اختناق وتعطيل للحياة.. العراق يواجه "أخطر" التأثيرات البيئية على الصحة والاقتصاد

شفق نيوز/ تتكرر العواصف الغبارية في العراق بشكل ملحوظ خلال هذا الموسم، مسجلة حضوراً باكراً وزيادة عن العام الماضي، وسط توقعات باستمرارها طيلة فترة فصل الصيف لكن بشكل متفاوت، بحسب خبراء في الطقس والبيئة.
ويعزو الخبراء هذا التكرار إلى افتقار العراق للمقومات الرئيسية لصد الرياح السطحية، أبرزها التصحر والجفاف، حتى بات تصاعد الغبار من أكثر القضايا البيئية خطورة لتأثيراته العميقة على صحة الإنسان واقتصاد البلاد.
مبكرة وكثيرة
وبدأت العواصف الغبارية هذا العام مطلع شهر نيسان/أبريل الماضي، في موعد أبكر عن العام الماضي التي كانت في حزيران/يونيو واقتصرت على عاصفتين غباريتين ببغداد وتكريت في حينها، وفق مدير إعلام هيئة الأنواء الجوية العراقية، عامر الجابري.
ويوضح الجابري لوكالة شفق نيوز، أن العواصف الغبارية التي تشهدها البلاد هي نتيجة التأثر بمنخفضات جوية، وتعمق المنخفض الجوي الخماسيني القادم من شمال أفريقيا، الذي لا يقتصر تأثيره على العراق فقط، وإنما على العديد من البلدان منها مصر وبلاد الشام وشمال السعودية والأردن، ويستمر تأثيره لمدة خمسون يوماً أو أقل، لكن بشكل متفاوت.
ويبين، أن الصيف، هو موسم المنخفضات الجوية، لذلك تحصل عواصف غبارية، ورغم أنها حالة طبيعية لكن يشتد تأثيرها على العراق لافتقاره لمقومات رئيسية لصد الرياح السطحية المثيرة للغبار، منها المسطحات المائية والغطاء النباتي والحزام الأخضر وتجريف الأراضي الزراعية، وبالتالي بات العراق يعتبر أكثر خمس دول تأثراً بالتغيرات المناخية.
وتؤثر هذه التغيرات المناخية التي تعد العواصف الترابية أحد نتاجاتها، على الوضع البيئي في العراق، وفق معاون مدير دائرة التوعية البيئية في وزارة البيئة، أنعم ثابت خليل.
ويتفق خليل خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، مع عامر الجابري، بأن العواصف الترابية هي نتاج قلة سقوط الأمطار والإيرادات المائية القادمة من دول الجوار، وكذلك انعدام الغطاء النباتي والأحزمة الخضراء، فكل هذه تساهم في عدم تثبيت الكثبان الرملية، ما يؤهلها للحركة والتطاير عند حصول الرياح.
مناخ العراق
وهذا ما يبدو واضحاً في مواسم الربيع التي تتكرر فيها العواصف الغبارية لكن بدرجات متفاوتة زيادة أو نقصاناً اعتماداً على الموسم المطري، بحكم أن الربيع هو فصل انتقالي بالتحول من الشتاء البارد والرطب، إلى الصيف الحار والجاف، بحسب الراصد الجوي، صادق عطية.
ويوضح عطية لوكالة شفق نيوز، أن العواصف الغبارية هي صفة من صفات المناخ السائد في العراق، خاصة مدن الوسط والجنوب، باعتبار أنها تخضع لمناخ شبه صحراوي جاف.
ويشرح، أن الموسم المطري إذا كان جافاً فهذا يعني زيادة تكرار العواصف الغبارية في فصل الربيع كما هو الحال حالياً، حيث كانت الأمطار خصوصاً على المناطق الشمالية الغربية، أي (جنوب نينوى، والأنبار، وجنوب غرب البلاد) قليلة ودون المعدل بكثير.
ويتابع عطية، إضافة إلى أن البادية السورية من جهة الحسكة والقامشلي ومناطق شرق سوريا عموماً، عانت من التصحر خاصة في هذا الموسم نتيجة قلة الأمطار على الأراضي الزراعية، وبالتالي تحولت إلى أراضٍ جرداء معرضة لتصاعد الغبار مع أقل نشاط لرياح شمالية غربية لتتجه من مناطق شرق سوريا نحو مناطق شمال غرب العراق ومن ثم تؤثر على مدن الوسط.
ويبين، أن ما يؤثر على العراق منذ يومين هو منخفض خماسيني جاف قادم من الصحراء الأفريقية، كما هناك منخفض آخر هو منخفض شبه الجزيرة العربية الحراري، لذلك من المتوقع استمرار حالة عدم الاستقرار الجوي لغاية يوم الاثنين المقبل.
ويشير عطية، إلى أن تقلبات الربيع تستمر لما بعد منتصف مايو/أيار الجاري، واعتباراً من 1 حزيران/يونيو المقبل، سيودع العراق فصل الربيع مناخياً ويبدأ فصل الصيف الحار والجاف واللاهب، ليعلن بداية رياح الشمالية الغربية التي يطلق عليها شعبياً (رياح البوارح) أو (السموم).
تأثيرات عميقة
وبات الغبار المتصاعد في العراق، من أكثر القضايا البيئية خطورة في السنوات الأخيرة لما له من تأثيرات عميقة على صحة الإنسان واقتصاد البلاد، بحسب الخبير في قضايا البيئة، حسين الأسدي.
وعن أسباب تصاعد الغبار، كرر الأسدي لما تحدث به المتحدثين السابقين أنعم ثابت خليل وعامر الجابري، بأنها تعود إلى شحة المياه نتيجة انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات بسبب قلة الأمطار والسدود في دول الجوار، ما أدى إلى جفاف الأراضي الزراعية.
ومن الأسباب أيضاً، يضيف الأسدي لوكالة شفق نيوز، هو التصحر نتيجة تقليص المساحات الخضراء عبر تجريف البساتين وتحولها إلى أراضٍ سكنية، وتراجع الغطاء النباتي بسبب سوء إدارة الموارد البيئية.
يضاف لذلك، ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز 50 مئوية في الصيف، ما يؤدي إلى جفاف التربة وزيادة الغبار، كما أن طبيعة المناخ العراقي الصحراوي تجعل الرياح الموسمية تنقل كميات كبيرة من الغبار إلى داخل المدن، وفق الأسدي.
ويؤكد، أن العواصف الغبارية لها تأثيرات صحية خطيرة على المصابين بأمراض الجهاز التنفسي، مثل (الربو، والتهاب الشعب الهوائية، ومرضى الحساسية)، وكذلك تؤدي إلى (التهاب العيون، وهيجان الجلد).
وهذا يظهر جلياً عند حصول الغبار، إذ يلاحظ امتلاء المستشفيات بالمرضى ما يشكل ضغطاً على القطاع الصحي المرهق والهش في الأساس، فضلاً عن ارتفاع معدلات الوفيات خاصة بين كبار السن المصابين بالأمراض المزمنة مثل الربو، بحسب الأسدي.
وإلى جانب التأثيرات الصحية، يُشخّص الأسدي، تأثيرات اقتصادية للعواصف الغبارية تتمثل بتعطيل الحياة اليومية وتعليق حركة الطيران والنقل البري وخاصة في الطرق الخارجية، إلى جانب الخسائر الزراعية حيث يضرّ الغبار بالنباتات ويقلل من جودة المحاصيل.