نصيحة من "أقاصي الارض" للعراقيين: واجهوا التصحر كالصينيين
شفق نيوز/ لا مكان لليأس رغم توالي الضربات التي يتلقاها العالم بسبب التغير المناخي، حيث يحتل العراق موقعاً أساسياً بين الدول الاكثر تضرراً، والتفاؤل هو السمة الحتمية للمؤتمر المنعقد حالياً في العاصمة الكورية الجنوبية سيول، من أجل اجتراع حلول ليست سحرية، ترتكز على الاشجار والغابات، بصفتها ملاذ البشرية الأخير على ما يبدو من أجل انقاذ الارض. وأحد هؤلاء المؤمنين رغم "سوداوية المشهد"، هو الخبير الدنماركي البارز "كيم كارستنسن" الذي يتمتع بخبرة طويلة في العمل مع دول العالم النامي، كما يعتبر رائداً في قطاعي البيئة والتنمية، ويتولى منذ العام 2012، إدارة "مجلس الاشراف على الغابات"، والحاضر الآن بفعالية بنشاطات وورشات نقاش في مؤتمر سيول.
ترتكز الرسالة الاساسية للمؤتمر على محاولة ضمان أن تكون الغابات جزءاً لا يتجزأ من المناقشات والقرارات المتعلقة بالتنمية المستدامة نظراً لأهميتها بالنسبة لصحة كوكب الارض وشعوبه ورفاههم واستقرارهم، في وقت استمرت ازالة الغابات وتدهورها بمعدل ينذر بالخطر يبلغ حوالي 10 ملايين هكتار في السنة، ما بين عامي 2015 و2020، رغم أن دول العالم سبق لها أن اتفقت على العمل من أجل الحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري.
لكن العراق على ما يبدو يشكل دليلاً حياً على أن العمل العالمي لم يتبلور بعد، وأن الانجاز اصعب من التوصيات والقرارات، وأن الارض، كما في العراق تحديداً، ظمآنة وهي التي لطالما عرفت عبر حضاراتها باسم بلاد ما بين النهرين.
بالامس، نعيت بحير ساوة بشكل غير رسمي حتى الان، ومنذ سنوات تتداعى عناصر عديدة على "تعطيش" العراقيين، كما أن الامطار التي تراجعت مستوياتها، والسدود العديدة المقامة في كل من تركيا وايران، والاحتباس الحراري الذي فاقم من ظواهر الجفاف والتصحر في العراق. ولم يمض وقت طويل منذ ان اعلنت السلطات العراقية، وتحديداً في كانون الاول/ ديسمبر الماضي، إطلاق مياه السدود لتغذية الاراضي الزراعية والاحتياجات الاخرى، في ظل اسوأ موجة جفاف تضرب العراق.
هنا، في مؤتمر سيول، المقام من جانب منظمة الاغذية والزراعة "الفاو" التابع للامم المتحدة، بالتعاون مع خدمة الغابات الكورية، هناك قناعة عامة بأن الغابات تعرف بدورها في التخفيف من آثار تغير المناخ، وأن حماية الغابات وإدارتها واستعادتها، إذا تم تنفيذها على نحو مستدام، يمكن أن تقدم حلولاً مهمة قائمة على الطبيعة لمعالجة تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي وتحسين سبل عيش الناس.
ولهذا فأن السؤال الاول الذي توجهت به وكالة شفق نيوز، الى الخبير الدنماركي "كيم كارستنسن".الناشط من مدينة بون الالمانية، عن اهمية مؤتمر سيول في ظل هذه الاحوال السائدة، فأشار إلى أن المؤتمر "يستعيد مقررات غلاسكو-2021" التي جرى الاتفاق خلالها على تقليل حجم المخاطر البيئية التي يتعرض لها كوكب الأرض، وتوفير دعم مالي للدول النامية للتكيف مع تبعات التغير المناخي الذي يشهده الكوكب، والتفاهم بشكل صريح للمرة الاولى على التقليل من استخدام الفحم الذي يتسبب في زيادة الانبعاثات الغازية في الغلاف الجوي.
وقال "كارستنسن" في مقابلة مع وكالة شفق نيوز، إن اللقاء في سيول ليس مكاناً من أجل اتخاذ قرارات او التوصل الى اتفاقيات رسمية، وانما للاجتماع بين الناس والعمل فعلياً لايجاد حلول لظواهر الجفاف وإضمحلال الغابات، والتي على سبيل المثال يعاني منها العراق، وسوريا ايضاً.
وتؤكد أرقام رسمية في العراق، أن التصحر بات يطال 39 % من الاراضي، كما تهدد زيادة ملوحة التربة القطاعَ الزراعي في 54% من الاراضي المزروعة، علماً بأن موسم الامطار للعام 2020-2021 كان الأكثر جفافاً خلال 40 عاما مضت، وهو ما ادى الى نقص حاد في التدفقات المائية في نهري دجلة والفرات بلغت نسبتها 29 % (في دجلة) و73 % (في الفرات).
وينقل كارستنسن خلاصة المؤتمرين في سيول، بأن التغيير المناخي يؤثر ويتأثر بالغابات التي تمتص انبعاثات الكربون وتطلق الاوكسجين في المقابل.
ولهذا، فباعتقاد هذا الخبير الدولي، أن ما يحتاجه العراق هو المزيد من التشجير الذي يحقق معادلة الاوكسجين من اجل التحكم بنسب ثاني اوكسيد الكربون، وتساهم في حفظ المياه في التربة وتمنع بالتالي الجفاف السريع للمصادر المائية كالانهار.
وأشار إلى أن زراعة الاشجار تساهم في الاحتفاظ بالمياه وتساعد ايضاً في سهولة تدفق مياه الامطار الى مجاري الانهار.
هذه هي "نصيحته" الى العراقيين والتي تابعها قائلاً، إن الاشجار تحفظ المياه وتضبط ارتفاع درجات الحرارة وتخفف بالتالي من السخونة والجفاف.
وغلى الرغم من اقرار كارستنسن، بأن هناك "جانباً سياسياً" لازمة العراق، متعلقة بالسدود التركية والايرانية والتي تحتاج الى معالجة من الجهات السياسية، إلا أن الاشجار في الوقت نفسه، هي الملاذ الذي يتيح الحفاظ على الموارد المائية وانقاذ الاراضي من التصحر والجفاف.
ومع ذلك، لفت كارستنسن، بأن من اهداف نشاطه هو وغيره من الناشطين على صعيد المنطقة او العالم، هو ان يوصلوا الى السياسيين فكرة اهمية الغابات لتحقيق التوازن البيئي، واتخاذ اجراءات تضمن ادارة المياه والارض بشكل افضل.
لكن هل هناك مكان للتفاؤل بالنسبة الى العراق؟ سألنا الخبير الدنماركي، فقال "نرى الكثير من المبادرات حول العالم تتعلق بهذه المسائل، فهناك غابات يجري زرعها منذ عشر سنوات تقريبا في الصين لمنع العواصف الرملية الاتية من صحراء غوبي، وما زال الصينيون يعملون على توسيعها".
واضاف "صحيح ان الصينيين لم ينجحوا بالكامل حتى الان، لكنهم مازالوا مستمرين، ولهذا نصيحتي للعراقيين هي ان يدرسوا هذه المبادرات في مناطق اخرى من العالم تواجه الجفاف، كالصين مثلا".
ورداً على سؤال عما اذا كان بمقدور العالم أن ينجز بالفعل خطط "استعادة" ما يصل الى نحو 10 ملايين كيلومتر مربع من الاراضي كغابات، اي ما يعادل مساحة الصين تقريباً، قال كارستنسن إن ذلك ممكن التحقق، لكنه أكد على فكرة "رزع الشجرة الصحيحة في المكان الصح، والهدف الصح"، موضحاً أن الاشجار هي للناس وحيث تتواجد حياتهم بالقرب منهم، ويجب ان تأتي ضمن مصالحهم وبيئاتهم التي يعيشون فيها.
وبرغم تفاؤله بأن مقررات قمة غلاسكو العام الماضية، تضمنت تخصيص مليارات الدولارات، ويجب ان تستغل بشكل صحيح، الا انه حذر من أن تسير الخطط والاجراءات ببطء وأن يستهلك التعاون بين الحكومات والسكان المحليين والمنظمات، وقتا طويلاً، إلا أنه مع ذلك قال "يمكن ان تتحقق".
وعندما سئل كارستنسن عما اذا كان هناك نموذجاً ناجحاً يمكن ان يتطلع العراق اليه، استعاد مجدداً تجربة الصين التي قامت خلال الاعوام الـ 10 الى 15 الماضية بزراعة مساحات واسعة من الاشجار والغابات، وهذا يشكل قصة نجاح كبيرة. وأشار أيضا إلى أن كوريا الجنوبية كانت اول دولة في العالم بعد نهاية الحرب الكورية، تبدأ خطط اعادة زراعة الغابات.
ويبقى من المهم الاشارة الى ان الامم المتحدة تؤكد ان الغالبية العظمى من التنوع البيولوجي الأرضي في العالم موجود في الغابات: فهي تحتوي على أكثر من 60 ألف نوع مختلف من الأشجار وتوفر موائل لـ 80 % من أنواع البرمائيات، و75 % من أنواع الطيور، و 68 % من أنواع الثدييات. ولعل الخطر الاكبر يكمن في حقيقة ان الطلب العالمي على الغذاء بحلول العام 2050، يتطلب زيادة الانتاج الزراعي بنسبة 50%، وهو هدف قد لا يتحقق مالم نسمح للغابات التدخل.. من أجل انقاذنا من انفسنا.