"100 مليون دينار".. قرار إنهاء "غسيل الأموال" في العقار يقلق برلمان العراق

شفق نيوز/ شكّل قرار البنك المركزي العراقي، عدم السماح
ببيع العقارات التي تتجاوز قيمتها 100 مليون دينار إلا عبر المصارف "خطوة
هامة" نحو خفض أسعار سوق العقارات وتنظيمها ومكافحة الفساد في ظل تفشي عوامل
تسهل "غسيل الأموال" في القطاع العقاري العراقي.
وبحسب مراقبين، رغم الفوائد المحتملة لهذا القرار في
تقليل الفساد، إلا أنه قد يواجه تحديات في التطبيق الفعلي، ما يتطلب تعزيز
القوانين الرقابية وفق تطبيق صارم لقوانين مكافحة غسل الأموال ووضع حد للمعاملات
النقدية الكبيرة، وتطوير أنظمة تسجيل العقارات من خلال إنشاء نظام رقمي مركزي يتيح
تتبع عمليات البيع والشراء بسهولة.
وأصدر البنك المركزي العراقي، قراراً جديداً يقضي بتخفيض
الحد الأدنى لقيمة بيع العقارات، حيث تم تحديد القيمة الجديدة 100 مليون دينار
عراقي، بعد أن كانت 500 مليون دينار.
وبموجب التعليمات الجديدة، وفق كتاب رسمي موجه إلى دائرة
التسجيل العقاري (في 15 كانون الثاني الجاري)، اطلعت عليه وكالة شفق نيوز، فإن بيع
هذه العقارات سيتم عبر المصارف العراقية المجازة فقط، وأن هذا الإجراء يأتي ضمن
ضوابط العناية الواجبة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الخاصة بدوائر التسجيل
العقاري.
وكان البنك المركزي العراقي، أعلن في آيار 2024، عن
إجراءات للحد من غسيل الأموال في قطاع العقارات، وحدد سقف لبيع وشراء العقارات عبر
القطاع المصرفي بقيمة 500 مليون دينار، وقال إنه يهدف إلى تسهيل الرقابة على
الأموال المتداولة وتحديد ملكية العقارات.
وأخبر معاون مدير العام لمكافحة غسيل الأموال في المركزي العراقي،
حسين علي، الوكالة، بأن هذه الإجراءات تهدف إلى تسريع التحقيقات المتعلقة بغسيل
الأموال، مع إشراف دائرة التسجيل العقاري على مراقبة العمليات المشبوهة، وتوثيق أي
حالات غسيل أموال لتسهيل متابعة الجهات المعنية.
توثيق المعاملات
وفي هذا السياق، قال أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي،
إن "قرار البنك المركزي العراقي بعدم السماح ببيع العقارات التي تتجاوز
قيمتها 100 مليون دينار إلا عبر المصارف يمثل خطوة هامة نحو تنظيم سوق العقارات في
العراق، وهو يعكس اهتمامًا متزايدًا في محاربة الفساد وغسيل الأموال، وهما من أكبر
التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي في الوقت الحالي".
وأضاف السعدي، لوكالة شفق نيوز، أن "القرار يهدف في
المقام الأول إلى ضمان توثيق جميع المعاملات العقارية الكبيرة داخل النظام المصرفي
الرسمي. هذا الإجراء يسهم في خلق بيئة شفافة تستطيع الجهات الرقابية من خلالها
تتبع مصدر الأموال المستخدمة في شراء العقارات، مما يقلل من احتمالية استخدام هذه
المعاملات كغطاء لغسيل الأموال أو تمويل الأنشطة غير القانونية".
وأوضح، أن "السوق العقاري في العراق كان يعاني من
فوضى في بعض الأحيان، إذ كان هناك الكثير من العمليات المالية التي تتم خارج الأطر
الرسمية، مما جعل من الصعب على الجهات المعنية مراقبة هذه الأنشطة وضمان نزاهتها".
وتابع السعدي: "إضافة إلى ذلك، يعتبر هذا القرار
خطوة ضرورية لمكافحة الفساد في القطاع العقاري، حيث إن المعاملات العقارية الكبيرة
كانت في بعض الحالات تتم دون إشراف كافٍ، مما يفتح المجال أمام العديد من
الممارسات غير القانونية، من خلال إلزام الأطراف المتورطة في مثل هذه الصفقات
بالمرور عبر المصارف، يضمن القرار أن يتم التدقيق في مصدر الأموال وآلية تحويلها،
وهو ما سيسهم في الحد من الفساد المالي الذي يؤثر على سمعة القطاع العقاري
والاقتصادي بشكل عام".
لكن من جهة أخرى، ورغم الفوائد المحتملة لهذا القرار في
تقليل الفساد، إلا أنه قد يواجه تحديات في التطبيق الفعلي - وفق السعدي - على سبيل
المثال، بعض البائعين والمشترين قد يسعون للالتفاف حول هذه القواعد من خلال اللجوء
إلى طرق غير رسمية للتمويل، مما يتطلب رقابة قوية من الجهات المعنية لضمان تنفيذ
القرار بفعالية.
وخلص السعدي إلى القول: "بالنظر إلى الاقتصاد
العراقي الذي يعاني من تأثيرات اقتصادية معقدة، فإن مثل هذه السياسات تعد ضرورية
لتوفير بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا وشفافية. إذا تم تطبيق هذه السياسات بشكل
صحيح، يمكن أن تساهم في إعادة الثقة في النظام المالي وتعزز من فرص التنمية
الاقتصادية المستدامة في العراق".
غير كافية
من جهته، رأى الباحث الاقتصادي، أحمد عيد، أن "غسل
الأموال من خلال العقارات في العراق يُعَدّ واحداً من أبرز الطرق التي يلجأ إليها
الفاسدون لتحويل الأموال غير المشروعة إلى أصول قانونية، خصوصاً في ظل التحديات
القانونية والاقتصادية التي تواجه البلاد، فضلاً عن الرقابة المشددة للبنك
الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية".
واعتبر عيد خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، قرار البنك
المركزي العراقي "خطوة ايجابية في ظل تفشي عوامل تسهل غسل الأموال في القطاع
العقاري العراقي نتيجة لغياب الرقابة وضعف الأنظمة الرقابية والقوانين المتعلقة
بمكافحة غسل الأموال، والفساد الإداري الناتج عن تواطؤ بعض المسؤولين في تسهيل
إجراءات البيع والشراء. وبما أن العقارات هي من وسائل الاقتصاد النقدي، فإن العراق
يعتمد بشكل كبير على التعاملات النقدية، مما يُصعّب تتبع حركة الأموال".
وزاد بالقول: "لكن هذا القرار لا يعتبر كافياً إنما
يتطلب تعزيز القوانين الرقابية وفق تطبيق صارم لقوانين مكافحة غسل الأموال ووضع حد
للمعاملات النقدية الكبيرة، وتطوير أنظمة تسجيل العقارات من خلال إنشاء نظام رقمي
مركزي يتيح تتبع عمليات البيع والشراء بسهولة. ولابد من تعزيز مبدأ مكافحة الفساد
بالشكل الصحيح وعلى الجميع من دون ازدواجية في سبيل تعزيز الشفافية".
خفض الأسعار
بدوره، عزا الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، سبب إصدار
البنك المركزي العراقي هذا القرار إلى "ارتفاع أسعار المنازل إلى ضعفين وحتى
ثلاثة أضعاف لدخول غسيل الأموال بشراء العقارات في عموم العراق".
وأوضح الحلو، للوكالة، أن "الطريقة الوحيدة التي
كانت لأصحاب غسيل الأموال لإدخال أموالهم دون محاسبة عليها هو عن طريق شراء
العقارات، وبالتالي ارتفعت أسعارها وخاصة المنازل"، مبيناً أن "هذه
الأموال تقدر بـ80 ألف مليار دينار عراقي، وهي موجودة خارج المصارف حسب إحصائيات
البنك المركزي".
وأشار إلى أن "بعد هذا القرار، لن يشتري أصحاب غسيل
الأموال العقارات تجنباً للذهاب إلى المصارف والوقوع تحت طائلة (من أين لك هذا؟)،
بعد أن كانوا يشترون مباشرة (تسليم يد) بعيداً عن المصارف، لذلك قرار البنك
المركزي سيؤدي إلى خفض أسعار العقارات في العراق، لامتناع الكثير من أصحاب غسيل
الأموال عن شراء العقارات خوفاً من كشف أسمائهم وأموالهم المغسولة لديهم".
لكن، رأى الحلو، أن "القرار جاء متأخراً، لأن أصحاب
غسيل الأموال دخلوا إلى السوق ورفعوا سوق العقارات والقسم منهم لجأ إلى تهريب
الذهب إلى الخارج بدلاً من الدولار، لذلك لن يتم السيطرة على غسيل الأموال".
قلق نيابي
في المقابل، نبه نائب رئيس لجنة الاستثمار في مجلس النواب
العراقي، حسين السعبري، إلى أن "القوانين التي تصدر من البنك المركزي ومن
باقي الوزارات والدوائر التنفيذية يلاحظ عليها التخبط، لأنها لا تلائم بيئة الاستثمار
وحركته، وقد تتسبب بتراجع السوق الاستثمارية في العراق، كما أن كل بيت يباع يدخل
في دائرة التسجيل العقاري وعليه ضريبة (بيع وشراء)، وأن إصدار البنك المركزي مثل
هكذا قوانين ليس لها أي غطاء رسمي".
وذكر السعبري، لوكالة شفق نيوز، أن "البيع عن طريق
المصارف يكون متى ما كان القطاع المصرفي بمستوى الحركة الاقتصادية في البلاد، لكن
اليوم القطاع المصرفي العراقي هو متهالك ومتأخر، ويفرض قوانين لتأخير عجلة
الاستثمار"، مستدركاً: "أما إذا كان إصدار القرار بداعي مكافحة غسيل
الأموال، فهو على الأقل غسيل أموال داخل البلاد، وهذا أفضل من ذهاب الأموال إلى
الخارج، أما مسألة ارتفاع الوحدات السكنية فهذا يعود لمقياس العرض والطلب،
وبالتالي القرار ليس حلاً لها".
وخلص نائب رئيس لجنة الاستثمار في مجلس النواب العراقي، إلى
القول، إن "قرار البنك المركزي العراقي غير صائب وليس في محله، وفي الوقت
نفسه لا يوجد قطاع مصرفي يستطيع التعامل مع هذا المجال، لذلك القرار يعتبر ضربة
للقطاع السكني في العراق".