دعوات محلية وعربية لاستبدالها.. تشريعات موروثة من النظام السابق تعطل الاقتصاد العراقي
شفق نيوز/ أكثر من 20 عاماً مضت على تغيير النظام السابق إلا أن القوانين والقرارات التي سنّها ومن قبله الأنظمة السابقة، ما زالت تعرقل عجلة النهوض الاقتصادي وتقف حائلاً أمام العديد من المشاريع الاستثمارية، في وقت تسعى فيه الحكومة الحالية وتصرّ على ضرورة إشراك القطاع الخاص ومنحه مساحة كافية للإنتاج وامتصاص البطالة.
ولم يقف الأمر عند المستثمر المحلي بل أن المستثمرين غير العراقيين هم أيضاً يشكون من هذه "القوانين المنفرة"، بعد أن حالت دون تنفيذهم العديد من المشاريع، وفي أحسن الأحوال تأخذ وقتاً طويلاً لتجاوزها والمباشرة بالعمل.
وبهذا الصدد يقول رجل الأعمال الأردني، حسن إسميك، لوكالة شفق نيوز، إن "العراق يشهد حركة نشطة في مجال تحسين الخدمات والبنى التحتية منذ مباشرة حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مهامها، حيث تبنت برنامجاً يتضمن جملة من الإصلاحات والأهداف الآنية والآجلة، وقد حصدت إشادات عراقية ودولية في إنجازاتها بمختلف القطاعات، لا سيما الصحية والتعليمية والخدمات الأخرى".
ويضيف أن "النهج الحكومي الحالي يتجه نحو تطوير الخدمات كون مشاريع الجسور والطرق في بغداد جيدة جداً وتساهم بإنهاء أزمة مستعصية استمرت لسنوات. وأرى بأن هذه الحكومة تعرف ماذا تريد".
ويستدرك "لكن استدامة ما أنجزته الحكومة وقدمته في مختلف القطاعات، هناك حاجة إلى التعمق في الإصلاحات لضمان استدامة والبناء عليها، وتحديداً حاجة العراق إلى إرساء هوية وطنية موحدة، وورشة من التعديلات التشريعية للتخلص من موروثات النظام السابق والتي تتجاوز وفق تقديراتي ثلاثة آلاف تشريع، واستبدالها بأخرى حديثة".
ويؤكد إسميك "لابد أن تكون الإصلاحات التشريعية داعمة لانفتاح العراق على العالم، وترفع من تنافسية اقتصاده بين اقتصادات المنطقة الرائدة، لذا على السوداني البدء بتطوير منظومة التشريعات والقوانين، وتسهيل إجراءات الحصول على الرخص الاستثمارية، وحيوية التحويل المالي من وإلى العراق من أجل ارتفاع وتيرة دخول الشركات الاستثمارية الأجنبية إلى البلاد لتنفيذ جميع المشاريع الخدمية والاستثمارية والتجارية والصناعية".
ويشير إلى أن "رجال الأعمال والمستثمرين يواجهون عقبات عدة جراء التشريعات السابقة التي لم يتم تحديثها للتتناسب مع التوجه الحكومي نحو الاستثمارات الخارجية وجعل القطاع الخاص العراقي شريكاً أساسياً للحكومة للنهوض بمختلف القطاعات الخدمية والصناعية وغيرها، فهذه التشريعات في الكثير من الأحيان تعطل عدداً من المشاريع".
وكان عضو لجنة الاستثمار والتنمية النيابية، حسين السعبري، قال في تصريح سابق لوكالة شفق نيوز، إن "الاستثمار في العراق يواجه عرقلة من وزارات ودوائر ومؤسسات في الدولة، بينها مشكلة الحصول على موافقات وزارة الصناعة لإنشاء المعامل الصناعية"، مؤكداً على ضرورة توفير الدعم الحكومي للمشاريع والاستثمارات لتشغيل الأيدي العاملة والاستفادة من الأموال داخل البلاد بدلاً من ذهابها إلى الخارج".
مراجعة القوانين
ويؤكد اقتصاديون أن قوانين الاستثمار والقطاع الخاص "قديمة"، إذ يعود قانون الجمارك لعام 1983، ورغم أن بعض بنوده "ممتازة"، لكن الأخرى تستوجب مراجعتها كونها ضد المستثمر والقطاع الخاص، وفق الخبير الاقتصادي، مصطفى الفرج.
ويوضح الفرج لوكالة شفق نيوز، أن "المستثمر يصطدم بعدة بنود قانونية أولها الأرض ومراجعة وزارات البيئة والصناعة والزراعة، وكذلك المحافظة والبلدية وغيرها، وكل ذلك فيه معرقلات تعيق الاستثمار".
ويبين أن "القانون الحالي المطبق يعود إلى ما قبل عام 2003 وقت ما كانت البلاد في عزلة من دول الجوار والاستثمارات الخارجية، وبعد عام 2003 فُتح الاستثمار أمام دول الجوار والعالم، لذلك الوضع اختلف عن السابق ما يستدعي أخذ هذا بنظر الاعتبار، وإعادة النظر ببنود قوانين الاستثمار وتحديثها بما يتلاءم مع البيئة الحالية".
ويؤكد الفرج، أن "إشراك القطاع الخاص في الاستثمارات مهم ليكون داعماً وشريكاً وسانداً للحكومة، والابتعاد عن الكومشنات ودوامة المعرقلات التي يدخل فيها القطاع الخاص في نقل البضائع الداخلية والخارجية، وهو ما تسبب بحدوث المبالغة في أسعار البناء والعقارات".
العراق "غير استثماري"
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، عبد السلام حسين، أن "العراق لا يسمى بلداً استثمارياً لأن الحكومة تعطي الأرض للمستثمر مقابل مبالغ غير معروفة، والمستثمر يبني على سبيل المثال شققاً سكنية تصل أسعار بعضها إلى 300 ألف دولار، فيما يمكن بربع هذا المبلغ ان يشتري المواطن بيتاً بمساحة 100 متر مربع، ورغم أن الحكومة تمنح قروض الـ100 راتب أو الـ100 مليون دينار، لكن يبقى مبلغ الشقق خيالياً".
ويلفت حسين في حديث لوكالة شفق نيوز، إلى أنه "ووفقاً لما سبق، فإن مشروع الاستثمار في العراق فاشلاً وليس في مصلحة المواطن لأنه لا توجد نسبة وتناسب، إذ إن سعر البيوت أرخص من سعر شقة في الطابق العاشر، لذلك الاستثمارات تخدم المستثمرين المتنفذين المرتبطين بالأحزاب الكبيرة فقط".
النهوض الاقتصادي
وتشكل القوانين الخاصة بالقطاع الخاص والاستثمار إحدى أبرز العقبات التي تواجه النهوض بالقطاع الخاص والاستثمار كونها قوانين وضعت بشكل يخدم الجهات السياسية ومكاتبها الاقتصادية ويجعل من القطاع الخاص محتكراً بيد جهات معينة دون غيرها، وهو ما تسبب في تراجع مستمر في القطاع الخاص الذي لا تشكل مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلا الشيء القليل، كون التسهيلات القانونية لا تُمنح إلا لجهات مقربة من الأحزاب ومكاتبها الاقتصادية، بحسب الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي.
ويضيف الحلبوسي لوكالة شفق نيوز "كما أن قانون الاستثمار يعد بشكله الحالي منفراً للاستثمار ومفصّلاً على الشكل الذي يتلاءم مع الجهات الاقتصادية التابعة للأحزاب، وهو ما تسبب بتحويل العراق إلى بيئة طاردة للاستثمار وهجرة رؤوس الأموال الوطنية، فضلاً عن عدم القدرة على جذب رؤوس أموال أجنبية للاستثمار في العراق إلا في مجال القطاع النفطي".
ويتابع "وقد تسببت القوانين غير الملائمة للقطاع الخاص والاستثمار إلى إحداث تراجعاً كبيراً في القطاع الخاص وعدم القدرة على توفير فرص عمل كبيرة كما في الدول الأخرى، فضلاً عن احتكاره من قبل الجهات الحزبية وضعف مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي وهو ما أدى إلى حدوث تأثير سلبي كبير في الاقتصاد العراقي وإبقائه على الشكل الريعي الذي يشكل خطراً كبيراً على العراق وشعبه".
"فضلاً عن أن العراق يحتاج إلى المزيد من الاستثمارات وتنويعها في مجالات زراعية وصناعية، لكن قانون الاستثمار يعد عقبة كبيرة أمام المستثمرين وهو ما تسبب في تعطيل الاستثمار وجعل العراق بيئة غير جاذبة استثمارياً"، يقول الباحث الاقتصادي.
ويوضح، أن "المؤسسة العربية لضمان الاستثمارات وائتمان الصادرات، صنّفت العراق في المركز الأخير من بين الدول العربية، وهو ما يبين أن العراق بيئة منفرة للاستثمار، مما يتطلب إجراء اصلاحات قانونية كبيرة، كما أن البنك الدولي صنّف العراق في مؤشر سهولة أداء الأعمال بالمرتبة 172 من أصل 190 دولة شملها التقرير، وهو ما يبين وجود عرقلة كبيرة أمام المستثمرين فضلاً عن ضعف كبير في منحهم التراخيص".
قوانين طاردة للاستثمار
ويؤكد الحلبوسي، أن "قوانين القطاع الخاص والاستثمار أسهمت في تعطيل النهضة الاقتصادية في العراق كونها قوانين منفرة للمستثمرين ومعطلة للقطاع الخاص، وهو ما أدى إلى تراجع اقتصادي كبير وزاد من معدلات البطالة وغياب تنويع مصادر الإيراد للدولة وتأثير الدولة بكل هزّة اقتصادية أو سياسية تحدث محلية أو إقليمية، كون هذه القوانين وضعت من أجل فئة معينة تابعة للأحزاب الحاكمة دون غيرها".
وهو ما يشكل خطراً كبيراً على العراق - وفق الحلبوسي - بسبب "عدم تفعيل الاستثمار والقطاع الخاص من أجل الخروج من ريعية الاقتصاد إلى التنوع الصناعي والزراعي وبالتالي تنوع مصادر إيراد الدولة وتحقيق النهضة الاقتصادية".
ويبيّن، أن "صندوق النقد الدولي كان قد حذّر العراق قبل أيام من خطر بقاء اعتماده على النفط وأمر بضرورة تنشيط القطاع الخاص والاستثمار، لأن بقاء العراق على ما هو عليه الآن يشكل خطراً مالياً واقتصادياً سيؤدي بالعراق إلى الانهيار القريب".
وشدد الباحث الاقتصادي في ختام حديثه على ضرورة "إصلاح قانون الاستثمار وقانون القطاع الخاص بالشكل الأمثل الذي يسهم في تنشيط هذين القطاعين المهمين، لأن بقاء القوانين بهذا الشكل يعني استمرار التراجع الاقتصادي حتى الوصول إلى الانهيار الاقتصادي والمالي الكبير".