استقلال العراق عن إيران.. رؤية أمريكية تعرقلها مصالح الميليشيات

شفق نيوز/ حذر معهد "المجلس الأطلسي" الأمريكي من أن تقليص وصول العراق الى مصادر للطاقة خصوصا خلال فصل الصيف في عام انتخابي، من شأنه زيادة عدم الاستقرار، معتبرا في الوقت نفسه أن الغاء واشنطن اعفاء الكهرباء للعراق يمكن ان يكون اجراء حكيما من جانب الولايات المتحدة، لكي تشجع على الاكتفاء الذاتي للعراق، وشركائه العرب على دعم استقلال بغداد النهائي عن طهران والذي هو مصلحة اميركية.
وأوضح تقرير للمعهد الأمريكي، ترجمته وكالة شفق نيوز، أن "إلغاء اعفاء الغاز الايراني سيكون تاثيره اكبر من الغاء شراء الكهرباء، حيث انه يشكل اكثر من 40% من اجمالي الامدادات للعراق"، مضيفا أن "واشنطن تحفز العراق بذلك على تنويع مصادره للطاقة والحد من اعتماده على ايران، وهو ما يشكل هدفا تؤجله الحكومة العراقية طويلا برغم ادراكها لضرورته".
وتناول التقرير، ما اسماه المنظور من بغداد للقرار الامريكي، مذكرا بانه كان لصادرات ايران الاولى من الكهرباء العام 2004، والتي تلتها صادراتها من الغاز في العام 2017، الدور الحاسم في معالجة نقص الكهرباء المزمن في العراق.
وأشار إلى أن "حصة ايران من امدادات الكهرباء كانت في البداية تبلغ نسبة 1٪ عام 2004، ثم بلغت ذروتها عند حوالي 41٪ العام 2020، ثم تراجعت هذه الحصة الى حوالي 31٪ العام 2023".
وفي حين قال التقرير ان العراق يواجه ارتفاعا حادا في الطلب خلال الصيف المقبل، وهو ما سيشكل تهديدا بتفاقم هذا العجز بشكل كبير، الى جانب فقدان الكهرباء الايرانية، وربما الغاز، اعتبر ان طهران ستُحمّل مسؤولية ذلك الى ادارة الرئيس دونالد ترامب، مضيفا أن خسارة كبيرة في صادرات الغاز كانت ستحدث بكل الاحوال خلال هذا الصيف، حيث من المتوقع ان تواجه ايران نفسها ازمة كهرباء خاصة بها.
وفيما يتعلق ببغداد، فإن تنويع مصادر الطاقة يشكل امرا بالغ الاهمية لضمان امدادات موثوقة، وفق التقرير الأمريكي، الذي أوضح أن تحقيق امن الطاقة لا يقتصر على مجرد استبدال صادرات الكهرباء والغاز الايرانية الحالية، وانما يشمل ايضا تنويع المصادر بحيث تصبح صادرات طهران واحدة من مصادر عديدة، مما يساهم في ازالة نفوذها من هذه العملية على العراق.
وبعدما اعتبر التقرير ان رؤية العراق هي ان هذه تشكل عملية طويلة المدى وتتطلب استثمارات كبيرة في كل البنية التحتية للطاقة في العراق، بما في ذلك محطات توليد الكهرباء، ونظام النقل الذي يوصل الكهرباء الى المراكز السكانية، وشبكات التوزيع التي تنقل هذه الكهرباء، قال ان هذا العمل يفتح فرصا كبيرة للتعاون والاستثمار لسنوات عديدة للعراق وجيرانه واصحاب المصلحة الدوليين، وخصوصا الولايات المتحدة.
وحدد تقرير معهد "المجلس الأطلسي" الأمريكي، مجالات الفرص الكبيرة المتمثلة في:
-استيراد الكهرباء من جيران بغداد، مثل الاردن وهيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي واقليم كوردستان العراق
-زيادة مصادر امدادات الغاز مثل خطط توسعة شركة غاز البصرة واتفاقية "توتال انيرجيز"، وتطوير حقول الغاز غير المستغلة، وامكانات غاز اقليم كوردستان من خلال تسوية النزاع الطويل حول تطوير موارد النفط والغاز في البلاد على غرار ما اقترحته حكومة الاقليم وحكومة العراق في العام 2023.
-استيراد الغاز عبر الانابيب من تركمانستان، واستيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر او الولايات المتحدة،
-تحديث شبكات النقل والتوزيع، وكلاهما مسؤول عن ما يصل الى 40 % من خسائر الكهرباء المولدة
ونبه التقرير الأمريكي، في اطار الرؤية العراقية، إلى أن كل ذلك يتطلب الشروع في استثمارات مشتركة طويلة المدى، وهو ما يشكل استراتيجية مربحة للعراق وجيرانه وأصحاب المصلحة الدوليين.
وجهة نظر أمريكية
ولفت التقرير، إلى أن إنهاء الاعفاءات على واردات الكهرباء الايرانية، باستثناء الغاز، يعتبر جزءا من جهود ادارة ترامب لفرض "الضغوط الاقصى" على ايران، مشيرا ان الاموال التي دفعها العراق مقابل الكهرباء الايرانية لم تصل مباشرة الى طهران حيث ان استخدامها كان محظورا ومتاح لمجالات محدودة من التجارة الانسانية التي تشرف عليها وزارة الخزانة الامريكية وفقا للاجراءات المطبقة منذ ولاية ترامب الاولى.
الا ان التقرير، رأى أن هذه الاعفاءات مكنت العراق من الاعتماد على ايران لتلبية احتياجاته من الطاقة، وهي مسألة ربما كانة منطقية عندما كان تنظيم داعش يمثل التهديد الرئيسي لاستقرار العراق؛ الا انه قد لا يكون كذلك الان، مع انحسار هذا التهديد، وتزايد الحاح التهديد الذي تمثله ايران على الاستقرار الاقليمي.
واعتبر التقرير، أن العراق قد لا يكون بحاجة الى حوافز كبيرة لتنويع مصادره من الطاقة، خصوصا بالنظر الى النقص الوشيك في امدادات الغاز خلال فصل الصيف، مضيفا انه برغم ان اعفاء الغاز لا يزال ساريا، الا ان العراق يسعى بالفعل الى تنويع مصادره من الغاز، بما في ذلك من خلال اتفاقية مع تركمانستان، الا ان مرور غازها عبر انابيب من خلال اراضي ايران يقلص من فعاليتها.
وتابع: "من خلال ابقاء اعفاء الغاز ساريا، تضمن الولايات المتحدة قدرة العراق على التخفيف من اي ازمة طاقة قد تحدث، مع منح بغداد المرونة التي تحتاجها لكي تسعى من اجل تنويع مصادر الطاقة دون المجازفة بحدوث اضطراب اجتماعي او تفاقم نقص الطاقة في البلد".
وبين التقرير الأمريكي، أن هذا التحول يعتمد على قيام شركاء العراق الغربيين ودول مجلس التعاون الخليجي بزيادة الاستثمار والتعاون في مجال الطاقة، مع تمكين العراق في الوقت نفسه من تحمل اي رد فعل عنيف من ايران او وكلائها، مردفاً: "برغم المخاوف من ان تقليص وصول العراق الى اي مصادر للطاقة، وخصوصا خلال فصل الصيف في العام الانتخابي، قد يزيد من عدم الاستقرار، فان الغاء اعفاء الكهرباء يمكن ان يكون خطوة حكيمة من واشنطن لتشجيع كل من الاكتفاء الذاتي للعراق، وشركائه العرب على دعم استقلال العراق النهائي عن ايران".
وخلص التقرير الى القول إن "التأثير الفوري لالغاء اعفاءات استيراد الكهرباء، وربما الغاز الطبيعي، يكاد يكون معدوما، حيث اوقفت ايران صادراتها فعليا في اواخر العام 2024، محولة صادراتها من الغاز الى سوقها المحلية"، مشيرا الى ان مثل هذه التحويلات حصلت عدة مرات في السنوات القليلة الماضية، نتيجة للاثار السلبية التراكمية لسنوات من سوء الادارة، والاستهلاك غير الرشيد، ونقص الاستثمار في بنية تحتية متهالكة تفاقمت بسبب العقوبات حيث تشهد ايران انقطاعات متكررة للكهرباء.
ولفت التقرير، إلى أن انهاء الاعفاء المتعلق بواردات الكهرباء الايرانية، مع الحفاظ على اعفاء الغاز الطبيعي، يتيح للعراق ان يتحرر من هيمنة الطاقة الايرانية بوتيرة معقولة، مما يحد من المخاطر على امنه الطاقي ويعزز التعاون الاقليمي، مضيفا ان هذا النهج المتزن يمثل خطوة ضرورية في طريق العراق نحو استقلال الطاقة والسيادة الوطنية والازدهار الطويل.
واعتبر أن من بين التحديات المحتملة هي الميليشيات المدعومة من ايران التي تقوم بتهريب النفط العراقي، مبعدة اياه عن توليد الطاقة، مشيرا الى انه بالنظر إلى هذه المصالح، فإن الاحزاب السياسية الداعمة لهذه الميليشيات، قد تقوم باجراءات في البرلمان تعرقل قدرة العراق على تنويع مصادر دخله.
وأضاف انه في ظل شعور إيران بتراجع أمنها بسبب الانتكاسات الاقليمية، وتزايد استقلال العراق، والضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات، فان هذه الميليشيات قد تصبح اكثر ارباكا وتعرقل التنويع الاقتصادي، وربما ما هو اكثر من ذلك، وجعل الاستثمار الاجنبي عالي الكلفة.