صحفيو غزة: الجوع والقصف ينهكان قدرتنا على تغطية الحرب

شفق نيوز- الشرق الأوسط
مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يعاني الصحفيون المحليون من ظروف إنسانية قاسية تهدد قدرتهم على الاستمرار في تغطية الأحداث، وسط نقص حاد في الغذاء والماء وانعدام مقومات الحياة الأساسية.
وأكد صحفيون يعملون مع وكالة "فرانس برس" في غزة، أن "الجوع الشديد ونقص المياه النظيفة أصابهم بالمرض والإنهاك وأجبر بعضهم على تقليل نشاطهم الصحفي".
وفي حزيران/ يونيو الماضي، وصفت الأمم المتحدة استخدام إسرائيل "الغذاء كسلاح" في غزة بأنه جريمة حرب، وحثت منظمات الإغاثة على التحرك لتلافي انتشار المجاعة، بينما تقول إسرائيل إنها تسمح بدخول المساعدات الإنسانية وتتهم حركة حماس بنهبها وبيعها بأسعار باهظة، بل وبإطلاق النار على مدنيين أثناء توزيعها.
في المقابل، اتهم شهود عيان والدفاع المدني في غزة القوات الإسرائيلية مرارًا بإطلاق النار على فلسطينيين أثناء انتظارهم للمساعدات، وأشارت الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من ألف شخص أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء منذ نهاية أيار/ مايو الماضي.
شهادات من الميدان
بشار طالب (35 عاماً)، أحد مصوري "فرانس برس" الذين وصلوا إلى القائمة القصيرة لجائزة بوليتزر هذا العام، يعيش وسط أنقاض منزله المدمر في جباليا النزلة شمال غزة. يقول: "ليس لدينا طاقة، اضطررت إلى التوقف عن العمل مرات عدة فقط للبحث عن طعام لعائلتي"، مضيفًا: "أشعر للمرة الأولى بانهيار نفسي كامل، طرقت كل الأبواب لإنقاذ عائلتي من الجوع والتشريد والخوف المستمر، لكن دون جدوى".
زميله عمر القطاع (35 عاماً)، المرشح أيضاً لجائزة بوليتزر، يعيش على أنقاض منزل عائلة زوجته بعد تدمير شقته. ويوضح: "لا نستطيع الوصول إلى مواقع التغطية لأنه لم يتبقَّ لدينا طاقة، أُرهقت من حمل الكاميرات الثقيلة على كتفي والمشي لمسافات طويلة"، مشيراً إلى اعتماده على المسكنات للتخفيف من آلام ظهره التي زادت بسبب ندرة الأدوية وارتفاع أسعارها".
الصحفي خضر الزعنون (45 عاماً) يقول إنه أغمي عليه مرات عدة نتيجة الجوع والعطش، وفقد نحو 30 كيلوغراماً من وزنه، يصف حالته قائلاً "أصبحت هيكلاً عظمياً مقارنة بما كنت عليه قبل الحرب، فقدت القدرة على العمل بالسرعة المعهودة بسبب التعب الجسدي والنفسي الحاد، والاقتراب من الهذيان"، مضيفاً بأسى: "الأسوأ هو معاناة عائلتي، خصوصاً الأطفال ووالدتي وشقيقتي المريضتين. أراهم ينهارون أمامي وبالكاد يصمدون".
أما إياد البابا (47 عاماً)، المصور الذي نزح من منزله في رفح إلى خيمة بدير البلح ثم استأجر لاحقًا شقة بـ800 دولار لتوفير بعض الراحة لأسرته، فيقول: "تحملت كصحفي كل أنواع الصدمات والألم والحرمان في هذه الحرب الشرسة، لكني غير قادر كإنسان على تحمل الجوع. لقد نال الجوع من عزيمتي"، مؤكداً "العمل كصحافي في غزة هو عمل تحت فوهة البندقية، لكن ألم الجوع أشد وأقسى من الخوف من القصف".
الصحافية أحلام عفانة (30 عاماً) تصف الوضع قائلة: "نعيش مجاعة قاتلة وانعدامًا للأمن الغذائي وغياباً لمقومات الحياة، أصبحت أبسط المواد الأساسية بعيدة المنال".
وتضيف "أمارس عملي بصعوبة بالغة، وسط ظروف تهدد حياتنا في كل لحظة، أقضي كثيراً من الأيام دون طعام حقيقي مع قليل من الماء، لم أعد فقط أغطي الحدث، بل أعيشه وأوثقه في الوقت ذاته".
نداءات وتحذيرات
والثلاثاء، حذر مدير مستشفى الشفاء، محمد أبو سلمية، من أن غزة تتجه نحو أرقام مروّعة من الوفيات بسبب نقص الغذاء، مشيراً إلى وفاة 21 طفلًا خلال ثلاثة أيام بسبب المجاعة وسوء التغذية.
الصحفيون يواجهون أيضاً أزمة سيولة مالية بسبب ارتفاع رسوم السحب النقدي التي تصل إلى 45% والتضخم الهائل في أسعار الغذاء، ما يفاقم من معاناتهم.
المصور يوسف حسونة (48 عاماً) يقول إن "فقدان الزملاء والأصدقاء والعائلة كان اختباراً إنسانياً بكل الطرق الممكنة، مضيفاً "لم تعد هناك حياة كما نعرفها، رغم هذا الفراغ الثقيل، أواصل عملي، كل لقطة أصورها قد تكون آخر أثر لحياة دُفنت تحت الأرض".
زهير أبو عتيلة (60 عاماً)، الذي يعمل مع "فرانس برس" منذ 2002 ويعيش حالياً في خيمة بمدرسة تابعة لوكالة الأونروا في مدينة غزة، يختصر الوضع بقوله "الوضع كارثي أفضل الموت على هذه الحياة، لم يعد لدينا طاقة، نحن منهارون، كفى".
وفي الثامن من تموز/ يوليو الجاري، أعلنت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن أكثر من 200 صحفي قُتلوا في غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بعد هجوم حماس غير المسبوق على جنوب إسرائيل، ما يجعل من العمل الصحافي في القطاع مهمة محفوفة بالمخاطر على جميع المستويات.