"الوقود مقابل الخدمات".. تضامن بين العراق ولبنان يخفي "هشاشة ومحسوبية" سياسية
شفق
نيوز- ترجمة
استخدم
معهد "كارنيجي" الأميركي نموذج علاقات العراق ولبنان للتأكيد على فكرة
أن "التضامن المتبادل بين الدول العربية الهشة"، يقود إلى تعزيز اختلال
كل منها وإبراز نقاط ضعفها.
وذكر
المعهد الأميركي، في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، أنه عندما وافق العراق في العام
2021 على تزويد لبنان بالنفط للحد من أزمة الكهرباء، فإن الصفقة جرى تصويرها
كمبادرة تضامن، لكنها فعليا تتعلق بنقاط ضعف مشتركة.
وأوضح
أن هذا الاتفاق يسلط الضوء على سياق متكرر من العلاقات في العراق ولبنان، وتحديداً
في مجالات الطاقة والمالية والدينية، حيث أن هذا التعاون يعكس سمات أسلوب الحكم في
كل بلد "الطابع غير الرسمي، والشخصنة، والغموض"، مشيراً إلى أن الدولتين
الهشتين عززتا اختلالات احداهما الأخرى من خلال علاقة الترابط بينهما.
ولفت
التقرير، إلى أن صفقة "الوقود مقابل الخدمات" نصت على تزويد العراق
لبنان بنحو مليون طن من زيت الوقود الثقيل سنوياً، مقابل تلقي خدمات طبية وخدمات
أخرى، إلا أنه بالنظر إلى عدم قدرة محطات الطاقة اللبنانية على معالجة الوقود
الثقيل العراقي، فقد جرت استبدال النفط العراقي عبر وسطاء غامضين، مقابل الحصول
على وقود أخف قابل للاستخدام في المحطات اللبنانية، وهي عملية وصفت بأنها مدفوعة
بوسطاء وسياسياً.
وأشار
إلى أن الصفقة تركت لبنان مديوناً للعراق بنحو ملياري دولار، لم يتم تسديد سوى
حوالي 118 مليون دولار منها، مبيناً أن الاتفاق كان من دون أي رقابة، لكنه بالنسبة
للبنان، فقد أمن الكهرباء له وانما دون إصلاح قطاع الطاقة، بينما خلق للعراق قناة
جديدة من المحسوبية للوسطاء المرتبطين سياسياً.
وأضاف
التقرير، أن منطقاً مشابهاً طال أيضاً القطاع المالي، موضحاً أنه قبل انهيار
البنوك اللبنانية في العام 2019، كانت التقديرات تشير إلى أن السياسيين ورجال
الاعمال والهيئات الحكومية العراقية، وضعوا نحو 18 مليار دولار في بنوك لبنان.
وبحسبه
فإن هذه الودائع كانت بمثابة امتداد خارجي للاقتصاد السياسي العراقي، وعندما انهار
النظام المالي اللبناني، جرى تجميد جزء كبير من الأموال أو تبدد، وهو ما أظهر
كيفية تشابك النظامين الماليين العراقي واللبناني من خلال تدفقات رأس المال
النخبوية.
وفي
حين أن البنوك اللبنانية اعتمدت على الودائع العراقية ذات المصادر السياسية للحفاظ
على وهم الاستقرار، وفقاً للتقرير الأميركي، الذي أكد أن النخب العراقية استغلت
السرية المصرفية في بيروت وضعف الرقابة، من أجل حماية الثروات من التدقيق.
واعتبر
أن هذا الترابط يستند على بنى سياسية مشتركة
في البلدين، إذ أن كل من النظام الطائفي في لبنان وصيغة المحاصصة في العراق
بعد العام 2003، يوزعان السلطة وفقا للمحاصصة الطائفية، ما يجعل مبدأ التوافق بين
نخب البلدين، يحل مكان المحاسبة.
وبالإضافة
الى ذلك، بين التقرير، أن الميليشيات في البلدين انخرطت في الحياة السياسية،
لافتاً إلى "حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، وهو ما تسبب في
إغفال الحدود الفاصلة ما بين الدولة وبين الفصائل المسلحة".
ونوه المعهد في تقريره، إلى أن انظمة كهذه تدير
الأزمات، لكنها لا تشارك في الإصلاح، وتفضل التسويات على اعتماد مبدأ الكفاءة،
مضيفاً أن العراق ولبنان يعملان من خلال شبكات المحسوبية بدلاً من التسلسل الهرمي
للمؤسسات، ولهذا، فإن تعاونهما يتبع نمطاً مشابهاً من التبادلات بين النخب التي
تعمد الى الحفاظ على الوضع القائم.
وتابع
التقرير، قائلاً إن "هذه الديناميكيات نفسها التي تتجلى في مجالي الطاقة
والمالية والسلطة الشخصية، والتبادلات الغامضة والاعتماد على شبكات النخبة، تمتد
إلى المجال الديني ايضاً، موضحاً أن هناك بنية تحتية اجتماعية ودينية شديدة تربط
النجف ببيروت".
وأوضح
أن تاريخ التبادل الفكري بين العراق ولبنان يعود الى ما قبل قيام الدولة الحديثة،
وما يزال يساهم في تشكيل السياسة الشيعية المعاصرة، مذكراً بأن رجال دين من لبنان،
مثل محمد مهدي شمس الدين، ومحمد حسين فضل الله، وعباس الموسوي، ومحمد يزبك، درسوا
في النجف قبل عودتهم الى لبنان حيث اقاموا مؤسسات دينية وسياسية، مثلما فعل الشيخ
محمد مهدي شمس الدين برئاسة المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، بينما حافظ فضل الله
بعدما درس 20 سنة في النجف، على علاقاته بالحوزات العلمية العراقية قبل أن يصبح من
أبرز رجال الدين في لبنان.
وأشار
إلى ان جيل فضل الله رسخ التشيع اللبناني في المدار الديني العراقي، بينما اتجه
رجال الدين اللاحقون نحو قم الإيرانية، مبيناً أن الانساب العائلية تعزز هذه
الروابط الدينية.
كما
تحدث التقرير، عن عائلة الصدر، التي يعود أصلها إلى جبل عامل في لبنان، والتي أدت
لاحقاً دوراً محورياً في القيادة الدينية الشيعية في العراق، تظهر كيف تتم ترجمة
السلالات العائلية إلى رأس مال سياسي عابر للحدود الوطنية، مشيراً إلى أن النفوذ
الصدري، من موسى الصدر في لبنان الى محمد باقر الصدر ومقتدى الصدر في العراق، يشكل
جسراً بين كيانين سياسيين مجزئين.
ووفقاً
للتقرير الأميركي، فإن السلطة الدينية للصدريين تؤمن غطاء اخلاقيا للاعبين
السياسيين الذين في مواجهة الازمات من خلال منحهم شرعية طائفية تتيح لهم التهرب من
الإصلاح، مبيناً أن شبكات التكافل الدينية والعائلية، تحولت إلى رافعة اجتماعية
للهشاشة، إذ أنها تحل مكان الروابط المؤسسية، وهو ما يساهم في الحفاظ على الثقة
والنفوذ اللذين يتيحان للنخب الحفاظ على سلطتها حتى في ظل الانهيار.
ونبّه
المعهد الى أن هذا النمط يتكرر في قطاعي الطاقة والتمويل حيث تدار صفقات النفط من
خلال وسطاء بدلا من وزارات، بينما جرى تفضيل العلاقات الخاصة في العلاقات
المصرفية، وروابط النخبة، والشبكات غير الرسمية على السياسات العامة الشفافة، وهو
ما ادى الى تعزيز المحسوبية في التعاملات المالية العابرة للحدود.
وختم
التقرير الأميركي، بالقول إن هذه الشبكة العابرة للحدود الوطنية من الترابط، تعكس
اقتصاداً سياسياً هشاً حيث أن نقاط ضعف كل دولة أصبحت موردا للأخرى، وتعتمد عليها
النخب بهدف الحفاظ على رأس المال وتجنب المحاسبة، ما يقوي نقاط الضعف المتبادلة،
مضيفاً أن علاقة لبنان والعراق تعكس أيضا مفارقة اقليمية اوسع، حيث أن التضامن بين
الدول الهشة، يؤدي إلى إعادة إنتاج نقاط ضعفها بدلاً من مساعدتها في التغلب عليها،
وأن تعاون هذه الدول الهشة، حتى لو كان صادقاً، يتم عبر صفقات نخبوية تتخطى
المؤسسات المناط بها مهمة تحقيق الإصلاح.