6 حالات خلال أسبوع.. شفق نيوز تفتح ملف انتحار منتسبي الأجهزة الأمنية
شفق نيوز/ في حالة مقلقة داخل الأجهزة الأمنية العراقية،
كشفت مصادر أمنية عن تسجيل ست حالات انتحار لمنتسبين خلال أقل من أسبوع واحد، في
ظاهرة تستدعي التوقف عندها وبيان أسبابها.
وبحسب المصادر التي تحدثت لوكالة شفق نيوز، فقد تم تسجيل
أمس الاثنين ثلاث حالات انتحار، بدأت بانتحار منتسب أمني بإطلاق النار على نفسه من
سلاحه الشخصي داخل منزله في منطقة الشعب شمال شرقي العاصمة بغداد.
وفي مساء اليوم نفسه، انتحرت شرطية تعمل في مكتب شكاوى
المواطنين/ وزارة الداخلية، بإطلاق النار على نفسها من مسدس يعود إلى أخيها الذي
يعمل شرطياً بنفس المكان، داخل منزلها ضمن منطقة الصليخ ببغداد.
وقبل أن ينتهي يوم الاثنين، انتحر منتسب في الحشد الشعبي
شنقاً داخل منزله بناحية الكرامة شرقي محافظة المثنى جنوبي العراق.
أما الأحد الماضي، فقد سُجل انتحار مسؤول مستودعات فوج
عسكري من أهالي العاصمة بغداد بإطلاق النار على رأسه في غرفة أحد الضباط داخل مقر
قيادة عمليات ديالى على أطراف مدينة بعقوبة.
وفي يوم الجمعة الماضي، انتحر منتسب بدرجة مفوض شرطة
شنقاً بواسطة حبل داخل منزله وسط مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار.
وأخيراً وليس آخراً ما شهده يوم الأربعاء الماضي،
بانتحار منتسب في مديرية الدفاع المدني بإطلاق النار على نفسه مما أدى إلى وفاته
على الفور أثناء تواجده في مقر عمله وسط محافظة صلاح الدين.
ضغوط داخلية وخارجية
ولتسليط الضوء على أسباب لجوء المنتسبين إلى هذا السلوك
الانتحاري، يقول الضابط العسكري السابق، علاء النشوع، إن "حالات الانتحار في
المعارك تختلف عن حالة السلم، فقد تحصل أحياناً حالات انتحار في الحرب، وهذه لها
دوافعها".
ويوضح النشوع لوكالة شفق نيوز، أن "المنتسب قد يلجأ
إلى الانتحار عندما يكون محاصراً أو يقع في طوق للعدو، لذلك قد يلجأ إلى هذه
الوسيلة تجنباً لإعطاء المعلومات للعدو حال أسره".
ويضيف، أن "هذه الحالة حصلت عام 1973 بانتحار آمر
لواء 12 في ساحة المعركة مع إسرائيل خوفاً من أسره وإرغامه على كشف ما يمتلك من
معلومات".
ويتابع "وأحياناً تحصل حالات انتحار في بعض حالات
الهلع والخوف عند المواجهة مع العدو".
وينوّه "أما في السلم، فأن حالات الانتحار، إما
تعود إلى ضغوط نفسية داخل الثكنة العسكرية نفسها، أو ضغوط خارجية كأن تكون
عائلية".
ويوضح النشوع الحالة الأولى (الأسباب الداخلية)، أن
"الضغوط النفسية داخل الوحدة العسكرية، قد تكون من قبل الضباط على المراتب،
كأن يتعامل ضابط مع جندي خارج السياقات العسكرية، وبما أن الجندي لا يستطيع التخلص
من الضابط باعتبار أن الأخير يحميه القانون والرتبة والقواعد العسكرية، لذلك يميل
الجندي إلى الانتحار".
ويضيف "لكن أحياناً ينتحر الضابط، وهذه قد تعود
أيضاً لضغوط نفسية من قياداته".
أما الحالة الثانية (الأسباب الخارجية)، يشير النشوع إلى
أن "المنتسب قد يتعرض لضغوط عائلية ويريد التخلص من العبء الذي يحمله،
وبالتالي يلجأ إلى خيار الانتحار".
أسباب جنائية واجتماعية
من جهته، يعزو عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب
العراقي، علي نعمة البنداوي، "أغلب حوادث الانتحار إلى أسباب جنائية، أو قد
تكون نتيجة ضغط نفسي ومشاكل أسرية".
ويؤكد البنداوي لوكالة شفق نيوز "عدم تسجيل أي حالة
انتحار نتيجة ضغوطات عسكرية لحد الآن، وفي حال كانت هناك مخالفات عسكرية فأن
القادة يتخذون الإجراءات القانونية بحق المخالفين".
ويوضح، أن "هناك توجيهات من القيادات الأمنية
والعسكرية بتقديم الخدمات للمنتسبين والاعتناء بهم، كما هناك يوم مخصص من كل أسبوع
لمقابلة المقاتلين والاستماع إلى مشاكلهم ومتطلباتهم في الدفاع والداخلية وجهاز
مكافحة الإرهاب وهيئة الحشد الشعبي، وأن هذا التواصل يقرب المنتسب من آمره".
ويتابع "كما هناك لقاءات وزيارات ميدانية للقادة
الأمنيين والعسكريين لعوائل الشهداء والجرحى والمنتسبين وحتى للمواطنين".
ويشدد البنداوي، على أن "أبناء القوات الأمنية
المسلحة أبلوا بلاءً حسناً في مقارعة الإرهاب طيلة الفترة الماضية ولا يزالون،
لذلك يستحقون الكثير، وعموماً وضع الضباط والمراتب حالياً هو جيد سواء بوجود نظام
البديل 10 أيام دوام و10 أيام إجازة، وكذلك بالنسبة للمرتبات قياساً بالنظام
السابق وبدول الجوار".
ضغط الشعور بالمسؤولية
بدوره، يرى أخصائي الصحة النفسية، الدكتور هيثم الزبيدي،
أن "السلوك الانتحاري هي حالة شبه عامة في دول العالم، لكن يلاحظ في المجتمع
العراقي أنها مصحوبة بانهيار عصبي خصوصاً المراحل المنتهية من الطلبة، لكن الحالة
حالياً تجاوزت هؤلاء ووصلت إلى منتسبي الأجهزة الأمنية، ما يتطلب وقفة تشخيصية
لها".
ويشرح الزبيدي لوكالة شفق نيوز، أن "الأسباب التي
تؤدي إلى السلوك الانتحاري من قبل المنتسبين هي عديدة ومتنوعة، لكن جميعها يقع تحت
خيمة الشعور بالمسؤولية".
ويوضح، أن "كل مهنة لها خصوصيتها، وبما أن المنتسب
هو تحت مسؤول وعليه ضغط أمني يتطلب البقاء يقظاً بشكل مستمر، فضلاً عن الضغط
العائلي مع متطلبات الحياة وغلاء المعيشة ومشاكل الأسرة وغيرها، ورغم أنه منتسب
ومدرب على الضغوط لكن يبقى هو بشر وله طاقة محدودة من التحمل".
ويتابع "وفي ظل ما سبق، يشعر المنتسب بانهيار عصبي،
ثم ينعكس هذا الانهيار على المقارنة مع الآخرين، ما قد يوصله إلى الاحترام الواطئ
لذاته، لذلك يقرر إنهاء حياته للتخلص من كل تلك المعاناة".
ويشدد أخصائي الصحة النفسية، على ضرورة "إدراك أن
الحياة لا تخلو من المنغصات، لكن المسألة هي في كيفية إدارة هذه المنغصات ومحاولة
تذليلها بإدارة ثابتة وعزم مستدام لتجنب الوصول إلى التهلكة".
ويلفت الزبيدي في ختام حديثه إلى أن "الانتحار يمس
قيمة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة بشكل عام، حيث إن الكثير من الدول تفتخر
بمواردها البشرية وليس بمواردها المادية".