الأجنبي يغرق الأسواق رغم الاكتفاء المحلي.. مفارقة عجيبة بقطاع الدواجن العراقي

شفق نيوز/ في الوقت الذي يحقق فيه العراق الاكتفاء الذاتي من البيض، نجد أن الأسواق تغرق بالأجنبي، هذه المفارقة العجيبة تثير العديد من الأسئلة حول أسباب هذه الظاهرة وآثارها على الاقتصاد العراقي.
ويعاني قطاع الدواجن كما حال باقي القطاعات في العراق من منافسة المنتج الأجنبي الذي يُباع بأسعار منخفضة، مما يجعله منافساً قوياً للمنتج المحلي، فيما يؤكد متخصصون أن استمرار إغراق الأسواق بالدواجن (البيض والدجاج) الأجنبي تسبب بخسائر كبيرة للمربين وتوقف مجازر محلية عن العمل.
الموقف الحكومي
يأتي هذا في وقت يؤكد وكيل وزارة الزراعة العراقية، مهدي سهر الجبوري، أن "الوزارة ملتزمة بقرارات مجلس الوزراء المرقم 24634 لسنة 2024 والقرار 183 لسنة 2022 الذي تضمن إبقاء الرسم الكمركي للدجاج المستورد الكامل المجمد بنسبة 50 بالمائة، وتكون الرسوم الكمركية الإضافية المفروضة على مقطعات الدجاج للمصنعات بنسبة 25 بالمائة كجزء من حماية المنتج المحلي، مع التزام وتعهد من قبل منتجي الدواجن بعدم رفع أسعار الدجاج الكامل أكثر من 5500 دينار عراقي، وتم تشكيل لجنة وزارية لاحتساب تكلفة إنتاج الدجاج اللاحم الحي و المجزور بصورة دورية شهرياً".
ويضيف الجبوري لوكالة شفق نيوز، أن "هذه الإجراءات من قبل وزارة الزراعة تأتي دعماً وتشجيعاً لقطاع الدواجن الذي يوفر منتجاً محلياً ذا قيمة عالية وصحية، إضافة إلى تشغيل الآلاف من الأيدي العاملة في مشاريع الدواجن بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مع ضمان إبقاء المنافسة بين المنتج المحلي والمستورد في الأسواق المحلية للحفاظ على استقرار أسعار منتجات الدواجن اللاحم وبيض المائدة".
وهذا ما يؤكد عليه مدير عام الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة العراقية، وليد الزرفي، بأن "الوزارة لديها إجراءات تمنع إغراق الدجاج المستورد في الأسواق العراقية، حيث لدى الوزارة رزنامة زراعية ودخل البيض فيها، وفي حال كانت هناك وفرة للإنتاج المحلي يتم منع المستورد، وإذا لم تكن هناك وفرة من الإنتاج المحلي يتم السماح لدخول المستورد وفق رفع الرسوم الكمركية بنسبة 70 بالمائة على البيض، و50 بالمائة على الدجاج الكامل والمقطع، لحماية المنتج المحلي من سياسة الإغراق".
ويتابع الزرفي حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "العراق محقق الاكتفاء الذاتي بالبيض، وأسعاره حالياً منطقية بحدود 4500 دينار عراقي و5 آلاف دينار عراقي، لكن ما يحصل هو تهريب وتجاوز الرسم الكمركي وبالتالي تكون أسعار الأجنبي أرخص من المحلي، أما في حال مروره بالكمارك فهو سيكون أغلى من المحلي".
ويشير إلى أن "أكثر الاستيراد هو من إيران لرخص أسعاره مقارنة بباقي الدول، ففي تركيا يصل إلى 6 آلاف دينار لطبقة البيض الواحدة، وكذلك الحال مع الأردن".
تهريب الدواجن
ويعد تهريب الدجاج والبيض من المشاكل الاقتصادية التي تواجه العراق، حيث يؤثر على الإنتاج المحلي بتقليل الطلب على منتجات المربين المحليين، وكذلك يؤثر على الاقتصاد الوطني بتقليل الإيرادات الحكومية من الكمارك.
وفي هذا السياق، يقول رئيس الجمعية العراقية لرعاية منتجي الدواجن، علي المظفر، إن "الدواجن (البيض والدجاج) المهرّب تسبب بخسائر كبيرة على المنتجين نتيجة عدم السيطرة على المنافذ الحدودية، وخصوصاً منفذ باشماخ في السليمانية، وهذه مشكلة كبيرة".
ويؤكد المظفر لوكالة شفق نيوز، أن "المنتج المحلي يحقق الاكتفاء الذاتي، وأن وزارة الزراعة مع أصحاب الدواجن وتحاول جعل الإنتاج المحلي هو الأول، لكن ليست لديها سيطرة على المنافذ الحدودية لمنع التهريب التي هي من مسؤولية الأجهزة الأمنية".
ويشير إلى أن "المستورد المهرّب أرخص من المنتج المحلي، وهذا بسبب دخوله بلا رسم كمركي، كما من غير المعلوم تاريخ إنتاجه، لكنه عادة يأتي في نهاية مدة الصلاحية و يتم تغيير الأكياس وإعطاء صلاحية أخرى غير صحيحة".
ويكشف، أن "هناك آلاف الأطنان من الدجاج المحلي في المجازر متروكة نتيجة الدجاج المهرّب الرخيص، كما أن أغلب المجازر متوقفة حالياً عن العمل، منها مجازر كربلاء والمحاويل والديوانية، وإن كان لديهم انتاج فهو بسيط لعدم الإقبال عليه بسبب الدجاج المهرّب".
ويتابع، أن "في مشروع صحاري كربلاء هناك كذا ألف طن خزين دجاج مجمد، وهو متروك في ظل وجود دجاج أوكراني يأتي بأسعار زهيدة، كما هناك الدجاج الإيراني والتركي والبرازيلي المهرّب الداخل للبلاد بلا رسوم كمركية، وهو ما دفع بعض المنتجين إلى ترك هذا العمل في ظل عدم وجود حماية حكومية لهم".
حماية المنتجين
وهذا ما يؤكد الحاجة إلى حماية المنتج والمستهلك من قبل وزارة الزراعة بالتنسيق مع هيئة المنافذ الحدودية، حيث إن الثروة الحيوانية تعد إحدى بوابات التنويع الاقتصادي وإيجاد فرص العمل، وفق الخبير الاقتصادي، صفوان قصي.
ويدعم قصي في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "تكون هناك حماية للمنتجين ومتابعة الأسعار بطريقة مستمرة خاصة خلال موسم رمضان، حيث إن بعض المضاربين يلجأون إلى شراء وتخزين المنتج بغية رفع الأسعار واستغلال حاجة المستفيدين، لذلك هناك حاجة إلى تتبع حركة الإنتاج والاستهلاك، وهذا دور الأجهزة الرقابية في فحص البضائع وأسعارها وانسيابيتها".
وعن الأكثر تضرراً من هذه الحالة المستورد أم المستهلك أم صاحب الإنتاج المحلي، يقول الخبير الاقتصادي، إن "المستهلك هو من يدفع الفرق، لأن أي تذبذب في الأسعار يؤدي إلى تحمله أعباءً إضافية، أما من يفكر في إنشاء مصنع في البيئة العراقية فعليه تحمل تكاليف ثابتة، ويمكن أن تكون هناك قدرة لهذا المنتج على المنافسة إذا ما تم زيادة حجم الإنتاج وتوزيع التكاليف الثابتة على كميات كبيرة من الإنتاج".
ويضيف قصي، "لكن دخول المنافس الدولي واتباع قسم من الدول سياسة الإغراق بدعم الصادرات لغرض دعم الإنتاج في تلك الدول، وعدم وجود نظام حماية للإنتاج العراقي، خاصة وأن العراق تلكأ في الانتماء إلى منظمة التجارة العالمية من أجل إيقاف عمليات الإغراق للأسواق، فهذه بالتأكيد تكون المؤثر الكبير على المنتجين المحليين".
ويؤكد، أن "حماية المنتجين يكون بتحليل تكاليف الإنتاج وتخفيضها وحماية الاقتصاد المحلي من الإغراق بالانتماء إلى منظمة التجارة العالمية، وإيجاد صيغة للتعاقدات طويلة الأجل لغرض تحفيز الاستثمار بتوسيع دائرة الإنتاج، لأن المستثمر لا يستطيع الاستثمار في بيئة تتعرض إلى عمليات استيراد بشكل غير منظم، وهذه كلها أدوات يمكن أن تساعد في حماية نظام الإنتاج وتوزيعه".
كما يدعو قصي، إلى أن "يكون لدى العراق نظام دعم للمنتجين، خاصة على مستوى توفير الوقود لاستخدامها في إنتاج الطاقة الكهربائية، وبالتالي تخفيف تكاليف الإنتاج في البيئة العراقية"، مؤكداً أن "ربط منظومة الإنتاج بمنظومة الاستهلاك بطريقة شفافة سيساعد في حماية المنتجين والمستهلكين".
وخلص قصي إلى التشديد على أهمية "دراسة السوق وتحليله وإيجاد أسواق شفافة للتداول بنوعيات محددة، حيث هناك من يقوم بعملية الإغراق ليس بالنوعية نفسها بل بنوعيات قد تنطلي على المستهلك، لذلك هناك حاجة إلى نظام حماية للمستهلكين من حيث الجودة".