النقد الصحفي، إذ تُتهم بعض الجهات الحزبية أحيانًا بالتضييق على إعلاميين مستقلين، مما يجعل السلامة الشخصية هاجسًا يوميًا للصحفي الكوردي في سوريا.

(جنوب شرق تركيا): ربما تكون الجغرافيا ذات الغالبية الكوردية في تركيا هي الأصعب بالنسبة للعمل الصحفي الكوردي. فعلى مدى عقود، تبنّت الحكومات التركية موقفًا متشدّدًا من أي نشاط إعلامي بلغات غير التركية، وخاصة الكوردية، بحجة تهديد وحدة الدولة.

وتعرّضت عشرات الصحف والمجلات والإذاعات الكوردية للإغلاق بقرارات إدارية أو قضائية، من صحيفة "أوزكور غوندَم" في التسعينيات وصولًا إلى المنصات الإلكترونية حديثًا.

في يونيو/حزيران 2022 مثلًا، داهمت الشرطة التركية في ديار بكر مقار عدد من المؤسسات الإعلامية الكوردية واعتقلت 21 صحفيًا بتهمة نشر دعاية إرهابية، وقررت محكمة لاحقًا سجن 16 صحفيًا منهم على ذمة المحاكمة بتهمة الانتماء "للجنة إعلامية" تابعة لحزب العمال الكوردستاني.

(شمال غرب إيران): يواجه الصحفيون الكورد في إيران تحديات لا تقل صعوبة، ضمن بلد يصنَّف بدوره من أسوأ البلدان في انتهاك حرية الصحافة.

فالنظام الإيراني شديد الرقابة على الإعلام عمومًا، وتزداد الحساسية عندما يتعلق الأمر بالمناطق والقوميات غير الفارسية. بالكاد توجد اليوم أي صحيفة أو قناة مستقلة تصدُر بالكوردية داخل إيران، باستثناء بعض النشرات الثقافية المحدودة التي تخضع لمراقبة صارمة.

ويقول صحفيون كورد إن أي محاولة لإطلاق منصة إعلامية كوردية مستقلة تصطدم بسرعة بالعقوبات الأمنية.

وخلال الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران في الأعوام الأخيرة لاسيما في المناطق ذات الغالبية الكوردية الكوردية برز دور الصحفيين والمواطنين الصحفيين الكورد في تغطية ما يجري، فقابلت السلطات ذلك بحملة اعتقالات مكثفة.

وثّقت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) أنه منذ منتصف عام 2020 اعتقلت السلطات الإيرانية ما لا يقل عن 8 صحفيين كورد ضمن حملة قمع استهدفت النشطاء والإعلاميين.

وبحلول أيار/مايو 2021 كان بعض أولئك الصحفيين لا يزال رهن الاحتجاز دون محاكمة، حيث صرّحت لجنة حماية الصحفيين بأن استهداف الصحفيين الكورد يضيف بُعدًا من "التمييز العرقي" إلى حملة إيران القمعية المتواصلة ضد حرية الصحافة.

فالسلطات الإيرانية كثيرًا ما تتهم الإعلاميين الكورد بإثارة النزعات الانفصالية أو التعاون مع أحزاب كردية معارضة، وتُصدر بحقهم أحكامًا قاسية بتهم مثل "الدعاية ضد النظام" و"تهديد الأمن القومي". وفي حالات معروفة، وُجّهت عقوبة الإعدام لصحفيين كورد مثلما حدث مع الصحفي عدنان حسن بور في عام 2007 قبل تخفيفها لاحقًا.

وبالمجمل، فإن يوم الصحافة الكوردية أصبح أكثر من مجرد تاريخ على الرزنامة؛ فهو فرصة سنوية لتسليط الضوء على قصص نجاح وإبداع الصحفيين الكورد، وللتذكير بالتضحيات التي قدموها في سبيل إيصال صوت شعبهم.

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon